الظاهرة الأبرز في مشاهد الفيديو كليب التي يصوّرها المغنون العرب، لجوء أغلبيتهم الساحقة الى طبيعة أوروبية، لتقديم صور من الغابات والجبال والأنهار، وحتى الأماكن السياحية الهامة والشهيرة، جنباً الى جانب مع مشاهد أخرى لسيارات فارهة بالضرورة، وأحياناً يخوت فخمة. الأغنية العربية الجديدة باتت اليوم وقد نزعت ثيابها الأصلية، وارتدت بدلاً عنها ثياباً غريبة، تتناقض مع مجتمعنا، والأهم من ذلك، أنها تتناقض مع كلماتها وما تتضمنه وما يمكن ان تشيعه من أجواء. فالأشعار الشعبية التي يضعها شاعر غنائي عربي لتتحدث عن الحب من منظور محلي، يأتي الفيديو كليب بتنقله في الطبيعة الغريبة، ليخلق فجوة غير مبررة بين الشكل والمضمون، وكأن الطبيعة العربية لا تنفع، أو كأنها ليست هي بالذات صاحبة العلاقة الأهم بالكلمات ومضامينها وأجوائها. أما اللجوء الى السيارات الفارهة واليخوت الفخمة، فإنه يذكرنا فوراً بتقليد جلبته السينما المصرية من هوليوود، وهو تقليد النجومية، وبالذات تلك التي تقوم على اشتراط ان يكون الممثل شديد الوسامة، وان تكون الممثلة على درجة كبير من الجمال حتى تقارب ملكات الجمال ان لم تتفوق عليهن، وهو التقليد الذي خلق انطباعاً مع مرور الزمن وتراكم الافلام بأن الحب ممنوع على الناس العاديين، وقاصر على أولئك الذين حباهم الله درجة عالية من الوسامة والجمال. هل يمكن عزل صورة الممثل الوسيم عن تأثيرها الخفي في لاوعي المشاهد؟ أعتقد ان تقديم السيارة الفارهة واليخت الفخم، يقارب تلك المسألة، اذ يربط الحب ايضاً بالإمكانات المادية الضخمة، ويسبب للمشاهدين من الشباب إحباطاً لا يقلل منه - بل يفاقمه - غرقهم في أحلام يقظة تسببها تلك المشاهد والصور، والتي تجعلهم دون شعور أو إرادة، يتطلعون الى ذلك المغني بوصفه مثلاً أعلى يتمنون تقليده والسير على خطاه. بعيداً عن الاغنية ذات يوم تحدث الفنان الراحل محمد عبدالوهاب عن الغناء في عصره، فذكّرنا بأن مطرب تلك الأيام كان يغني للناس دون مكبر صوت، ومن ثم فهو مضطر للاعتماد على امكانات صوته، ودون أية امكانات تقنية اضافية أصبحت اليوم تحتل المساحة الصوتية الأكبر، فيما تضاءل صوت المغني، الى درجة صار معها احدى المفردات غير الأساسية في الأغنية، اليوم يبدو الفيديو كليب برشاش اللقطات التي يوزعها في سرعة خاطفة، قادراً على إبهار المشاهد وجذبه الى أجواء متعددة ومتنوعة بل ومتناقضة، لكنها بالتأكيد لا تصور أية جوانب من الأغنية. نقول هذا وفي الذهن قليل من التجارب الغنائية العربية التي نجحت في تصوير سيناريوهات حية، جميلة ومعبرة في الوقت ذاته عن كلام الاغنية دون الاضطرار الى الخروج نحو الطبيعة الأوروبية، بل بالانطلاق من الأرض العربية ذاتها، هذه الأرض التي انجبت العشاق العرب، والتي يفترض انها حاضنتهم وحاضنة الأغاني التي تعبر عن عواطفهم، من هذه التجارب، ما قدمته المطربة أحلام من مشاهد فيديو كليب اتصفت بالبساطة وقوة التعبير، واستخدام البيئة المحلية ومفرداتها. وإذ نتحدث عن التغريب في أجواء الفيديو كليب العربي، نتذكر ان الاغاني الأوروبية والاميركية تكشف لنا حالة مناقضة، اذ نجد تعبيراً مبدعاً بالصورة عن مضامين الأغنية والاجواء التي تتضمنها، حيث ينطلق مخرجو تلك الاغاني من بدهية ان الابداع لا يشترط التعقيد أو التكلف قدر ما ينطلق من الصدق والبساطة.