في وقت استضافت مدينة دوربان في جنوب افريقيا، مؤتمراً مأسوياً عن مرض فقدان المناعة المكتسبة الايدز الذي بات يحصد سكان تلك القارة المبتلية، انعقد في واشنطن "المؤتمر العالمي عن ألزهايمر". وفي معان جمة، يبدو المؤتمر الاميركي كأنه النقيض التام للمؤتمر البائس في جنوب افريقيا. وبدءاً من عناصر التشابه، تصل بين المؤتمرين وحدة الظاهرة المرضية في علاقاتها مع مجمل الاجتماع الانساني وقواه العميقة. وسواء تمثّل الامر في جائحة فيروسية معدية الايدز او في مرض غير مُعْدٍ؟ يتصل مع التقدم في العمر، فثمة وجه مشترك. لا يقدر الفيروس وحده على التحوّل الى صورة الهلاك الجماعي التي تطحن شعوب ما تحت الصحراء الافريقية الكبرى، وفي المقابل، فما يبدو كأنه مرض متصل بظاهرة طبيعية بطيئة كالشيخوخة، وبصرف النظر عن النقاش في سبب الزهايمر، صار اقرب الى صورة "الوباء" المتصاعد مع إطراد غنى الشعوب وتقدمها. وفي هذا المعنى، يبدو ألزهايمر هماً اجتماعياً ضاغطاً في المجتمعات الصناعية المتقدمة. تعاني الامراضى الوبائية، مثل الملاريا والايدز، نقص الاموال الكافية في الابحاث. ولم يكن الهمّ المالي قوي الحضور في المؤتمر العالمي عن ألزهايمر الذي برز فيه خلاف قوي على اصل المرض وسببه، وفي صورة تذكّر بما حصل في المؤتمرات الاخيرة عن الايدز ... وتتوزع آراء العلماء بين نظريتين، الاولى تعرف باسم بابتيست Baptist في إشارة الى تركيزها على دور البروتين الدهني Beta Amyloid Protein "بيتا اميلويد" واختصاره BAP، وان تراكمه في اعصاب الدماغ يطفئ عملها. وتعرف النظرية الثانية بالتاوية Tauist لانها تشدد على دور الجينات، وخصوصاً الجين APOE4، في مراكمة شبكة الياف غير نافعة في خلايا الدماغ تعرف باسم "تانغلز" Tangles، ما يعطّل عملها. وبالطبع، ثمة تلاعب على الكلام، فالبابتيست لفظة تدل الى الطائفة المعمدانية والتاويست تشير الى مذهب الطاوية .... وتتفق النظريتان على دور جهاز المناعة الذي تفترض به القدرة على إزالة اللطخات Plaques الناجمة عن تراكم البيتا اميلويد، وكذلك إزالة الالياف التي يكوِّنها بروتين تاو TAU Protein. وفي ألزهايمر، يفشل جهاز المناعة في انقاذ الدماغ من عناصر دماره. حفز الامر بعض الباحثين على تجربة انواع من اللقاح الطعم لدفع جهاز المناعة الى "تنظيف" خلايا الدماغ. ونجح الامر جزئياً في احدى التجارب على الفئران، واعطي لقاح تجريبي لمجموعة محدودة من المرضى في بريطانيا. لكن الحديث عن المناعة متشعب، فهل ينظر يوماً الى ألزهايمر باعتباره الجسد الذي يفقد تدريجاً مناعته حيال نفسه، ويترك لتركيبه الموروث الجين مجالاً مفتوحاً لكي يوهن تفكيره وذاكرته؟ صورة تستدعي الكثير من الظلال، وقد تتطلب نقاشاً من نوع آخر. في وصف المرض واحواله يصيب ألزهايمر 5 في المئة من البالغين، وترتفع النسبة في الاعمار الاكثر تقدماً. ويقدّر العدد الكلي للمصابين بنحو 18 مليوناً في العالم. لكن ألزهايمر يمثل مشكلة متفاقمة، وخصوصاً للشعوب الاكثر تقدماً، إذ ادى التطور الحضاري الى رفع المعدّل العام لمتوسط الاعمار، وتضم الدول الصناعية 75 في المئة من مرضى ألزهايمر. وهذا الرقم مرشح الى التضاعف خلال السنوات الخمس المقبلة، مع تزايد نسبة كبار السن في المجموع السكاني العام للدول الصناعية" وهو ما يطلق عليه اسم "الجموع الرمادية"، Graying Population. و يدرج التصنيف التشخيصي الاحصائي Diagnostic Statistical Manual او DSM في صيغته الرابعة، مرض ألزهايمر في فئة الخرف Dementia. وعَرّف البروفسور الالماني ديفيد ليشمان، وهو من الاساتذة المعاصرين للمدرسة البيولوجية العضوية في الطب النفسي، الخرف بأنه هبوط شامل في القدرات المعرفية للانسان، اي تلك التي توصف باعتبارها "الاعمال العليا" للدماغ. ويتفق وصف ليشمان مع ما يُعبّر عنه التصنيف الاميركي DSM 4 والعالمي للخرف. ووصف المرض للمرة الاولى الطبيب الالماني الوس ألزهايمر عام 1906، اي بعد سنوات قليلة من وضع سيغموند فرويد كتابه "تفسير الاحلام". وقد وصف حال خرف لمريضة لم تتجاوز 55 عاماً. ويشتمل ألزهايمر هبوطاً قوياً في القدرات الفكرية للمصاب، بدءاً بالوظائف الاكثر "تقدماً" مثل القدرة على التحليل والتتابع المنظم وربط المعطيات والتعامل بفاعلية مع الارقام واشتقاقاتها وما يشابهها. وتتقلص المعارف العامة و"بنك المعلومات" للشخص، حتى في الامور التي الفها طويلاً قبل اصابته بالمرض. واحياناً يكون ذلك مقدمة او سبباً لتشخيص المرض. وفي مثال نموذجي، فإن السبّاك المحترف يقف كأنه تائه، يحمل في يده المفتاح الانكليزي، لكنه لا يستطيع ان يستعمله لانه نسي طريقة استخدامه... ويعتبر اختلال الذاكرة من ابرز مظاهر ألزهايمر، وتضطرب الذاكرة القريبة جداً والقريبة Short Term Memory، اي تلك التي تستعمل في الاصغاء الى الاحاديث او قراءة الجريدة، ثم تنداح دائرة الفقد توسعاً في الزمن. وتُنْسى الاحداث المتوسطة البعد، فيما تستمر الذكريات الابعد زمناً اطول. لكن المشكلة ان المرض يؤدي الى اختلال في متابعة الزمان وتسلسله. واحياناً تختلط ذاكرة الطفولة المبكرة بذكريات الشباب او حاضر الاحداث. ويُفْقِد ألزهايمر القدرة على تمييز المدركات الحسية، فلمس الملعقة او القلم يؤدي الى التعرّف اليهما. وكما لمس اليد، كذا الامر في المدركات الشمية والبصرية، مثل تمييز الوجوه او الالوان. وتنحسر المهارات الحركية، بدءاً من عدم القدرة على إداء الحركات الدقيقة مثل شغل الابرة والكانفا او الضرب على الآلة الكاتبة، وصولاً الى عدم القدرة على توجيه الملعقة الى الفم. وفي التفاعل مع المحيط، تُفقد القدرة على تمييز اقسام النهار وتضطرب الاستجابة لتنفيذ "الاوامر" الابسط، مثل ارتداء الثياب او الاغتسال. وثمة الآن ثلاثة ادوية اجازها مكتب الدواء والغذاء في اميركا، وهي "ريفا ستيجمين" و"دوبيزيل" و"تاكرين"، وثمة مجموعة كبيرة من الادوية قيد التطوير. amoghrab: @ alhayat.com عناوين ذات صلة على الانترنت: http://www.alz.org http://www.alzheimer.org.uk http://www.alzweb.org http://www.alzforum.org http://www.alz.co.uk رعاية مرضى ألزهايمر على رغم صعوبة رعاية المرض، يمكن القيام ببعض الاجراءات الاساسية التي من شأنها تخفيف معاناته: * يجب الاحتفاظ بملف إضبارة تراقب تطور الحال وتسجّل ما يُفقد من المهارات والقدرات المتبقية، مثال ذلك قدرة المريض على تذكر السنة او على الاستعادة الفورية لجملة قصيرة، او العدّ التنازلي للارقام، وكذلك مدى التمكّن من إتمام النشاطات اليومية، مثل تناول الطعام ودخول الحمام في شكل مستقل. * التثبّت من التشخيص ومراجعته مع الجهة الطبية المختصة، فالزهايمر يختلط مع مجموعة امراض الخرف وفيها ما ينتج عن امراض الشرايين او الجلطات الصغيرة او الالتهابات الفيروسية وحتى ضربات الرأس الهينة والتي ربما مرت من دون ان تُلاحظ. * العمل على توفير "بيئة بسيطة" حول المريض، ليصل الى الحمام، مثلاً، من دون الاضطرار الى تجاوز اشياء او عوائق. ويستفيد المريض من وضع اشيائه في الاماكن نفسها وبالترتيب نفسه. * إبقاء مستوى الإنارة جيداً وخصوصاً الضوء الطبيعي للشمس، ما يفيد في ملاحظة تدرّج النهار. * وضع ما يفيد في حال تطواف المريض في غفلة عن رعاته، كمثل اسوارة او قلادة عليها الاسم والعنوان والمرض ورقم هاتف للاتصال. * تجاذب اطراف الحديث في استمرار مع المريض، وحثّه على القيام بجهود عقلي ما، ضمن حدود استطاعته، مثل قراءة الجريدة او الاصغاء الى نشرات الاخبار في الراديو او متابعة التلفزيون. * تجنب المأكولات الدهنية والاكثار من تغذية المريض بالفواكة المحتوية فيتامين سي مثل البرتقال والجزر.