نجحت قضايا المرأة العاملة العربية وقضايا الشباب في احتلال مكان الصدارة في اهتمام منظمة العمل العربي لهذا العام، وهذا ما يتضح في التقرير الذي رفعه مدير عام المنظمة السيد إبراهيم قويدر الى الدورة ال 27 لمؤتمر المنظمة. ولحسن الحظ أن قويدر من أشد المؤمنين بمبدأ اعتماد التنمية الشاملة على القوى البشرية المدربة، وفي مقدمها الشباب من الجنسين، بالاضافة الى تحسين أوضاع المرأة العربية العاملة. التشريعات والقوانين وعبارات التعاطف أبعد ما تكون عن التقصير فيما يختص بالمرأة العاملة، إلا أن رعايتها وحمايتها تحتاجان ترجمة هذه الكلمات والنصوص الى أفعال. وإذا سلمنا أن المرأة في التنمية الشاملة هدف ووسيلة، فإن إدماجها في هذه التنمية يحتاج الى جهد حثيث. ويوصي التقرير بتنمية المرأة من خلال سبل عدة، منها دعم درساتها السياسية والاجتماعية، والثقافية والقانونية، والقضاء على كل أشكال التمييز والتفرقة ضدها، بالاضافة الى دفعها الى التعليم، ومحو أميتها، ودعم ثقافة المساواة. ولأن الشقين القانوني والشرعي ليسا من اختصاص المنظمة، فإنها تركز جهودها على الشقين الاجتماعي والعمالي. ويحدد التقرير النقاط التي تعني المنظمة وهي: حقوق المرأة العمالية، والمساواة في الأجر، وفي ظروف وشروط عمل متساوية وعادلة، وذلك من تعليم وتدريب وترقية. ولأن واقع المرأة العربية العاملة ليس وردياً، فلم يغفل التقرير تعثر مسيرة عمل المرأة وذلك بسبب تراكم المشاكل المتوارثة. والقائمة طويلة، وتحوي التخلف، والجمود، والقهر، والنظرة الدونية، والحرمان من المساواة في الحقوق والواجبات إزاء المجتمع. ويدعو التقرير المرأة ان تكون أكثر نضجاً ووعياً وإقبالاً على التعليم والتدريب والتنقيب. بل يطالبها باقتحام مجالات لم تعد حكراً على الرجال، مثل عالم التقنيات الحديثة، والاتصالات والمعرفة والمعلومات. والاحصاءات تشير الى تواضع حجم إسهام المرأة العربية في العمل، بل انه ما زال دون الطموح المرجو. ويعلل التقرير ذلك بالظروف الاجتماعية السائدة التي لا تشجع او لا ترحب بمشاركة المرأة، والنظرة الخاصة لدور ومكانة المرأة في العمل. ويتّهم التقرير القوانين واللوائح في الدول العربية بالقصور وذلك فيما يختص بتشجيع المرأة على اقتحام مجالات العمل المختلفة. وتتساءل "الحياة" اذا كانت دعوة المنظة للمرأة للخروج من مجال العمل النمطي، او كما يطلق عليها التقرير "المهن النسوية النموذجية" قد يكون خروجاً على التقاليد وأحياناً القوانين السائدة في عدد من الدول العربية التي قد تمنع دخول المرأة مجالات عمل معينة. يقول قويدر "الوطن العربي وجّه المرأة الى مجالات عمل معينة. ولم يكن ذلك من منطلق فيزيولوجي يحدد مجال عملها، بل كان وثيق الصلة بسلوك المجتمع، وأنماطه الثقافية، وتقاليده الاجتماعية". ويستطرد قويدر متحدثاً بقدر كبير من الصراحة أن رعاية الدول العربية للمرأة في وقت ما كان منبثقاً من مبدأ "البرستيج" أي التفاخر بوجود عدد من النائبات البرلمانيات، والوزيرات، "أما اليوم فهناك ضرورة حقيقية للتوافق بين حاجة السوق وتدريب المرأة وعملها، لا سيما ان 40 في المئة من البطالة العربية نساء". ويفسر قويدر بطالة المرأة في ضوء حصولها على المؤهلات العلمية التي تتسم بالوفرة في السوق. فالفتيات مثلاً يقبلن على الدراسات التي تؤهلهن العمل في مجالات التدريس والتمريض والسكرتارية، رغم ان سوق العمل مشبعة بها، ان لم نقل فائضة. المطلوب إذن ايجاد فرص عمل جديدة للمرأة. يقول قويدر "حدثت انعكاسات على خروج المرأة في المجالات التي اصبحت نمطية حالياً وذلك قبل نحو مئة عام، وستحدث انعكاسات مماثلة رداً على اقتحام المرأة مجالات جديدة". ويشير قويدر الى أن تقريراً أكد أن دخول المرأة الاردنية مجال شرطة المرور ساهم في حل الأزمة هناك، لأن سائقي السيارات اصبحوا أكثر تعاوناً مع الشرطيات. وينتقد قويدر انخفاض مساهمة المرأة في مجال العمل الانتاجي وليس الخدمي. وفي هذا الشأن تنبغي المساواة بين الفتيات والفتيان في الحصول على القدر الوافي من التعليم العالي، وإتاحة المجال لهن في برامج التدريب المهني، وخيار التدرج المهني التي يتاح للفتيات اختيارها. وينتقد التقرير عدم كفاية التدريب المهني المتاح للمرأة العربية العاملة، داعياً الى صياغة سياسات وبرامج للتدريب تتيح للمرأة فرصة الوصول الى التدريب في مختلف القطاعات والمهن، واعطائها قاعدة مهارات وكفاءات ترفع من انتاجيتها واستعدادها لمواجهة التحديات والمتغيرات في عالم العمل. وما دمنا قد ذكرنا المتغيرات، فلا بد أن نسأل عن العولمة، وهل آثارها السلبية ستكون أكثر وطأة على المرأة العربية العاملة؟ يرد قويدر بلهجة قاطعة "مئة في المئة، فالأسس التي تحكم العولمة هي الربحية والانتاج. والمرأة في العالم الثالث غير معدة لتكون منتجة، وتقدم سلعة متميزة، لذا سيكون الوضع أكثر سوءاً لها، لو لم يعاد النظر في برامج تعليم وتدريب المرأة". ويبدو أن قلة إسهام المرأة في مجال الانتاج وثيقة الصلة بظاهرة تأنيث الفقر في الوطن العربي، وتمكين المرأة العربية من وسائل الانتاج، وكفالة المساواة الفعلية بينها وبين الرجل في الحصول على فرص العمل والانتفاع من ثمار التنمية. ويدعو التقرير الى تشجيع المرأة على إقامة المشاريع الخدمية، وذلك بتوفير الائتمان اللازم، والتكنولوجيا وتقنيات التسويق بشروط ميسرة. كما يدعو الى وضع ضوابط كفيلة بحماية المرأة من التسريح في شركات قطاع الاعمال، لا سيما في ضوء الخصخصة وتصفية القطاع العام. ومع حرص المنظمة على حماية الخصوصية والتقاليد والأعراف العربية فتوجهاتها تتفق كذلك ومثيلاتها الدولية في شأن المرأة العربية. وعلى سبيل المثال لا الحصر، علاج عبء الفقر المتزايد الواقع على المرأة، وعدم المساواة في فرص التعليم والتدريب، وتعزيز حقوق الانسان الخاصة بالمرأة والطفلة، وتحديد الأدوار الاجتماعية للرجل والمرأة. ويؤكد قويدر أن المنظمة تدعو دائماً الى دعم وتنمية مشاريع الأسر المنتجة والصناعات الصغيرة، ودعم وتطوير الحرف اليدوية التي يمكن للمرأة أن تسهم بها في محيطها الاجتماعي، كذلك العمل على تحقيق قدر من المرونة في عمل المرأة، كأن تعمل لبعض الوقت، وتصميم برامج تدريب خاصة بها تسمح لها بمزيد من المشاركة في النشاط الاقتصادي. والتقرير لا يدعي أن الجهود المبذولة في البلدان العربية في شأن المرأة العاملة قد حققت الهدف منها، وهو تحسين وضعية المرأة العربية عموماً، والمرأة العربية العاملة خصوصاً. وعلى الصعيد الايجابي حدث تقدم في موقع المرأة لشغل مناصب اتخاذ القرار السياسي والإداري والتقني. ومع ذلك فإن فرص التوسع في هذا المجال ما زالت كبيرة. ويخلص التقرير الى أنه ما دام حلم مجتمع العدل الاجتماعي لم يتحقق بعد على أرض الواقع، فإن مسؤولية الدولة، وأصحاب العمل، والعمال ومنظماتهم المهنية قائمة لاستكشاف فرص وإمكانات تنمية وتطوير الشباب والمرأة العاملة.