يعيش عبدالعزيز وهو شاب كويتي تخرج في الثانوية العامة في حزيران يونيو الماضي ازمة حقيقية تشاركه فيها العائلة. فالشاب البالغ 18 عاماً كان يتأهب للالتحاق بجامعة الكويت بعد قبول اوراقه فيها عندما رفعت ادارة الجامعة في نهاية الشهر الماضي وبصورة مفاجئة نسبة القبول من 75 في المئة الى 2،79 في المئة الأمر الذي جعل عبدالعزيز الحاصل على 3،77 في المئة في شهادته الثانوية و600 طالب وطالبة آخرين يخسرون مقاعدهم الدراسية للسبب نفسه. ويقول عبدالعزيز ل"الحياة" ان مشاعره التي يختلط فيها الغضب بخيبة الأمل لا تمكنه من مجرد التفكير في بدائل دراسية اخرى. "فلقد كان لدي مقعد دراسي جاهز لاستقبالي والآن أنا في الشارع لأن الاداريين في الجامعة لا يعرفون ما يفعلون ولأن القاء 600 شاب وشابة خارج الجامعة يقلل من متاعبهم الوظيفية". وليس عبدالعزيز وحده الغاضب، بل 600 عائلة كويتية أصبحت حائرة في ما تفعله في شأن مستقبل أولادها، الأمر الذي ما لبث أن تحول - ولأسباب مفهومة - الى مشكلة سياسية يواجهها وزير التربية الدكتور يوسف الابراهيم أمام نواب مجلس الأمة البرلمان. ولم تكن ادارة جامعة الكويت موفقة في التعامل مع المشكلة فور تفجرها عندما أعلنت ببرود عن رفع نسب القبول غير مبالية بمن سيجري استبعادهم من الطلبة والطالبات الذين قبلت الادارة نفسها اوراقهم في أوائل الصيف. وللرد على انتقادات النواب والصحف أصدرت الجامعة بياناً حملت فيه بقوة على نظام التعليم الكويتي وكثرة المخرجات من الثانوية العامة التي يتعين على الجامعة استقبال جزء منها. وبحسب المعلومات الرسمية فإن 900،3 خريج كان تم قبول اوراقهم، لكن حساب مقاعد الدراسة وعدد أفراد الهيئة التدريسية قاد الى الافتراض أن هناك 300،3 مقعد للطلبة الجدد في الجامعة اليتيمة في الكويت والتي يصل مجموع طلبتها الى 15 ألفاً، وهكذا أعادت الادارة "تضبيط" نسب القبول في آخر لحظة وتم استبعاد الستمئة طالب. ويقول عبدالعزيز "صرنا مثل من نزل الى منتصف البئر ثم سُحب منه الحبل، فلا نحن التحقنا في معاهد دراسية بديلة ولا تمكنا من الترتيب للدراسة في جامعات عربية أو أجنبية كما فعل بعض من لم يتم قبول أوراقهم. ومهما فكرنا ببدائل فإننا نكون خسرنا سنة دراسية في كل الأحوال". وقاد الشعور بالاحباط والغضب مئات من الطلبة المرفوضين الى الاعتصام في مبنى مجلس الأمة واستنهاض النواب ضد الجامعة ووزير التربية، وبالفعل شن النواب هجوماً حاداً على الجامعة والوزير، خصوصاً الاسلاميين منهم بسبب انتماء الدكتور يوسف الابراهيم الى "التجمع الوطني الديموقراطي" وهو تكتل ليبرالي نشأ عام 1996، كذلك نشط الاتحاد الوطني لطلبة الكويت الذي يقوده الاسلاميون منذ عام 1978 في مناصرة الطلبة المرفوضين وانتقاد الجامعة والوزير. ومن جانبه قال الابراهيم انه سيفعل ما بوسعه لمواجهة المشكلة، لكنه شدد على أن لمجلس الجامعة استقلاليته وانه لن يتدخل في القرارات التي يراها المجلس ضرورية لادارة التعليم الجامعي، ومن التصورات التي طرحها الوزير ان يتم الاعداد لقبول الطلبة الستمئة في الفصل الدراسي التالي في شباط فبراير المقبل، لكن ادارة الجامعة تحفظت على ذلك وقالت ان مجلس الجامعة الذي سيعقد اجتماعه الأول في تشرين الأول اكتوبر المقبل سيتناول هذا الموضوع ويبحثه. ولا يصدق الاسلاميون خصوصاً أن يكون قرار رفع النسب وخفض عدد المقاعد تم بعيداً عن علم الوزير ورغبته، وصرح النائب الدكتور وليد الطبطبائي للصحف بأن الوزير الابراهيم تمكن في العام الماضي من الترتيب لاجتماع مجلس الجامعة خلال ساعات عندما كان الهدف هو البحث عن عفو أميري لعضو التدريس أحمد البغدادي الذي دين بتهمة الاساءة للاسلام ووضع في السجن، "ولكن مشكلة 600 طالب كويتي ليست عاجلة بالنسبة الى الوزير حتى يطلب اجتماع مجلس الجامعة" كما يقول الطبطبائي. والواقع ان الوزير الابراهيم - وكان عميداً لكلية التجارة في الجامعة نفسها - لا ينقصه أسباب للدخول في مواجهة مع الاسلاميين، فهو كان أغضبهم بشدة عندما صرح في مطلع آب اغسطس الماضي بأن قانوناً أصدره مجلس الأمة عام 1996 ويقضي بإنهاء الاختلاط بين الجنسين في الجامعة خلال خمس سنوات هو قانون صعب التطبيق لأسباب مالية وادارية تتعلق بواقع الجامعة. وجاء تعليقه هذا بعد فترة وجيزة من نجاح الاسلاميين في المجلس في ادخال نص على قانون يسمح بانشاء جامعات خاصة وفروع لجامعات أجنبية يشترط أن يكون الفصل بين الجنسين هو أساس العمل في هذه الجامعات أو الفروع، الأمر الذي اعتبره الاسلاميون دفعة أخرى لمبدأ انهاء الاختلاط في الجامعة. ومن المرجح أن يكون هذا الموضوع نقطة صدام بين الاسلاميين والليبراليين وقد تكلف الوزير الابراهيم مقعده الوزاري، خصوصاً أن خريف عام 2001 هو الموعد النهائي لتطبيق منع الاختلاط الذي تبدو الحكومة عازمة على عدم احترامه، وكان الاسلاميون استجوبوا عام 1994 وزير تربية ليبرالياً آخر هو الدكتور أحمد الربعي الذي نجا من سحب الثقة بفارق صوتين اثنين فقط. وبعيداً عن الجانب السياسي للقضية فإن مشكلة استبعاد الطلبة الستمئة تكشف عن تأخر الادارة الاكاديمية الحكومية في الكويت في التعامل مع الاختلال الكبير بين حجم ونوع مخرجات التعليم وقدرات الجامعة والمعاهد العليا على الاستيعاب ثم حاجة سوق العمل للتخصصات العلمية. فالثانويات العامة تخرج سنوياً نحو 12 ألف طالب وطالبة، وفي حين يجد بعض الطلبة الذكور فرصاً مثل الانخراط بالسلك العسكري والأمني أو ببعض المؤسسات الصناعية مثل شركات النفط فإن الطالبات لا يجدن بديلاً عن الحصول على مقعد في الجامعة أو في المعاهد العليا، خصوصاً أن الطبيعة المحافظة للمجتمع الكويتي لا تتقبل فكرة سفر الفتيات للدراسة في الخارج. ومعلوم ان الطالبات أكثر اقبالاً على المذاكرة في الثانوية العامة من الطلبة، وهكذا فانهن يحصدن ثلاثة أرباع مقاعد الدراسة في الجامعة، مما دفع البعض الى التساول عن صحة هذه الأوضاع. فكما يرون فإن "مقاعد الجامعة يجب أن تقدم للذكور الذين هم أحوج للوظائف ولفتح البيوت وتأسيس عائلات". المشكلة الأخرى هي في اقتناع مسؤولين في الحكومة بأن التعليم العالي في الكويت لا يخدم التنمية بسبب تقاعس الخريجين الكويتيين في البحث عن وظائف في القطاع الخاص واصرارهم على الحصول على وظيفة حكومية تقدم راتباً مجزياً بقليل من التعب. هؤلاء المسؤولون لا يتحمسون لزيادة مقاعد الجامعة ولا يشكل استبعاد 600 طالب وطالبة مشكلة لديهم بل خطوة واقعية تفرضها الظروف الاقتصادية والوظيفية. وتحاول الحكومة بتحريض من مجلس الأمة ابتكار حلول لمشكلة عدم اقبال الكويتيين على العمل في القطاع الخاص الذي يشكلون فيه نسبة 4 في المئة، في حين أن 96 في المئة هم من الوافدين وهذه أرقام مخيفة بالنسبة الى بلد تجاري مثل الكويت حيث تقدم المؤسسات والشركات الخاصة معظم الخدمات وفرص العمل. ومن الاتهامات التي وُجّهت لادارة جامعة الكويت انها تعمدت افتعال مشكلة الطلبة الستمئة من أجل الحصول على مزيد من الأموال الحكومية للسنة الحالية، ويرى بعض النواب الكويتيين ان سوء الادارة المالية للجامعة يجعل من الطالب الكويتي فيها الأقل كلفة في العالم حتى مقارنة بجامعات عريقة مثل هارفارد وكامبريدج. لذا فإن النواب مهتمون بتغيير المسؤولين في الادارة الجامعية أكثر من اهتمامهم بزيادة نفقاتها المالية.