يجري الرئيس حسني مبارك خلال الأيام القليلة المقبلة اتصالات مكثفة مع القادة العرب من أجل ضمان وحدة المواقف وتماسكها إزاء عملية السلام والبحث في السبل الكفيلة بوقف التدهور الذي تشهده هذه العملية. وأجرى مبارك اتصالاً هاتفياً بالعاهل الأردني الملك حسين ويعقد اليوم جلسة محادثات مع الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، وتلقى من وزير خارجيته السيد عمرو موسى تقريراً عن نتائج اللقاء الثلاثي الذي ضمه مساء أول من امس مع كل من نظيريه السعودي الأمير سعود الفيصل والسوري السيد فاروق الشرع. وعلى صعيد التحضير لعقد القمة المصغرة التقى الأمين العام للجامعة العربية الدكتور عصمت عبدالمجيد أمس سفير السودان في القاهرة الدكتور أحمد عبدالحليم بوصف بلاده الرئيس الحالي لمجلس الجامعة، ودعا الى اجتماع طارئ للمجلس على مستوى المندوبين بعد عيد الأضحى. وقال عبدالحليم إن عبدالمجيد "بدأ في وضع وتحديد البرامج والمناهج اللازمة لتنفيذ قرارات مجلس الجامعة"، في شأن عملية السلام. وأعرب عبدالحليم عن اعتقاده أن "المشاورات العربية الجارية حالياً ربما يكون القصد منها عقد قمة عربية بصورة ما، سواء مصغرة أو شاملة" وقال ان تحركات القادة العرب في هذا الاتجاه تحت رعاية الرئيس مبارك "تبشر بخير للمستقبل"، معرباً عن أمله بأن توضع قرارات مجلس الجامعة موضع التنفيذ. وأوضح مصدر ديبلوماسي مصري لپ"الحياة" أن تقويم الأطراف الثلاثة للتطورات في عملية السلام ونتائج جهود واشنطن وجولة المبعوث الاميركي لعملية السلام دنيس روس والأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان، وقبلهما جولة وزير الخارجية البريطاني روبن كوك الذي ترأس بلاده الاتحاد الاوروبي حالياً كلها "سلبية" في اتجاه الضغط على حكومة اسرائيل كي تنفذ قرارات الشرعية الدولية وتحترم مرجعية مدريد وتلتزم الاتفاقات التعاقدية على المسار الفلسطيني. وعما إذا كان اللقاء الثلاثي في الرياض بحث في امكان عقد قمة عربية شاملة بحضور العراق أو عقد قمة ثلاثية مصرية - سعودية - سورية، أعرب المصدر عن اعتقاده أن "تطورات الوضع في عملية السلام تزيد منطقياً فرص عقد قمة عربية كاملة بحضور العراق. وإذا وصلت الأمور مع رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو الى نقطة اللاعودة، فإن عقد قمة شاملة لتقويم الوضع برمته في المنطقة يصبح ضرورة قصوى. المطروح الآن التعاطي مع فكرة عقد قمة مصغرة طرحها الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات الاسبوع الماضي. أما عقد قمة ثلاثية مصرية - سعودية - سورية فهو مطروح في كل وقت ولا يلغي أفكاراً أخرى لأن المطلوب أكبر قدر من وحدة الموقف العربي وتماسكه في هذه المرحلة". وأشار الى أن اللقاء أكد أن "انقاذ عملية السلام يستحيل تحقيقه من طرف واحد ويتطلب تكاتف جميع الاطراف المعنية بالسلام في مواجهة العقبات التي تعترض تحقيقه لأن المصالح الآنية والاستراتيجية لجميع الاطراف ستتضرر من دون استثناء طرف أو مصلحة معينة". وقال: "سياسات حكومة بنيامين نتانياهو ومحاولات القفز فوق الاستحقاقات الانتقالية على المسار الفلسطيني عبر اقتراح الدخول في مفاوضات الوضع النهائي تارة، أو تحقيق تسوية معينة على المسارين السوري واللبناني عبر اقتراح تنفيذ مشروط للقرار 425 تارة اخرى، واستمرار هذه الممارسات من دون سقف أو ضغط يستدعي بناء موقف عربي للتعاطي مع محاولات الحكومة الاسرائيلية فرض حال اللاسلم واللاتفاوض والاسترخاء السياسي على المنطقة، وهذا أمر غير مقبول لا عربياً ولا دولياً". وأكد أن "الوجه الآخر لهذه المجادلات هو دخول المنطقة دوامة العنف والتوتر". وزاد: "التحرك العربي ضروري ومهم فنحن ننتظر من الولاياتالمتحدة، الراعي الاساسي لعملية السلام، ومن الاتحاد الاوروبي مواقف تدفع نحو تنفيذ الاتفاقات التعاقدية والالتزام بمرجعية العملية". وقال: "عملية السلام تموت ولن تنتظر العرب كمتفرجين على عملية تحتضر". وعن تهديد وزيرة الخارجية الأميركية مادلين أولبرايت بانسحاب بلادها من عملية السلام، أوضح المصدر: "من حيث الشكل هذا التصريح يعبر عن إحباط الراعي الأساسي من حكومة إسرائيل وفقدان الأمل بإمكان تغيير مواقفها وهذا اتجاه، لكن من حيث الجوهر تصريح أولبرايت يثير تساؤلات حول ماهية الطرف المفترض أن يشكل هذا التهديد حافزاً له للتحرك ووضعته أولبرايت تحت ضغط... من هذه الزاوية التصريح سلبي". وأعرب عن أمله بأن ينطلق الموقف الأميركي في خططه أو مبادراته لتحريك العملية من الثوابت التي جددتها أولبرايت وأكدتها في آب اغسطس العام الماضي. واستنتج المصدر من محادثات روس أن الادارة الاميركية الديموقراطية حالياً غير مستعجلة لطرح مبادرة متكاملة برغم التصريحات التي تتردد في واشنطن، مشيراً الى ان الحزبين الجمهوري والديموقراطي يقومان استعداداً للانتخابات الرئاسية المقبلة، بمداعبة اللوبي اليهودي بقرار الكونغرس نقل السفارة الاميركية من تل ابيب الى القدس بحلول ايار مايو 1999. وقال: "هناك فجوة عميقة بين بنود اوسلو وبين مواقف اسرائيل"، ورأى ان واشنطن "يجب عليها ردم هذه الفجوة لأنه ليس هناك حل وسط بين تنفيذ الاتفاقات وانتهاكها". من ناحية اخرى يتوجه وزير الخارجية المصري السيد عمرو موسى الى الفاتيكان غداً حاملاًَ رسالة من الرئيس مبارك الى البابا يوحنا بولس الثاني، علمت "الحياة" أنها تتعلق - فضلاً عن العلاقات الثنائية - بموضوع القدس ودعم الفاتيكان لعملية السلام على أساس قرارات الشرعية الدولية والحقوق العربية في استعادة الاراضي التي احتُلت في عدوان 1967 بما فيها القدسالشرقية. وسينقل موسى الى البابا قلق الدول العربية من الاتفاق الموقع بين الفاتيكان واسرائيل في شأن القدس وقرار مجلس الجامعة العربية الاسبوع الماضي مناشدة الكرسي الرسولي عدم التصديق عليه، كونه "يحوي مساساً بالحقوق العربية والاسلامية في المدينة". ودعوته الى "توقيع اتفاق مع السلطة الفلسطينية يؤكد سيادة الفلسطينيين على الأماكن المقدسة". وكان المجلس اعتبر الاتفاق اعترافاً من الفاتيكان بالسيادة الإسرائيلية على المقدسات بما يتعارض مع قرارات الشرعية الدولية والاتفاقات التعاقدية على المسار الفلسطيني التي نصت على جعل القدس احد موضوعات التفاوض في المرحلة النهائية. الى ذلك، أوضح أمين سر المجلس الوطني الفلسطيني مندوب فلسطين الدائم لدى الجامعة العربية السيد محمد صبيح أن "جهود الرئيس مبارك تهدف الى انقاذ العملية قبل ان تنفجر بسبب قصر نظر رئيس حكومة اسرائيل"، مشيراً الى أن محادثات مبارك - عرفات تأتي للتشديد على "رفض إفلات اسرائيل من تعهداتها والتزاماتها".