شرع المؤلف والشاعر عبدالسلام أمين في الكتابة أثناء دراسته اللغة العربية في كلية آداب عين شمس. وكانت بدايته مع الأغنية في اذاعة الاسكندرية التي كتب لها أسرع مسلسل في تاريخ الاذاعات على الاطلاق، وكانت مدة الحلقة الواحدة خمس دقائق، وتولى إخراجه الراحل حسين أبو المكارم. وسرعان ما انتقل إلى إذاعة القاهرة وكتب لها، في آن، الاغنية والدراما، وكان معظمها عن التاريخ الاسلامي، فقدم سلاسل "الأوائل في الاسلام" و"الشعراء والحب" و"الخلفاء الراشدون" و"عمر بن عبدالعزيز" و"أولو العزم من الرسل". وتعاون مع التلفزيون منذ افتتاحه عام 1960، بالاغنية والاوبريت وكتابة التمثيليات، خصوصاً في مجال الدعوة الاسلامية والهجرة وفتح مكة وغيرها. ثم اتجه إلى كتابة المسلسل التلفزيوني فقدم "تحت ظلال السيوف"، من بطولة عبدالله غيث واخراج سعيد الرشيدي، و"الزهرة والسيف" عن فتح مصر وبناء القاهرة والأزهر، وهو من بطولة حسين فهمي وعبدالله غيث وزوزو نبيل ومن اخراج احمد توفيق الذي قدم معه بعد ذلك مسلسلي "عمر بن عبدالعزيز" و"الامير المجهول"، وأدى بطولتهما نور الشريف. ويُعرض له الآن على شاشة القناة الثانية في التلفزيون المصري مسلسل "ذو النون المصري"، من بطولة ممدوح عبدالعليم وسميحة أيوب واحمد راتب، ومن اخراج هاني لاشين. "الحياة" التقته وسألته عن اتجاهه الى الكتابة الدينية والتاريخية دون غيرها، وكتابته الاغنية والفوازير، وعن الجديد الذي يُعد له وأمور أخرى. من اكتشف موهبتك؟ - لا أتجاوز الحقيقة إذا قلت إنني أول من اكتشفني. إذ أدركت يوماً أن شيئاً ما يضج في وجداني ونفسي، ويحرك يدي إلى القلم لأكتب مشكلات البداية. ففهمت أنني على موعد مع القلم والألم، وبدأت أقرأ، من دون أن اتعمد، فوجدت رائحة الورق تشدني ربما أكثر من روائح العطور، وما زلت إلى الآن اتذكر رائحة الورق الاصفر في مطبعة بولاق القديمة، وقد ثقبه سوس الكتب، ما جعلني اظن ان السوس يعشق الكتب والكتابة أكثر منا. وواصلت الكتابة والطريق مدفوعاً صعوداً لا هبوطاً. تميّز على رغم أن الأعمال الدرامية المقدمة تتجاوز المئات، يكون التميز لقلة قليلة ومعروفة من المؤلفين... ما السبب في نظرك؟ - هذه طبيعة البشر وسنة الحياة، وفي كل طائفة أو مجال توجد المواهب الحقيقية، وحولها يدور انصاف الموهوبين. فحتى في مجال العلوم والرياضة والنجوم التي تضيء الكون، القليل منها معروف مثل الشمس والقمر، والباقي في سديم الصراع من اجل الظهور. وبهذا التفاعل تتبين لنا الموهبة الحقيقية من الزائفة، والغث من الثمين والدّر من الاصداف. ما ابرز المقومات الواجب توافرها في الكاتب الجيد؟ - اولاً الموهبة من الله... لأن الفنان لا تصنعه الدراسة أو الممارسة من دون موهبة، وإذا خُلق موهوباً تُلح عليه موهبته وتظل تدفعه إلى المعرفة وثقل الموهبة، والبحث عن نوافذ يُطل منها. وللموهوبين نوافذ جاهزة مفتوحة تنتظرهم ولا يجدون عناء في الظهور. اما غير الموهوبين فيحدث لهم ما نسمعه من المعاناة... والشكوى من عدم الوصول. لكن الموهوبين يعانون صعوبات عدة؟ - طبعاً هناك صعوبات كثيرة في زمن المادة أمام ظهور الموهبة الحقيقية واشعاعها، الا انها تتغلب غالباً عليها. أما غير الموهوبين فقد يدب اليأس في نفوسهم، وبدلاً من أن يواصلوا الدأب والكفاح، يبدأون بالضجيج والشكوى والسطو على أفكار غيرهم وظهور موجات واتجاهات مذهبية معينة. لماذا انت بعيد من الدراما الاجتماعية؟ - للدراما الاجتماعية فرسانها، وكتابها كثيرون، إضافة إلى أنها الشيء السهل للباحث عن الأسهل والكسب السريع غالباً. لكن هذا لا ينفي أن ثمة مواهب كتبت في المجال الاجتماعي، من دون أن تنظر الى هذه الاعتبارات، ولأنني دارس للتاريخ العربي وتاريخ الانسانيات توقفت منذ صغري عند الاختلاف بين الشخصيات المشهورة والاجحاف الذي يقع على الكثير منها، وعند المراجع التي حفظناها من دون النظر إلى أفواه الذين نُقلت على ألسنتهم هذه الكتب وهذه الاخبار، كما هي الحال في ما اصاب هارون الرشيد والحجاج بن يوسف وعمر الخيام وغيرهم. وهذه القضايا في حاجة الى قلم مناضل وإنسان يقدم الحقيقة ويضيف نقطة ضوء. لا أتحدث هنا عن التنوير ولكن على الاقل عن شيء من الاستنارة لنفسي وللآخرين، وأجري من عند الله والناس في ما بعد. وثمة قضية تشغلني، وهي أن أقدم شيئاً ينفع الناس وإن عانيت فيه كثيراً. ففي اعمالي لم أكن اقدم التراث كتراث، لكنني كنت أحاول إعادة تقديمه وادعو الى التأمل في تاريخنا الاسلامي والدعوة الى الحق والحرية والسلام العادل بين الناس. وما زلت مهموماً بكل هذه الأفكار. وماذا عن التنوع الذي حققته من خلال الفوازير؟ - دخلت مجال الفوازير مع الراحل فهمي عبدالحميد، وكتبتها على مدى 14 عاماً حتى العام ما قبل الماضي، عندما قدمتها مع سمير غانم. وكنت قدمت شريهان للمرة الاولى مع فهمي عبدالحميد، ثلاثة اعوام متتالية في "عروسة البحور ومعاها البخور" و"أمثالنا الشعبية" و"حليمة وفاطيمة وكريمة". وقدمت تجربة ليست "فوازيرية" بعنوان "قيس وليلى"، من بطولة عبدالعزيز مخيون ومحمد الحلو واخراج محمد عبدالنبي، ثم فوازير "المناسبات" مع يحيى الفخراني وصابرين والراحلة هالة فؤاد. وبعد ذلك قدمت نيللي، على مدى خمسة اعوام، ثم توقفت عن كتابة الفوازير. لماذا؟ - حتى أجد المواهب التي تستطيع أن تقدم ما في خيالي من رؤية اخرى لهذا الفن الذي اوشك أن يتدهور إن لم يكن تدهور فعلاً. فالفوازير اصعب الابداعات التلفزيونية على الاطلاق، لأنها اشبه بنهر الجليد: سطح متجمد خادع اشبه بدروب الغابات المجهولة، ما يطفو على السطح يخدع العابر او الذي يريد أن يعبر. وهي أصعب أشكال الفنون المرئية او المسموعة. لو توقفنا عند الاغنيات التي كتبتها، ماذا تذكر منها، وما اقربها الى قلبك؟ - أغنية "يارب بلدي وحبايبي والمجتمع والناس" لسمير الاسكندراني، التي اعتز بها جداً واعتقد أنها كشفت مبكراً عن فكري الخاص. ومن الأغاني العاطفية مجموعة الستينات ومنها "دوبوني" لماهر العطار و"إيه الحلاوه دي" لعبداللطيف التلباني و"عرفنا خلاص عرفنا"، و"يا دلالي عليه" و"زي كل الناس" و"على عيني" لوردة، و"زي الربيع ما يهل" لميادة الحناوي، و"هات قلبي وروح" لأصالة، ومجموعة الاغنيات الدينية للشيخ سيد النقشبندي ووردة وياسمين الخيام، وكذلك الاغنيات الوطنية واهمها اوبريت "مصر البنائين"، وقد قدمت من خلالها الانسان المصري الذي اذهل العالم، لأؤكد عبره ان الحضارة المصرية لم تقم على السُخرة، كما يزعم البعض. وما جديدك بعد "عمر بن عبالعزيز" و"الأمير المجهول"؟ - هناك اعمال عدة قيد التنفيذ منها "السيف والقلم"، عن ابي فراس الحمداني. وفرغت من مسلسل سيتولى اخراجه علي بدرخان، عن طومان باي آخر سلاطين المماليك في 40 حلقة. واعكف الآن على كتابة مسلسل عن عمر الخيام كمفكر اسلامي دار عليه وعلى رباعياته وفلسفته جدل كثير. وألقي الضوء على هذه الشخصية الشهيرة التي نالها من الظلم والاجحاف الكثير، كما نال من قبله هارون الرشيد الذي اعتقد أنني اعدت اليه بعض حقوقه التاريخية. وقد استندت في كتابتي عن شخصية عمر الخيام الى مصادر متعددة يضيق المجال عن حصرها، إذ اطلعت على معظم ما كتب عنه سواء في الأدب العربي او الفارسي المترجم أو اللاتيني ، لأنه شخصية شغلت الفكر العالمي كثيراً والمفكرين سواء في الشرق أو الغرب.