كان ذلك الشهر، شهر الصين الشعبية في العالم كله، بدأ بإعلان ماو تسي تونغ عن قيام دولته، وانتهى بالاعتراف/ المفاجأة، أي باعتراف بريطانيا العظمى بالنظام الشيوعي في بكين. ما جعل هذه الدولة، أول دولة غربية تعترف بنظام الحكم الجديد. كان إعلان ماو تسي تونغ عن قيام "جمهورية الصين الشعبية" في اليوم الأول من تشرين الأول 1949، في ذروة انتصارات حققتها قواته بعد عامين ونصف العام من الحرب الأهلية المتواصلة، وبعد عقود من ثورة كانت واحدة من أطول الثورات وأغربها في تاريخ القرن العشرين. فالحال أن ما من ثورة في هذا القرن عرفت التقلبات التي عرفتها تلك الثورة، تماماً كما ان ما من دولة عرفت التقلبات التي ستعرفها الدولة الصينية الشعبية الشيوعية بعد ذلك. إذن، أمام الجماهير الضاجة الصاخبة التي وقفت عند "بوابة السلام السمادىّ" في العاصمة بكين، وقف ماو تسي تونغ معلناً قيام دولته وانتصار قواته، طالباً من العالم أن يعترف به. كان أول من اعترف، بالطبع، الشعب الصيني نفسه، عن اقتناع ربما، وربما عن أمل في أن يكون انتصار هذا الطرف، أي طرف، ايذاناً بانتهاء تلك الحرب الطاحنة التي دمرت البلد وشقّت شعبه، واوقفت التنمية. كان الشعب الصيني، مثل كل شعب يعيش حالة تشبه حالته، يتوق إلى الخلاص، وربما إلى أي خلاص. وهكذا وقف ماو يعلن "الخلاص" بقدر ما كان يعلن الانتصار. والانتصار كان حقيقياً على أي حال. وكانت ذروته دخول الشيوعيين إلى بكين، واعلان تشكيل الحكومة وانتخاب ماو تسي تونغ رئيساً للبلد في اليوم السابق تماماً. ولسوف تتواصل الانتصارات طوال ذلك الشهر، بالتوازي مع اعترافات الدول الأخرى، ففي السابع من الشهر نفسه تنهار دفاعات وطنيي تشان كاي تشيك في جنوبالصين، وبعد عشرة أيام تتمكن القوات الشيوعية من الاستيلاء على ميناء آموي الاستراتيجي، وتباعاً تنهار المدن والأقاليم. في الوقت نفسه راح إعدام الشيوعيين لخصومهم يتزايد، وكان إعدام الجنود والمقاتلين و"موظفي" حكومة تشان كاي تشيك يتم من دون محاكمة. بالنسبة إلى الاعترافات الأجنبية كان الاتحاد السوفياتي - طبعاً - أول دولة تعترف بالنظام الجديد في الصين، معتبراً ان "الانتصار الشيوعي في الصين وجه ضربة جبارة إلى مخططات الامبرياليين في منطقة المحيط الهادي". في المقابل كان استقبال الولاياتالمتحدة الأميركية للأمر بارداً، إذ من المعروف أن واشنطن كانت وضعت ثقلها كله وراء وطنيي تشان كاي تشيك. هذا كله وضع على اية حال حداً لصراع دامٍ ومرير طال سنوات عدة، وبدأه ماو على رأس جيش عصابات صغير الحجم في منطقة محدودة ثم طور قتاله وجيشه حتى تمكن من احتلال أكبر بلد في العالم والسيطرة عليه.