باريس- د ب أ - ثمة عامل مشترك بين حجم الدمار الذي خلفه الزلزال الذي ضرب تركيا، والأزمة المالية في آسيا والتغييرات داخل الاحزاب السياسية في إيطاليا: انه الفساد. وفي ظل انتشار الفساد وما يترتب عليه من نتائج مدمرة، أعلنت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية الحرب على الرشوة. فأنشأت قبل ستة أشهر قسماً خاصاً لهذا الغرض، وبدأت الآن محاولة تطبيق الاتفاقية فعلاً. ويقول المسؤول في هذا القسم راينر غيغر: "إن الفساد لا يضر بالاقتصاد وحده، بل يهدم الهياكل السياسية... إن الزلزال الذي وقع في تركيا وخلف الدمار وأودى بحياة الآلاف من القتلى وأزال قرى بأكملها من الوجود كشف عورات شركات البناء المعدومة الضمير التي رشت مفتشي المباني". أما في ما يتعلق بالأزمة الاقتصادية في آسيا، فقال غيغر إنه كان بالامكان تفاديها باتباع سياسة اقتصادية حكيمة لكن الهياكل والمؤسسات المعتمدة على الرشوة في المنطقة حالت دون ذلك. وأضاف خبير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية قائلاً إن المسيحيين الديموقراطيين في إيطاليا اضطروا إلى الانسحاب من الساحة السياسية لأن الجماهير لم تعد تقبل حزباً تورط في فضائح فساد لا حصر لها. وتابع غيغر ان الناس عندما يتحدثون عن "أموال الرشاوى"، فإن كثيرين يعتقدون أن هذه الأموال بمثابة زيت المحرك الذي يحافظ على دوران عجلة الصناعة، لكن هذا أبعد ما يكون عن الحقيقة. "ففي روسيا، يتعين على الشركات أن تدفع ثلاثين في المئة من دخلها رشاوى. وتضيع في هذه العملية أموال الاستثمارات التي تشتد الحاجة إليها". وجرت العادة في بلاد كثيرة، أن تدفع الشركات عشرين في المئة من قيمة أي عقد رشاوى لكي تفوز بعقود لمبيعات الأسلحة ومشروعات البنية الأساسية وغيرها من العقود الضخمة. وحدثت نقطة التحول في منتصف التسعينات عندما سلطت الاضواء على فضائح الفساد، وبات واضحاً أمام الشركات متعددة الجنسيات أن الرشوة في عصر العولمة تمثل عقبة أمام المنافسة. وبعد ذلك شكلت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية مجموعة عمل لادارة المعركة ضد الفساد. وصاغت المجموعة مشروع اتفاق تلزم بنوده الدول الموقعة باتخاذ إجراءات قانونية لمكافحة الرشوة. وبدأ سريان الاتفاقية في شباط فبراير 1999، وأقرت الاتفاقية 16 دولة من الدول ال34 الموقعة عليها. وحان الآن وضع القوانين موضع التنفيذ. ويقول غيغر: "ندرس الآن تقارير الشركات ومدى تطابقها مع الاتفاقية، وهل ثمة بنود في القوانين تتضمن عقوبة السجن في قضايا الرشوة وهل الغرامات رادعة... إلى آخره". وسيبدأ أخصائيو مكافحة الفساد العام المقبل التعاون مع منظمات مستقلة واتحادات صناعية ورجال القضاء المختصين لدراسة ممارسات الدول على ارض الواقع. وسيتم كل أربع سنوات مراجعة التزام كل دولة من الدول الموقعة بالاتفاقية، وسيضطلع قسم مكافحة الفساد في المنظمة الذي يضم ثلاثة موظفين بهذه المهمة الجسيمة. ويتابع غيغر: "لكن خبراء محليين وزملاء من الأقسام الأخرى في المنظمة سيساعدوننا". ولكي يتم التأكد من أن منابع الرشوة قد جفت، يتعين على الدول المصدرة والمستثمرة التدخل لضمان نزاهة الممارسات التجارية. وحتى في روسيا التي يتفق الخبراء على أن اقتصادها غارق في مستنقع الفساد تقوم الآن منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بإنشاء شبكة لمكافحة الفساد فيها. ويرفض غيغر الاتهامات بأن المعركة ضد الرشوة فكرة غربية وأن الفساد أمر لا غبار عليه في ثقافات أخرى. ويوافق كارل موهن من منظمة "ترانسبرنسي إنترناشيونال" المعنية بمكافحة الفساد وتتخذ من برلين مقراً لها، غيغر في الرأي. ويقول في معرض إشارته إلى أن منظمته تساند جهود منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية: "هناك دول تعد الرشوة فيها ممارسة يومية، ولكن ما من ثقافة تعتبرها أمراً إيجابياً". ولكن موهن يؤكد أيضاً أن العقوبات القانونية على جريمة الرشوة غير كافية، ومن المهم تشديدها في القوانين التجارية وقوانين الشركات. ويتعين إلغاء العقود المبرمة بأساليب تنطوي على فساد.