كثيراً ما تبدي الحيوانات من مظاهر التعاون ما هو قريب الشبه جداً بأعمال الانسان. ومن الواضح أن هذا التعاون لا يتطلب تفكيراً فحسب، بل يتطلب نقل الافكار بطريقة من طرق الكلام او الإدراك النفسي وحتى الزواحف. رغم مقدرتها العقلية الضئيلة، إلا أنها تأتي من اعمال التعاون ما يحتاج الى تفكير. خلال اقامته في جزر الهند الغربية، لاحظ ايفان سندرسن ما قامت به سحليتان.. في البداية وقع شيء من اللبن المحفوظ علي جذع شجرة كانت شرفتي تطل عليه، واجتذب السائل الحلو الفراش اليه، ولم يمض وقت طويل حتى وقفت سحلية على حافة الجذع، وراحت تجاهد في صيد الفراش، وكلما نزلت فراشة على اللبن كانت السحلية تحاول قنصها، ولكن الفراش كان يطير مبتعداً.. ونزلت السحلية عن الجذع وراحت تجري يميناً ويساراً كأنها تبحث عن شيء، أخيراً عثرت على سحلية ثانية، وقفت السحلية الاولى ورفعت رأسها ونفخت جيب رقبتها واخذت تأتي بايماءات وانحناءات ثم فرغت من هذا كله فاستدارت عائدة الى الجذع والفراشات، وتبعتها السحلية الثانية، واتخذت كل سحلية منهما مكاناً استراتيجياً وبدأ هجوم منسق على الفراش.. ونجحت السحليتان معاً في احكام الحصار على الفراش واقتناصه. أحد العلماء الآخرين قضى زمنا طويلاً يرقب أعمال الحيوانات في مزرعته بشرق افريقية وهو يحكي عن اساليب الاسود في اقتناص فريستها، تكمن اللبؤات عند مغيب الشمس في طرقات الغابة المؤدية الى عيون الماء، وتحوم الاسود من بعيد وتدنو الى عيون الماء من الجهة الاخرى. منبئة عن قدومها بزئير قاصف يهز الغابة، وتسرع الحيوانات في الهرب من الاسد فتقع في براثن اللبؤة، ويقع الصيد عليها، كما يقع عليها اعداد وجبة المساء التي يكون الاسد قد شارك فيها بجهده من الصياح فقط. ويحكي عالم آخر أنهم عسكروا على شاطيء نهر جنوب اميركا في طريق اشجار تأوي اليها القردة. لاحظ العالم ان قرداً صغيراً كان يتنقل بين اغصان الشجر بحثاً عن فاكهة معينة، فلما وجدها أكل منها وأظهر سروره بالقفز والصياح، ثم انفلت وغاب، وعاد بعد فترة ومعه قرد كبير. فلما أكل القرد الكبير من الثمرة انفلت وغاب، بعد وقت عاد القرد ومعه القبيلة كلها من القردة، واستنتج العالم ان القرد الكبير كان من القادة، وكان عليه ان يتذوق الفاكهة قبل ان يدعو الآخرين للأكل منها. وليس الجوع وحده هوالذي يغري الحيوان بالتعاون، بل ثمة نوازع اخرى كالرحمة والتعاطف. قص أحد العلماء قصة غريبة شاهدها بنفسه، في غابات البنغال انتهى قنص موفق باصطياد اثنى من الفيلة الضخمة ومعها فيل صغير السن، وترك الفيل الصغير دون أن يقيد في الفناء، على حين قيدت الانثى الى عمود كبير في الفناء، وفي الليل اقتحم الفيل الصغير سور الفناء وهرب. بعد يومين استيقظ الناس على أصوات هرج في الفناء، واسرعوا بالمشاعل فوجدوا الانثى قد حطمت قيدها وهي تعدو نحو غابة مجاورة، والى جانبها فيلان كبيران، وكان يتبعهم الفيل الصغير من خلف، والواضح من القصة ان الفيل الصغير فر من الفناء وابلغ الفيلة وصحبهم الى المكان الذي حبست فيه الفيلة الانثى. نحن أمام قصة انقاذ كاملة، وهي قصة تحتاج الى تفكير وتنسيق واتصال، وهذا بالضرورة يقتضي وجود لغة ما.. يحكي عالم التاريخ الطبيعي الانكليزي قصة شاهدها بنفسه عن طيور البطريق، كانت هذه الطيور تنزل كل صباح الى البحر، وتمشي في طرق سارت فيها من قبل، وكانت الدنيا تمطر فيتحول الطريق الى أرض زلقة لا تحسن الطيور المشي فوقها. وحلت الطيور هذه المشكلة بأن بعثت بجماعات منها لتنقر الارض بمناقيرها وتحيلها خشنة مشققة واستمرت على ذلك العمل الشاق ساعات حتى تحولت الارض الى مكان تسير فوقه طيور البطريق دون ان تزل اقدامها. هل يفكرالحيوان؟ هل له لغة خاصة؟ يحدثنا الله تعالى في القرآن الكريم عن نملة قالت "يا ايها النمل ادخوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون". وهذا يعني ان الحيوان يفكر ويدبر وله لغة خاصة يتفاهم بها مع بني جنسه.