القيادة تعزي رئيس المجلس الرئاسي الليبي في وفاة رئيس الأركان العامة للجيش الليبي ومرافقيه    لقاء متجدد لمجموعة «الأوفياء الإعلامية»    استثناء المرخصين ب«النقل البري» من سداد الغرامات    تكامل لوجستي مع القطاع الخاص    دعا لاجتماع عاجل لرفض تصريحات نتنياهو.. أواري: محاولات الاعتراف ب«أرض الصومال» ككيان مستقبل باطلة    الأردن: رفض أي إجراءات تمس الوحدة    الخارجية اليمنية: جهود السعودية مستمرة لحفظ الأمن    الاتحاد يحسم مواجهة الشباب بثنائية    الرياض وجدة جاهزتان لانطلاق كأس آسيا تحت 23 عاماً    في كأس أمم أفريقيا بالمغرب.. الجزائر والسودان يواجهان غينيا وبوركينا فاسو    أفراح التكروني والهوساوي بزواج محمد    مبارك ينال الدكتوراه    أمراء ووزراء يواسون آل ظبيه في فقيدهم عايض    فسح وتصنيف 70 محتوى سينمائياً    لطيفة تنتهي من تصوير «تسلملي»    315 صقرًا للمُلاك المحليين تتنافس بمهرجان الملك عبدالعزيز للصقور 2025 في يومه الثالث    يستمر من 7 إلى 10 رجب الجاري.. بدء استقبال «الوثائق» لإفطار الصائمين    مختص: لا ينصح بأسبرين الأطفال للوقاية من الجلطات    عصير يمزق معدة موظف روسي    الاتحاد يُعمّق جراح الشباب المتعثر    شرقي عن احتفالية "اللوتس": هالاند طلب مني فعل ذلك وأنا سعيد بتنفيذ وعدي    قيلة حائل    بيئات عسير تزدهر بالنباتات الملائمة للتشجير    إطلاق 61 كائنًا بمحمية الملك خالد    «أحمر القصيم» يُكرم روّاد العطاء    أمير المدينة يتفقد العلا    وزير الداخلية: يطمئن على صحة رجل الأمن الجندي ريان آل أحمد    51% إشغال مرافق الضيافة السياحية    حضور لافت للصقارات بمهرجان الملك عبدالعزيز    الذهب والفضة أبرز الملاذات الآمنة في 2026    السديس يدشن أعمال اللجنة الاستشارية للغات والترجمة    خطيب المسجد الحرام: ظُلم العباد يقود إلى الهاوية والضياع    «عيون الجواء».. تاريخ عريق ونمو متسارع    أبها يعزز الصدارة بالنقطة ال30.. والدرعية "وصيفاً"    «القصيم الصحي».. اعتماد سباهي ل «الأفق» و«ضليع رشيد»    ختام رائع لمهرجان كؤوس الملوك والأمراء 2025    محافظات جازان تبرز هويتها الثقافية والشعبية    الزيّ التراثي يجذب الأنظار في مهرجان جازان 2026    متى يكون فقدان الصوت خطيرا    التعادل الإيجابي يحسم لقاء القادسية وضمك في دوري روشن للمحترفين    .. وتدين الهجوم الإرهابي الذي استهدف مسجدًا في مدينة حمص    تصعيد حضرموت: تحذير للتحالف وتحركات لاحتواء الانفلات الأمني    رفض إفريقي وعربي لاعتراف إسرائيل بأرض الصومال    متحدث التحالف لدعم الشرعية في اليمن: التحركات العسكرية المخالفة سيتم التعامل معها لحماية المدنيين    القبض على إثيوبيين في جازان لتهريبهم (108) كجم "قات"    «صدى الوادي» يتجلى مع الطلاسي والتركي و«حقروص»    (117) دقيقة مدة زمن العمرة خلال شهر جمادى الآخرة    الخارجية اليمنية ترحب ببيانات عربية ودولية ثمّنت جهود السعودية بشأن تطورات حضرموت والمهرة    «واحة الأمن» تستعرض جاهزية الأفواج الأمنية في مهرجان الإبل    «أرفى» تكرّم الجهات الداعمة لمرضى التصلب المتعدد في حفل "خيركم سابق"    حملات ميدانية تضبط 18,877 مخالفًا لأنظمة الإقامة والعمل وأمن الحدود    مدير هيئة الأمر بالمعروف بجازان يزور التدريب التقني ويبحث تعزيز البرامج التوعوية المشتركة    بيش تُضيء مهرجان شتاء جازان 2026 بهويتها الزراعية ورسالتها التنموية    وزير الداخلية تابع حالته الصحية.. تفاصيل إصابة الجندي ريان آل أحمد في المسجد الحرام    سعيد بن قزعة أبو جمال في ذمة الله    جمعية التنمية الأهلية بأبها تحتفي باليوم العالمي للتطوع واختتام مشاريع 2025 ضمن "رواية عقد"    تنفيذاً لتوجيهات خادم الحرمين وولي العهد.. وزير الداخلية يطلع على مبادرات الجوف التنموية    سلطان عمان يمنح قائد الجوية السعودية «الوسام العسكري»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مدن رمادية وتصحر بصري
نشر في الرياض يوم 03 - 04 - 2010

يرى رئيس قسم العمارة في معهد ماسوشتس للتقنية MIT (Yang Ho Chang)، وهو من أصل صيني، أن وجود المباني بقرب بعضها لا يعني أننا صنعنا مدينة، لقد أثار هذا القول مخيلتي حول معنى المدينة، وأذكر على سبيل المثال عندما بدأت ظاهرة تغطية المباني التي بنيت في السبعينيات والثمانينيات الميلادية في مدينة الرياض بألواح الألمنيوم أنني قلت أن الرياض أصبحت مدينة "رمادية"، ولم أحاول أن أحدد معنى "المدينة الرمادية حتى قابلت المعماري (إميليو إمباز) وهو من أصل أرجنتيني لكنه يعمل في إيطاليا والولايات المتحدة، وله عمارة عالية الحساسية البيئية، بل إنه يعتبر أحد أهم من طوّر مفهوم "العمارة الخضراء" وأغلب مبانيه إما بواجهات "نباتية" مشعة بالاخضرار، أو أنها مغطاة بمسطحات خضراء رغم أنه لم يفكر أبدا أن يبني مبانيه تحت سطح الأرض. يرى (إمباز) أن العمارة بحاجة إلى روح ويجب أن تخاطب القلب، فقلت في نفسي كيف سيكون رأيه في عمارة الرياض الرمادية، فصمت أستمع له ولفلسفته العميقة التي لا تحاول افتعال الشكل بل إن أوراق الشجر كما هي في الطبيعة تصنع صورة العمارة، تذكرت في نفس اللحظة مبنى مواقف السيارات التابع لوزارة الداخلية والشجيرات التي تتدلى من طوابقه المطلة على طريق الملك فهد فقلت كيف ستكون صورة الرياض لو أن إحساسنا بالشكل وبالعمارة أصبح قريبا من الطبيعة. العمارة الرمادية التي بدأت تطغى على كل مدننا تذكرني بالتصحر البصري الذي تعاني منه عمارتنا، فنحن لا نصبر ولا نحاول ونتميز بالاستعجال والتقليد، وبالتالي ليس مستغربا أن نجد تنوع شوارعنا يتحول بين يوم وليلة إلى شكل رمادي واحد يشعرنا بالاكتئاب، لمجرد أن هناك من استلبته تقنيات الألمنيوم البراقة التي سريعا ما تتحول إلى عبء بصري يصعب التخلص منه.
الأمر لا يتوقف عند هذا الحد بل إن انسجام مدننا وترابطها يعاني من إشكالية كبيرة تبدأ من تفكك العناصر الحضرية وتراجع "معنى المدينة" في نفوس الناس، وقد كنت خلال الأسبوع الفائت في مؤتمر عجمان الرابع للتخطيط العمراني (وهو مؤتمر يعقد كل عام بدعم من بلدية عجمان ومشاركة من جامعة ولفرهامبتون في بريطانيا) وأثار بعض المشاركين (وقد كانوا خبراء أتوا من أماكن متعددة من العالم) مسألة أن "المدينة يجب أن لا تكون مكاناً لتجميع المباني" وهو موضوع هام يحتاج أن يفكر فيه المخططون المعماريون قبل كل شيء فهذه مهمتهم وإن كانت مهمة التنفيذ تقع على غيرهم. هناك من ينتقد بشدة أن تتحول المدن إلى مجرد "تجمع للأشياء"، فهذا التجمع لا يصنع حياة -أبدا- يفترض أن تحققها المدينة لسكانها.
ربما هذه الرؤى تجعلني أشعر ببعض القلق وأنا أرى المدن السعودية تتسارع في نموها العمراني دون أن يكون هناك حوار ثقافي ومجتمعي حول هذا التسارع، لأن ما ستنتهي إليه هذه التطورات سيبقى يحاصرنا للأبد، فلماذا لا نشارك في صنع صورة نرضاها جميعا. أذكر هنا أني كنت أتحدث إلى صديق (شاعر وأديب) عن انفصام العمارة في المملكة عن الحركة الثقافية، فلا نجد مثلا من الأدباء السعوديين من له اهتمام معماري، بينما نجد العمارة جزءاً أساسياً من حركة الفنون والأدب في الغرب. فأنا لم أتفاجأ في يوم أن أحد الأدباء زار كلية العمارة وقال أود أن أعرف ماذا تصنعون في هذا المكان، كما أنني لم أجد بلدية دعت أديباً أو شاعراً للمشاركة في وضع خطة المدينة. هذا لا يعني أن مشاكل مدننا نتجت عن هذا الانفصام، لكنني أتوقع أن تمتين العلاقة بين أطياف المجتمع ودفعهم للمشاركة في صنع المدينة سوف يصنع ثقافة عمرانية مختلفة. على أقل تقدير سوف نجعل من يفكر في تحول واجهات المدينة إلى لوحات معدنية رمادية أن يتوقف قليلا ويفكر في الضغوط المجتمعية التي قد يواجهها.
خياراتنا بين بناء مدينة نعيش فيها أو مكان نمارس فيه التجارة ونبني فيه مباني متناثرة تربط بينها الشوارع والممرات -ونقنع أنفسنا أننا بنينا مدينة- ضئيلة جدا، لأن المسار المتاح هو "مدن التجارة والاستثمار" لا مدن "الحياة والجمال". هذه الظاهرة تميز مدننا بشكل واضح، فالرياض وجدة والدمام وباقي المدن المتوسطة والصغيرة تمتد دون هدف، ونخطط للمدينة بعد أن يصبح الأمر واقعا، لذلك لم أستغرب قبل سنوات عندما التقيت في دائرة تخطيط المدن في وزارة الشؤون البلدية والقروية بخبير أو كبير المخططين (فالألقاب لا تعبر عن المحتوى في كثير من الأحيان) وقال لي "إننا نخطط بسياسة الأمر الواقع"، وكنت أراجع معه المخطط الهيكلي لحاضرة الدمام، فقلت له ولماذا اذا نخطط، أمن أجل تشريع الواقع العشوائي، فقال لي هذا واقع لا نستطيع تغييره. إذا لماذا ننتظر حتى يتحول الأمر إلى واقع ثم نقول إننا لا نستطيع تغييره، حقيقة لا أعلم لماذا يحدث هذا عندنا لكنني أستبعد أن هذه الثقافة التخطيطية يمكن تغييرها، لأنها أصبحت جزءاً من بنية العمل الإداري والتخطيطي للمدينة السعودية.
ربما يراني البعض "حالما" أو "رومنسيا" فأنا أطالب بعلاقة بين الأدب والعمارة بينما تعاني مدننا من كوارث عظيمة، ففضلا عن كونها مجرد مساحات لتجميع المباني دون ترتيب أو هدف ودون معنى ودون "إرشاد" أو "توجيه" تعاني هذه المساحات المتجاورة التي تدعى "مدينة" من تراجع كبير في بناها التحتية، ومع ذلك لابد أن أقول للقارئ إنني لست حالما، لأني مؤمن أن الإنسان بحاجة إلى الجمال مثل حاجته للوظيفة والخدمات، وربما أكثر، فلماذا لا يحق لي أن أفكر في المدينة كمعرض للجمال مفتوح على حياة الناس اليومية يغذي الروح ويصنع التذوق عند الصغار والكبار، لماذا نصر على أن نجعل من يسير في طرقات مدننا أن يتأفف ويقول "ما هذا؟". مدننا تستحق منا أكثر مما نقوم به الآن، وهو أمر مناط بفتح المشاركة المجتمعية أكبر على اتخاذ القرار العمراني سواء على مستوى النخب (وهو الأهم)، أو على مستوى العامة (وهو مؤشر ومرشد مهم يجب أن نعتني به).


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.