زين السعودية تعلن شراكة استراتيجية مع بنك التنمية الاجتماعية    تعديل نص المادة 58 من اللائحة التنفيذية لنظام مراقبة شركات التأمين التعاوني    مجلس الوزراء يوافق على قواعد ومعايير أسماء المرافق العامة    أمير المنطقة الشرقية يستقبل سفير جمهورية باكستان الإسلامية لدى المملكة    "الأمن الغذائي" على طاولة نقاشات منتدى الجوف الزراعي الدولي في يومه الثاني    عندما تنمو الصناعة ينمو الوطن    القصيم: 10 آلاف نبتة ديدحان وشقاري تجمّل مركز الأمير فيصل بن مشعل    الجولة 13 تنطلق الأربعاء.. الإثارة متواصلة في دوري يلو    سلطان عُمان يستقبل وزير الخارجية    نائب وزير الخارجية يستقبل سفير جمهورية فرنسا لدى المملكة    أمير الجوف يرأس اجتماع اللجنة العليا لدعم تنفيذ المشاريع والخدمات للربع الثالث 2025    الأفواج الأمنية بجازان تقبض على شخص لترويجه نبات القات المخدر    أمير الرياض يرعى الاثنين المقبل حفل الزواج الجماعي التاسع بجمعية "إنسان"    جدة تستضيف نهائيات دوري أبطال آسيا للنخبة 2026    كونتي بعد التتويج: تجربتنا في السعودية رائعة.. ومدينة نابولي سعيدة بهذا اللقب    أصدرت أمانة منطقة تبوك، ممثلةً في وكالة التراخيص والامتثال    المدينة المنورة تحتضن افتتاح مركز الأمير محمد بن سلمان العالمي للخط العربي    جامعة الأميرة نورة تفتح باب التسجيل في برنامج التسجيل المزدوج لطالبات الثانوية    إصدار طابع تذكاري لقصر الفيحاني في دارين    "الشؤون الإسلامية" تنظّم دورة علمية لتأهيل الدعاة والأئمة والخطباء في كوالالمبور    تجمع تبوك الصحي ينجح في إجراء عملية تغيير مفصل الركبة    ضوء النهار يضبط مستويات الجلوكوز في الدم لدى مرضى السكري    كأول جمعية متخصصة بالمنطقة.. "يمنّاكم" لرعاية الأحداث بجازان تعقد لقاءها التشغيلي الأول        مفردات من قلب الجنوب 34    اندلاع حريق بمنشأة صناعية في ستافروبول الروسية    الرئيس ترامب يطلق مشروع بناء سفن حربية من فئة جديدة تحمل اسمه    الاستعداد للامتحان    «النيابة»: يحظر ترك الحيوانات خارج الأماكن المخصصة لها    وصول الطائرة السعودية ال 76 لإغاثة الشعب الفلسطيني    100 فلسطيني بلا مأوى بسبب الهدم الإسرائيلي    الوقت كالسيف    أمير المدينة يشيد بدور مجلس التمور    علماء كاوست يطورون مجموعات بيانات اصطناعية في غياب البيانات الحقيقية للتنبؤ بكيفية انتشار التسربات النفطية في المحيط    ب "علينا"… علي عبدالكريم يستعيد عرش الأغنية الطربية    استعراض التخلي    الذكريات.. أرشيفنا الذي لا يغلق    الكلام    «نسك حج» المنصة الرسمية لحجاج برنامج الحج المباشر    تخريج دفعة جديدة بمعهد الدراسات للقوات الجوية بالظهران    افتتاح المتنزه سيشكل نقلة نوعية.. الداود: القدية وجهة عالمية للترفيه والرياضة والثقافة    أوميغا- 3 والحوامل    18 ألف جنيه إسترليني تعويضاً عن ركل سائح    «التخصصي» يحقق جائزة «أبكس» للتميز    الملحق العسكري في سفارة مصر بالمملكة يزور التحالف الإسلامي    «قسد» تستهدف أحياءً سكنيةً ونقاطاً لقوى الأمن الداخلي والجيش السوري    لجنة التحكيم بمهرجان الملك عبدالعزيز للإبل تعلن الفائز الأول في شوط سيف الملك "شقح"    اتفاق النخبة يواصل صدارته قبل التوقف    ترشيح الحكم الدولي د. محمد الحسين لبرنامج التعليم التحكيمي الآسيوي 2025 في سيئول    مناورات صاروخية إيرانية    أمير جازان يستقبل رئيس جامعة جازان الدكتور محمد بن حسن أبو راسين    بين الملاحظة و«لفت النظر».. لماذا ترتاح المرأة للاهتمام الذي لا يُطلب !!    انطلاق تصفيات مسابقة الملك سلمان لحفظ القرآن في جازان    خطط «الصحة» على طاولة أمير القصيم    «الشؤون الإسلامية» في عسير تنفذ 30 ألف جولة رقابية    إنفاذاً لأمر خادم الحرمين الشريفين.. وزير الدفاع يقلد قائد الجيش الباكستاني وسام الملك عبدالعزيز    إنفاذًا لأمر خادم الحرمين الشريفين.. سمو وزير الدفاع يُقلِّد قائد الجيش الباكستاني وسام الملك عبدالعزيز من الدرجة الممتازة    في كل شاب سعودي شيء من محمد بن سلمان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قضية مارسيل خليفة : زاوية اخرى
نشر في الحياة يوم 10 - 10 - 1999

يقول الموسيقي اللبناني مارسيل خليفة في معرض ردّه عن نفسه تهمة المساس بالقرآن الكريم، اذ أنشد أبياتاً للشاعر محمود درويش تستوحي قصة النبي يوسف، يقول انه "خارج عن كل الطوائف، والطوائف لا تعنيه". فهو "مواطن لبناني معني بالانسان في لبنان بكل مناطقه". ودفاع خليفة هذا يلائم بحق سيرته وواقع حاله، وانما المفارقة ان الرجل يسعى لاستحضار حيّز اجتماعي "للمواطن اللبناني" في وقت يبدو لبنان غارقاً في الاجواء الطائفية بأكثر اشكالها مباشرة وبدائية.
ففي السنوات الاخيرة، سنوات ما بعد الحرب الاهلية، ازداد في لبنان تطابق تفاصيل الحياة، المواقف والآراء، الاحداث الصغيرة والكبيرة، كل واحدة منها وفي كل مرة، مع ما يمكن تسميته "تركيبة" البلد.
تمتلك هذه التركيبة قدرة فائقة على استيعاب اي فكرة او حدث، فتعيد نظمها ضمن منطقها وآلياتها في الفعل وفي التعبير عن نفسها.
وقد بدت هذه القدرة اكبر بعد انتهاء الحرب الاهلية وخروج المقاومة الفلسطينية من لبنان وانهيار الحركة اليسارية، اذ تبسّطت التركيبة، متحررة من عوائق الخارجين عن الطوائف من امثال مارسيل خليفة، وعوائق البعد السياسي، العربي والعالمي، للقضية الفلسطينية، وهو بعد يمتلك بالضرورة حداً عالياً نسبياً من التلوّن والتعقيد.
تبسّطت التركيبة ايضاً وتعممت، عندما أُعيدت صياغتها في اتفاق الطائف، فارتسمت حدود التغيير من ناحية واصبحت عودة كل ذي حق لاحتلال حيّزه وصيانته والذوذ عنه، مسألة وجودية ملحة، من ناحية ثانية.
تمتص الآلية الطائفية، المباشرة والبسيطة، كل امكانية يثيرها النقاش الفكري للتقدم نحو تحديد نقاط اللقاء والاختلاف، ناهيك عن تطويرها واغنائها وتجاوزها.
يتخندق كلٌ في طائفته وتصبح المسألة، دوماً وباستمرار، مسألة التوازن الطائفي ذاك وخطر المساس به.
يتكرر دوماً سؤالٌ عن المستفيد من تحريك المسألة، ثم تليه تأكيدات من نوع ان الامور ليست كما تبدو في ظاهرها، فلا مارسيل خليفة هو المقصود ولا القصيدة، بل هناك مستوى خفي تماماً عن القضية كأن يكون مثلاً "دفع دار الفتوى لتحريك الملف جزءاً من الحملة السياسية على رئيس الحكومة السابق"! هكذا يتوسل الصراع السياسي في لبنان ادوات تنتمي لكل الميادين، ولعله لذلك يقال ان كل شيء في لبنان "سياسة" بهذا المعنى البائس للسياسة.
وهكذا يضيع تماماً الموضوع الاصلي، تغشاه مساجلات لا علاقة لها به مبدئياً، مساجلات تعيده دوماً الى نقطة البداية، الى السطح الاول.
واذ تُحرك ضد مارسيل خليفة الدعوى القضائية، يبدأ التضامن معه من النبطية عاصمة جبل عامل، فتجد من يستحضر واقعة ان خليفة غنّى في يوم "يا علي"! وقبل ان تستفيق من دهشتك لهذا التأويل، وفيما أنت تتذكر "يا علي" تلك التي لم تخطر على بالك في هذا الموضع كتبرير ل"تضامن الشيعة" مع مارسيل خليفة، يطالعك الصياح المتكاثر حول اخطار اثارة النعرة الطائفية. وتبدو هذه النعرة قابلة للإثارة مع دبيب اي مظهر للحياة، فيصبح مآل تجنبها هو الركون الى الجمود التام، الموات المتمثل بالالتزام الرتيب بمستلزمات الحدّ الادنى من الحياة، ذلك الحد الذي لا يحتمل بالتأكيد الثقافة.
هكذا لا يعود ممكناً قراءة المواقف والآراء بمنظور ما تقوله هي، ولا يعود ممكناً تقويمها على ضوء مقاييس فكرية وثقافية وسياسية تمتلك الحد اللازم من الانسجام مع طبيعتها تلك، ومن القابلية العامة لادراكها، وتصبح كل المواقف والآراء، تلك المتمثلة بالفعل والاخرى، ردة الفعل عليها، تصبح كلها بحاجة الى تأويل، الى ترجمة تطابقها مع عناصر التركيبة الطائفية اللبنانية، وتستعصي بالتالي على من لا يعرف تفاصيل ودقائق هذه التركيبة. واذ تثير الاعجاب العقلية المفعمة بالحياة التي تقف خلف كلام السيد محمد حسين فضل الله القائل انه لا يجد "اساءة في تضمين القصيدة التي تعبّر عن مضمون انساني يتصل بقضايا الانسان المقهور، آية"، ولا يجد اساءة بتلحينها، او كلام السيد محمد حسن الامين الذي يؤكد ان "استيحاء النص القرآني في النصوص الادبية ظاهرة ايجابية"، تكون مستلزمات التأويل اياها تدور على غير معنى الكلام الصريح هذا وما ينبغي له ان يثير من نقاش ملحّ ومفيد حول مسائل من نوع علاقة الدين بالثقافة، اي بما يمارسه ويطرقه الناس في حياتهم اليومية، ومسائل اخرى من نوع البحث عن اسباب ونتائج تكلّس بعض المراجع مقابل حيوية وانفتاح مراجع اخرى، وحتى نقاش، محلي لبناني ربما، عن بعض نتائج الحرب الاهلية لجهة صعود الحضور الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والثقافي لطوائف مقابل انحسار وانحطاط اخرى… وهي كلها مسائل جديرة بالنقاش بمناسبات مثل هذه، مناسبات كثيرة تسنح، ولكنها عوضاً عن النقاش تنسرب نحو انتظام "المسرح": تكرّ سبحة التصريحات، يدلي ممثلو التركيبة كلٌُ بموقفه، ترتسم الحلبة، يقاس التوازن، تبدأ الجولات… سوى انه لا ضربة قاضية، هناك دوماً مخارج استيعابية، هناك بالطبع رابحون وخاسرون، ولكن الاصول المعتمدة في المراعاة تغلّف حدة النتائج، فتنفض الحلبة الى حين.
لكن الساحة اللبنانية ليست فحسب هذا الركام المتخلّف عن الحروب الاهلية المتكررة، والمؤشر الى نُذر حروب اخرى ترتسم ملامحها المخيفة في الأفق. هناك شيء آخر، اصوات فردية وجماعات. هكذا لن يدين مارسيل خليفة بنجاته المتوقعة الى مفاعيل توازن التركيبة إياها فحسب - وهو يشبه توازن الرعب ايام الحرب الباردة - بل ايضاً الى ما هو نابت من خارجها، ولو بوهن… الى ما تمثّل نفسه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.