الكتابة عند التشكيليين او المعارض التي يقيمونها لا تخلو غالباً من المبالغة، او تكون مكتوبة بطريقة يسودها الابهام او الافتعال. احياناً تحتاج الى "ترجمة" وأحياناً الى اهمال. والنتيجة ان الثقة في التقييم المتوازن تضيع في غيوم اللغة والتصنع وما بينهما من جمود. في اثناء معرض الرسامين عبدالجبار الغضبان وعباس يوسف، رصدت عدداً من المقالات والكلمات التي نشرت عنهما وعن معارضهما السابقة الا انني فضلت ان ارى المعرض اولاً، ثم الحديث مع الفنانين اثناء وجودهما في لندن. الانطباع الاول في المعرض كان جاذبية وانصياعاً من دون احتراس. واذ يتوقف الانسان عند هذا الحد تتحول الجاذبية الى تهافت، وتؤدي الحماسة الى تجاوز، احد نتائجه انعدام رؤية ثابتة. نادراً ما توحي الاعمال الفنية بالاتجاه نفسه اذ حدثت علاقة متينة بين العمل والمشاهد خارج نطاق اللغة، اي انه يعيش تجربة الفنان على مستويات عدة، محاولاً استخراج المعنى العام الذي يسعى اليه الفنان عن قصد او غيره. الجاذبية لا تصنع فناً، كما ان البيان الصحافي لا يصنع نقداً وتفهماً. اهمية المعرض انه اتاح فرصة لتجديد العلاقة مع تطورات الفن في البحرين، وهو في سعي جدي لتحقيق مميزات لا تتكرر في افق الفن العربي الشاسع. الا ان استخدام الحروفية كثيراً ما يخلق التباساً، في حين يريدها الفنان انتماء. التمييز لا يأتي من التشبث بصيغة معينة، بقدر ما يكون جهازاً للانطلاق الى رحاب التفاعل الشاسع مع المتوقع وغير المتوقع. وقد ترى في لوحات عباس يوسف الغرافيكية محاولة في هذا الاتجاه عندما يستخدم الحرف جزءاً من التشكيلة الفنية. الحرف، كلمة او مقتطفاً، انما هو وسيلة لتقديم وحدة تعبيرية متماسكة من ألوان وتنويع مع تطور وإحساس. في اعمال الرسام تعبير متداخل، احياناً يظهر الحرف فيه قائماً بذاته او طاغياً على ما حوله، وفي محاولة التنسيق بين الحالتين يفسد موضوع اللوحة... واذا الرسم من دون موضوع، فهو فقير. واذا التشبث بهندسة الحروف كما هي، تكرار وجمود. نحن على مقربة من الفنان الذي يقول انه يعتمد الجانب الخطي ليعطي مضامين معينة، اضافة الى انه يريد ان تكون الصورة واضحة لا تحتاج الى شرح، اي انها تفسر نفسها اشارة وحيوية ومضموناً. من يرفض هذا التعبير اذا رآه حقيقة؟ لكن ما تقدمه الصور هو نوع مختلط الى الحد الذي ينتفي فيه التعرف على اسلوب او اتجاه. في حين نجد لوحات الرسام عبدالجبار تدل على ان النظام الخيالي يستهلك نفسه، لدرجة ان عالم اللوحة الخاص يفقد توازنه. النظام هنا طباعة، ووجوه، وأشخاص في محاولة رواية قصة او اسطورة: حب او علاقة او حياة. لكن هل عنوان اللوحة يعوض عن الموضوع، او محاولة العثور عليه؟ في لوحات الفنان جاذبية ألوان، مسحة من البيئة، كما انه لا يقتصد في التعبير عن مشاعر حقيقية، الا ان اللوحات تعجز في اكثر الاحوال عن توصيلها الى المشاهد. لعل اهم مصدر لهذا، هو الاقدام على العمل من دون تحضير فكري كافٍ. الصورة لا تحدث بالصدفة كما يقول رسامون. دراسة الموضوع قبل الوصول الى الصورة النهائية احدى علامات الرسم الجاد. من جهة ثانية نرى وجوهاً في هذه اللوحات تبحث عن وجود، لتقول شيئاً، لكن تأثيرات تمنعها ومن بينها طريقة التلوين والصيغة المتكررة التي قد يعتبرها البعض اسلوباً. واذا كانت اللوحات تطل بالتمييز في البداية الا انها لا تتجاوز الرونق والتشكيلة الجمالية والمجهود المبذول في طباعتها. هل معنى هذا ان الكلام الذي يدور حول المعارض التشكيلية في صورة عامة انما يخدع النفس اكثر مما يفيد التطور. هل جرب الفنانون ان يعلوا بأصواتهم وإنتاجهم فوق المجاملات والبيانات الصحافية الطريفة؟