ارتبط تخطيط المدينة الاان يكون المسجد الجامع في مركز متوسط من المدينة لكي يسهل الوصول اليه، وتطلب ذلك ان تتخذ شوارع المدينة الاسلامية وضعاً وتخطيطاً معينا. - وحول تخطيط المدن الاسلامية وعلاقة العمارة الاسلامية بحق الطريق، تقول الدكتورة آمال العمري استاذة الآثار الاسلامية، وكيلة كلية الاثار في جامعة القاهرة: راعى حكام وولاة المسلمين منذ قيام الدولة الاسلامية الاولى ان يكون تخطيط المدينة الاسلامية وفق قواعد عامة حددها الفكر الاسلامي، فعلى سبيل المثال حدد الخليفة عمر بن الخطاب القدر الذي ترتفع اليه المباني عند بناء مدينة البصرة في السنة الرابعة عشرة للهجرة، وعند انشاء مدينة بغداد حدد الخليفة العباسي ابو جعفر المنصور شكل شوارعها واتساع طرقاتها بما يتناسب وعاصمته الجديدة التي اصبحت في ما بعد من اعظم المدن الاسلامية قاطبة. وفي العام 227 للهجرة "ألف ابن ابي الربيع" كتابه الشهير "سلوك المالك في تدبير الممالك"، الذي اهداه الى الخليفة المعتصم بالله العباسي، وضمن أحد فصوله شروطاً ثمانية يجب ان يتبعها من يريد انشاء مدينة، فكان منها: أن يقدر طرقها وشوارعها حتى تتناسب ولا تضيق، وان يبني فيها جامعاً للصلاة في وسطها ليقرب على جميع أهلها، وأن يقدر اسواقها بحسب كفايتها لينال سكانها حوائجهم عن قرب. وتوضح آمال العمري أن العمارة الاسلامية راعت العلاقة الوثيقة بين المباني والطرق المطلة عليها، خصوصاً أن المباني لا تنشأ في الفراغ اللا نهائي، ولكنها مرتبطة الى حد كبير بالشوارع المطلة عليها، ولعل أروع الأمثلة على ذلك ما نراه في مقاسات بوابات المدن الاسلامية الكبيرة مثل بغدادوالقاهرة، فعلى رغم الحرص على تحصين المدينة والارتفاع بأسوارها وتقليل بواباتها قدر المستطاع، يلاحظ اتساع هذه الأبواب وارتفاعها، وهو أمر يدل على مراعاة المعمار الاسلامي لحق الطريق.. فهذه البوابات تربط المدينة بخارجها ويمر خلالها الداخل والخارج، لذا وجب أن يراعى فيها الاتساع والارتفاع، حتى إن المؤرخ اليعقوبي يذكر في كتابه "معجم البلدان" خلال وصفه لمدينة بغداد، أن أبوابها كانت مرتفعة بحيث كان الفارس يدخل منها راكباً ورافعاً العلم والرمح الطويل من غير أن يميل العلم ولا ينثني الرمح. وتضيف: وتمكن ملاحظة الشيء نفسه في بوابات مدينة القاهرة التي انشأها بدر الجمالي، فاتساعها يسمح بالمرور السهل، كما ان ارتفاعها ناهز القدر المحدد، والنظر الى المستوى الاصلي لأرضية شوارع القاهرة في ذلك العصر، والتي تظهر من الخندق المحفور حول جامع الصالح طلائع، وارتفاع باب زويلة المقابل له، تؤكد أن ارتفاع هذه البوابات كان تراعي فيه جيداً الأحكام الفقهية التي حددها فقهاء المسلمين لارتفاع البناء فوق الشارع بقدر واحد. وتضرب آمال العمري امثلة اخرى تشير الى محافظة العمارة الاسلامية على حق الطريق والحرص على سهولة الاتصال والحركة في الشوارع فتقول: كانت السلالم الخارجية للمباني التي ترتفع عن مستوى الشارع تأخذ الوضع الجانبي، سواء كان السلم مزدوجاً بدرج من الجانبين أو بدرج من جانب واحد، ونرى ذلك بوضوح في الآثار المملوكية في القاهرة مثل مدرسة برسباي في الأشرفية، وجامع المؤيد شيخ وخانفاه برقوق، فقد جُعل السلم في هذا الوضع تجنباً لإعاقة الطريق بدلا من امتداده في وسط الشارع. كما روعي في عناصر الاتصال التي تربط المبنى بملحقاته ان تكون مرتفعة حتى لا تسد الطريق، ومثال ذلك "الساباط" الذي يربط جامع جقماس الاسحاقي بالميضأة في الجهة الشمالية المقابلة للجامع، وقد بلغ ارتفاع الساباط حوالي ستة امتار. ومن الامثلة الاخرى ما نراه من اختلاف في سُمك جدران بعض المساجد من طرف عن الطرف الاخر،. وكان ذلك نتيجة محاولة المعمار الاسلامي المواءمة بين اتجاه القبلة ومحاذاة الشارع، وتشكيل مساحة منتظمة للمنشأة من الداخل، ويمكن القول إن ما نلاحظه أحياناً في انكسار بعض واجهات المباني أكثر من مرة في شوارع المدن القديمة، كان للمحافظة على استقامة وانسياب الطرق المحيطة بالمنشأة، ما يؤكد الاهتمام الشديد والحرص على حق الطريق. وتشير آمال العمري الى واقعة تثبت اهتمام سلاطين المماليك بتوسيع الطرقات والشوارع والأزقة في مدينة القاهرة فتقول: عندما ضاقت شوارع وطرقات القاهرة بالمخالفات والإشغالات المختلفة التي أحدثها الناس على مر السنين، أصدر السلطان قايتباي امراً الى الامير "يشبك الداودار" بتوسيع الطرقات والشوارع وازالة الإشغالات، وطلب من القاضي "فتح الدين السوهاجي" أن يصدر فتوى شرعية تحكم بهدم ما أنشئ في الشوارع والأسواق من أبنية ورباع وحوانيت بغير حق. وجرى الهدم بناء على هذه الفتوى ولم يستثن من ذلك أحدا، حتى يذكر المؤرخون انه هدم ثلاث رباع كانت تخص "خوند شقرا" ابنة الملك الناصر فرج بن برقوق، كما أمر السلطان بتجديد الميدان الناصري وكان المشرف على عمارته "ازبك الاتابكي"، وأمر أيضا بازالة سبيل "جاني بك الفقيه امير سلاح" لاعتراضه الطريق العام. وتختم العمري كلامها قائلة: "وهكذا نجد أن المشرع الإسلامي قد استن قوانين تحدد سعة الشوارع والطرق، وأصدر أحكاما قضائية ووضع قواعد عامة في ذلك، فالمبدأ العام في الفكر الاسلامي ان الطريق النافذ مباح فيه المرور لكل انسان وحق للمسلمين، فليس لأحد ان يبني فيه او يخالف خط جاره او يعتدي على حق غيره