فرض قضاة مصر على ملفات كل الأطراف معضلة تطوير الواقع القانوني والسياسي في البلاد، إذ لم تكتف الهيئات القضائية بضمان نزاهة عملية الاقتراع في الانتخابات الأخيرة وإنما تجاوزتها إلى إصدار أحكام عدة ستسفر آجلاًَ أو عاجلاً عن تحسين البيئة السياسية في البلاد. وأشرف نحو 5600 قاضٍ على مراكز الاقتراع الفرعية التي بلغت 15 ألفاً و251 لجنة وهو ما اقتضى إجراء عملية التصويت على ثلاث مراحل للمرة الأولى في تاريخ مصر حتى يتوافر العدد المطلوب ويتحول شعار "قاضٍ لكل صندوق" إلى واقع عملي وفق ما قضت به المحكمة الدستورية العليا. ويمكن القول إن إشراف القضاء على مراكز الاقتراع نجح إلى حد بعيد في محاصرة ظاهرة الطعون على نتائج الانتخابات التي تفاقمت في العقد الأخير حين بلغ التشكيك في شرعية نحو ثلث عدد نواب البرلمان، لكن ذلك لم يمنع ظهور نوع جديد من الطعون يرتبط بإجراءات الترشيح في ما قبل مرحلة الاقتراع، وهي الظاهرة التي ترتبط أساساً بالاحتجاج على أداء السلطة التنفيذية وقدرتها على توفير إدارة نزيهة ومحايدة. ويبدو أن القضاة رغبوا في توسيع دورهم وخلق واقع عملي يتلاقى مع مطالب أطراف عدة بإشراف القضاء على كل مراحل العملية الانتخابية. وظهر ذلك بصورة لافتة في أحكام أصدروها إبان الانتخابات تتعلق غالبتها بمواجهة ظاهرة ارتباك قوائم الناخبين، أو شطط الحكومة في التصميم على ترشيحات مخالفة للقانون أو لأسباب سياسية تتصل بمواجهة الحكومة مع معارضيها، وهو ما دفع مراقبون إلى القول بوجود معطيات عملية تبرر منح القضاء كهيئة مستقلة سلطة الإشراف الكامل على الانتخابات لتوفير أجواء نزاهة غير منقوصة، خصوصاً بعد صدور أحكام إعادة الانتخابات في دوائر عدة شابها قصور واضح كان الجهاز التنفيذي المسؤول الاول عنها . إلا أن النتائج المبهرة التي حققها الإشراف القضائي لم تمنع أصواتاً قوية من انتقاد القرارات الحكومية في شأن تحديد الهيئات القضائية المشرفة على الانتخابات، لا سيما أن الحكومة ادرجت ضمن هذه القائمة العاملين في هيئة قضايا الدولة وأعضاء هيئة النيابة الذين تعتبرهم دوائر قضائية وقانونية وسياسية خاضعين للسلطة التنفيذية وليس "القضاء" الجالس على منصة الحكم. وهو ما أتاح للمنتقدين الحديث عن "ثقوب" في ثوب الحياد والتفاف حكومي على مبدأ الإشراف القضائي. وعلى رغم كل الجهود والتدابير التي بُذلت لاستمرار العمل في مرفق القضاء وتسيير مصالح المواطنين لتغطية النقص الحادث بسبب انشغال العدد الأكبر من القضاة بالإشراف على الانتخابات، إلا أن ذلك لم يمنع تأجيل الكثير من القضايا وتراكم الملفات وتعطل الكثير من الخدمات ذات الصلة المباشرة بالمواطنين التي تأثرت بوضوح، وإن لم تثر غضب المتضررين، ويبدو أنهم قبلوا ما حققه القضاة حتى ولو كان على حساب تعطيل مصالحهم وقتياً.