قد يقف المرء مشدوهاً أمام العديد من الأحداث السياسية والثقافية التي عرفتها سنة 1998، أحداث قد تتفاوت في قيمتها ودلالاتها بحسب ما يمكن أن تتمخض عنه من نتائج، منها ما يثير الارتياح أو الغضب أو الامتعاض، ومنها ما يستقر في غابة النسيان، أو يوضع ببساطة في سلة المهملات، ويرتبط حضور أي حدث في الذاكرة والتاريخ المعيش بمقدار تأثيره في مجريات الأحداث السيارة واللاحقة سلباً أو إيجاباً. أعتقد في هذا السياق أن الأحداث السياسية والثقافية التي طبعت سنة 1998 بطابع متميز ومؤثر ومثير للأعصاب الى حد القرف والغثيان تنحصر في حدثين دالين وبالغين: الحدث الأول حدث ثقافي من صلب الحياة الشخصية للعديد من الرجال والنساء على حد سواء إلا أن ما أعطى لهذا الحدث طعماً تراجيدياً هو أنه تشكل في إطار مسرحية شكسبيرية حديثة، وقد جرت فصوله المثيرة في قصر يعرف بالبيت الأبيض، ولم يكن البطل غريباً عن الساحة الدولية، باعتباره الوجه الآخر الخفي والظاهر للسياسة الأميركية. أما الحدث الثاني، فهو الحدث الأكبر حدث القصف العشوائي الأميركي البريطاني على شعب العراق وهو ما أعطى لسنة 1998 نكهته الخاصة في نهاية مطافها وهي تلفظ أنفاسها الأخيرة. وفي اعتقادي، ومهما بلغت الأحداث السياسية والثقافية التي عرفتها سنة 1998 من أهمية ان على المستويات المحلية أو على الصعيد الدالين، فإنها لن ترقى الى مستوى هذين الحدثين الدالين والبالغين، وليس من المفارقة أن يرتبط الجنس بالسياسة والحرب كمدخل لتغيير الخريطة السياسية الدولية، ولتصبح العولمة ذات طبيعة جنسية تراجيدية بامتياز. قد يحلو لمخططي الاستراتيجية الأميركية أن ينظروا باستخفاف لأي تحليل أو تأويل يسعى الى إقامة أي علاقة بين الحدثين لكون قرار العدوان كان جاهزاً منذ شهور - مع العلم أن الخيال السينمائي الأميركي سبق منذ مدة أن تنبأ بوجود هذه العلاقة الحميمية بين الجنس والسياسة والحرب، إلا أن الصدف في عالم السياسة لا تخرج أبداً عن السياق الذي أفرزها، وعن الثقافة التي تساهم في جعلها وقائع أبعد ما تكون مجرد صدف. لم يكن الجنس غائباً في سياسة العديد من الرؤساء الأميركيين مما جعله طاغياً على ممارستهم وقراراتهم الى حد ارتكابهم جرائم سياسية وأخلاقية، ولم يكن الرئيس كلينتون ليشد عن القاعدة، ولقد أثبتت المحاضر القضائية هذا التورط بكل قدراته وما زال معرضاً للعزل أو المحاكمة أو التوبيخ، وهذا ما ستسفر عنه الأيام القادمة. ولم يعد الأمر مجرد خيال أو توهم. وإذا أردنا تحليل الروابط الجنسية وتأثيراتها على الأشخاص سواء في حالة الكبت أو التفريغ الجنسين، ووضع حالة الرئيس كلينتون على طاولة التشريح النفسي كنموذج، فإننا لن نستطيع أن نلغي المخلفات النفسية، والقهر السياسي الذي تعرض له على أيدي معارضيه الجمهوريين، وقد حاول بتهوره وطيشه ونزقه أن يخرج من شرنقة القفص الذي وجد نفسه يتخبط في داخله كطير جريح، وما زاد من حدة صناعة قراره لخوض حرب عدوانية وأعطاه نفساً هو جو التعاطف الذي وجده عند الرأي العام الأميركي، وهو تعاطف لا يمكن تفسيره إلا من داخل الثقافة الأميركية نفسها. من هذه الزاوية ومن جهة نظر أخلاقية صرفة، كيف يمكن لأي حكومة من حكومات دول العالم، ومهما كانت طبيعتها، أن تتقبل قرار حرب كانت بواعثها جنسية محضة لإظهار حالات الانتفاض السياسي؟ لقد ظهر العديد من المفارقات ميّزت سياسة بعض الدول، وهو ما سينعكس بالضرورة على الخريطة الدولية مع مطلع السنة القدمة الحابلة بكل المفاجآت، وفي مقدمتها عودة السياسة الروسية الى الساحة الدولية مع كل ضعفها، وهو الضعف الذي يمكن أن يتحول الى قوة في إطار الدعوة الى اقامة تحالف استراتيجي يضم الصين والهند وروسيا. لم تكن مبررات هذه الدعوة بالتأكيد وليدة العدوان الأميركي البريطاني على شعب العراق المحاصر. بجانب هذا التحالف المرتقب الذي تمليه الأوضاع الداخلية لكل بلد على حدة هناك مفارقة ضخمة ومثيرة أبرزها العدوان الأميركي، وقد تجلت في الشرخ الهائل الموجود بين الحكومات وأنظمتها والجماهير، عربية أو غربية على حد سواء. وقد استطاعت هذه الأخيرة أن تعبر عن غضبها من خلال تظاهراتها العفوية أو المنظمة ضد السياسة الأميركية، وهذا هو التحدي الذي يصعب تجاوزه مما يجعل الحرب والعدوان وسياسة الكيل بمكيالين تغرق في نفق مظلم، ويتبخر مه شعار إقامة نظام ديموقراطي بالقوة داخل أي بلد مهما كان جبروت وطغيان قيادته. وخلاصة القول إذا كنت وقفت عند حدثين؟ حدث مونيكا غيت والعدوان الأميركي على شعب العراق، فلأنهما سيشكلان بكل تأكيد خريطة جديدة للعام القادم، ومن شأنهم أن يفرزا معطيات قد تختلف عما أفرزته حرب الخليج الثانية لا في اعادة ترتيب التوجهات الدولية فقط بل في مسار مفاهيم العولمة. الأمر الذي سيعطي لصراع الحضارات طابعاً جديداً سيتسم لا محالة بالحدة والعنف، لأن السياسة الأميركية اختارت عن طواعية أسلوب العنف والكوبوي والإرهاب الدولي. * كاتب مغرب