أمير القصيم يرعى حفل تخريج 5,448 من الكليات التقنية ومعاهد المنطقة    مؤتمر مستقبل الطيران 2024 يتجاوز التوقعات ويعلن إبرام 102 اتفاقية بقيمة 75 مليار ريال    نقل ملعب مباراة الهلال والطائي إلى ملعب نادي الشباب    اضطراب هوائي يضرب طائرة سنغافورية    الانتخابات الرئاسية الإيرانية في 28 يونيو    «الذكاء الاصطناعي» الأوروبي.. إنفاذ القانون والتوظيف    إسرائيل تخشى أوامر الاعتقال وتستمر في الانتهاكات    إصدار 700 ألف صك عبر البورصة العقارية    القبض على مقيم لترويجه حملات حج وهمية في مكة المكرمة    أمير المدينة المنورة يكرم 23 طالبا    IF يتصدر شباك التذاكر    الجامعة العربية تؤكد أهمية حوار الحضارات كتنوع ثقافي متناغم    نائب أمير مكة يستقبل مدير عام الجوازات والوفد المرافق له    نائب وزير الخارجية يقدم واجب العزاء والمواساة في وفاة رئيس إيران    تعليم الطائف يعلن ترتيب شرائح النقل عبر نظام نور لمعلمي ومعلمات التعاقد المكاني    ما المشاريع التي دشنها أمير حائل في محافظة السليمي بأكثر من مليار ريال؟    نائب أمير منطقة مكة يرأس اجتماع لجنة الحج المركزية    46 مليار ريال سنويا التسهيلات المقدمة للمنشآت    أمير منطقة تبوك يستقبل المواطنين في اللقآء الأسبوعي    وكالة الفضاء السعودية تعلن أسماء الفائزين ال10 من 8 دول عربية في مسابقة #الفضاء_مداك    مدير مكتب التعليم بالروضة يفتتح العيادة المدرسية بمتوسطة زهير بن أبي أمية    غرق 10 فتيات بعد سقوط حافلة بمجرى مائي في القاهرة    سمو محافظ الخرج يرعى حفل التخرج لمتدربي ومتدربات وحدات التدريب التقني بالمحافظة    أخضر الملاكمة بالمعسكر الدولي    «جامعة نايف العربية» تطلق في تونس أعمال الملتقى العربي للحد من تهريب المهاجرين    "عطور الشرق" يفتح أبوابه للزوار في المتحف الوطني السعودي    آرني سلوت: عرض العمل مع ليفربول يستحيل تجاهله    ريال مدريد: كروس قرر إنهاء مسيرته الكروية بعد يورو 2024    تاج العالمية تفتتح مكتبها في الرياض ضمن 19 موقعا عالميا    العالم حريص على توحيد الجهود الدولية لإيجاد حلولٍ شاملة لقضايا المياه    أرقاماً قياسية عالمية في انخفاض تكلفة إنتاج الكهرباء من طاقة الرياح    ولي العهد يطمئن الجميع على صحة الملك    الربيعة يدعو لتأسيس "مجلس طيران إنساني عالمي"    وزير الإسكان يشهد توقيع "الوطنية للإسكان" 5 مذكرات تفاهم    إطلاق "مانجا إنترناشونال" للأسواق الدولية    النفط يتراجع والذهب في ارتفاع    نائب أمير الرياض يستقبل نائب وزير الحرس الوطني المكلف    طلاب الاحساء يحصدون 173 جائزة لوزارة الثقافة    أكثر من 5.5 مليون عملية إلكترونية عبر «أبشر» في أبريل الماضي    أمير تبوك يستقبل المواطنين في اللقاء الأسبوعي    كفاءات سعودية تتحدث الإندونيسية بجاكرتا    حرس الحدود يحبط تهريب 295 كيلوجرامًا من نبات القات المخدر    استمرار هطول الأمطار على معظم مناطق المملكة    رسميًا.. الاتحاد يعلن رحيل رومارينهو وغروهي    القوات المسلحة تواصل تمرين «الأسد المتأهب 2024»    الاتحاد بطلاً لهوكي الغربية    5 فوائد للمشي اليومي    8 مواجهات في الجولة قبل الأخيرة لدوري" يلو".. " الخلود والعروبة والعربي والعدالة" للمحافظة على آمال الصعود    " كلوب وأليغري ومورينيو" مرشحون لتدريب الاتحاد    زلة الحبيب    وقتك من ذهب    العجب    أمير القصيم يكرم «براعم» القرآن الكريم    علاقة معقدة بين ارتفاع ضغط الدم والصحة النفسية    الحامل و الركود الصفراوي    أخصائية تغذية: وصايا لتجنب التسمم الغذائي في الحج    خرج من «البحر» وهو أصغر بعشر سنوات    القيادة تعزّي دولة رئيس السلطة التنفيذية بالإنابة السيد محمد مخبر في وفاة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي ومرافقيه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تطور السياسة الاقتصادية في المغرب من عهد "المغربة" الى التخصيص
نشر في الحياة يوم 22 - 10 - 1998

حتى مطلع الثمانينات لم يكن الاهتمام بالاستثمار الاجنبي يشكل اولوية لدى الحكومات المغربية المتعاقبة لسبب بسيط هو ان الدولة كانت تقوم مقام الخواص على اغلب قطاعات الانتاج والخدمات.
وشكل ارتفاع اسعار الفوسفات في اواسط السبعينات، عقب حرب اكتوبر العربية - الاسرائيلية زخماً للاقتصاد المغربي الذي حقق في تلك الفترة نمواً بلغ نحو 20 في المئة من الناتج المحلي الاجمالي. توسع في اطاره دور القطاع العام وزاد الانفاق الحكومي ضمن سياسة المشاريع الكبرى التي استهدفت تقوية البنيات التحتية وتطوير الصناعات المحلية والاعتماد على الزراعة كمحرك اساسي للاقتصاد المحلي في اطار سياسة السدود التي خطها المغرب منتصف الستينات.
وساعدت خطة "المغربة" التي طبقت في منتصف السبعينات على استعادة السيطرة على جزء من الشركات والقطاعات الحساسة التي كانت لا تزال في يد المستثمرين الاجانب.
واتجه الاقتصاد المغربي في تلك المرحلة الى سن رسوم جمركية عالية لحماية الصناعات المحلية التي كانت مكلفة وتدار بطريقة غير تجارية والاعتماد على ايرادات الفوسفات والصادرات الزراعية لتغطية الواردات المصنعة والعمل بنظام جديد لقوانين الاستثمار القطاعية تعوض النظام الموحد الذي كان معمولاً به سابقاً.
لكن تلك السياسة التي راهنت على دور القطاع العام والحيطة من الاستثمارات الاجنبية رافقها توسع واضح في الطلب على القروض الاجنبية بفعل الحاجة الى استثمارات ضخمة لمشاريع كبيرة كبناء السدود وتشييد المطارات والموانئ.
وقال صندوق النقد الدولي في تقرير عنوانه "التجربة المغربية" صدر في واشنطن عام 1995 ان المملكة المغربية راهنت في السبعينات على استمرار ارتفاع اسعار المواد الأولية في السوق الدولية ومنها صادرات الفوسفات كما راهنت على تحصيل قروض ميسرة في ظل الفائض المالي الدولي وطفرة النفط في منطقة الشرق الأوسط، ما نتج عنه تراكم ديون المغرب على مدى سنوات لتنتقل من 800 مليون دولار في 1970 الى 2.3 بليون دولار عام 1976 ثم قفزت الى 6.5 بليون دولار في عام 1979. وعند حلول عقد الثمانينات كان اجمالي ديون المغرب الخارجية تفوق 7.6 بليون دولار فيما تراجع الاحتياط النقدي الى نحو شهر من تغطية واردات السلع والخدمات وارتفع عجز الموازنة الى نحو 15 في المئة من اجمالي الناتج القومي اضافة الى تراكم مستحقات الديون غير المسددة وظهور صعوبات في تمويل التجارة الخارجية.
وتضافرت عوامل ساهمت في تعقيد وضعية الاقتصاد المغربي مطلع الثمانينات يمكن ايجازها كالآتي:
- انهيار الاسعار العالمية للفوسفات لا سيما والمغرب يعتبر ثاني البلدان المنتجة للفوسفات لجهة الحجم والأول لجهة التصدير عالمياً.
- تفاقم ازمة المديونية الخارجية الناتجة عن الالتجاء المتزايد للقروض في الأسواق المالية الدولية بشروط مغيرة في أيام وفرة الفائض المالي مطلع السبعينات وارتفاع اسعار الطاقة.
- زيادة اختلالات المالية العمومية الداخلية والخارجية وارتفاع عجز الموازنة وميزان المدفوعات والميزان التجاري.
- بداية ظهور صعوبات اقتصادية ومالية لدى الدول المانحة للقروض واتساع الازمة الاقتصادية العالمية خاصة في دول اميركا اللاتينية او ما اصبح يعرف بالدول المثقلة بالديون.
واعتبر صندوق النقد الدولي ان الازمة العالمية كانت حادة في شكل تراجعت معه عائدات الصادرات الفوسفاتية التي يعتمد عليها المغرب في شكل رئيسي وتقلصت ايرادات الخزانة في وقت واصل المغرب برنامج توسيع النفقات. وهكذا انتقل عجز الموازنة من 3.9 في المئة الى 18.1 في المئة من الناتج المحلي الاجمالي فيما تحول فائض الميزان التجاري الذي كان في حدود 2.5 في المئة من الناتج الاجمالي عام 1974 الى عجز بلغ 14.9 في المئة في عام 1976 اضطرت معه الحكومة المغربية الى الاعتماد على التمويلات الخارجية لسد العجز خاصة من المصارف التجارية. وانعكس الوضع على حجم الاستثمارات العمومية والخدمات التي كانت توفرها مصالح القطاع العام في مجالات التعليم والصحة والرعاية الاجتماعية والتوظيف.
ولمواجهة تلك الازمة عمد المغرب الى اعتماد برنامج لاعادة الاستقرار مدته ثلاث سنوات ابتداء من عام 1978 فزادت اسعار الضرائب والجبايات وتقلصت الاستثمارات العمومية بنحو الثلث وانخفض مستوى النفقات الجارية وبدا الالتجاء الى السوق المالية الداخلية المصارف لتمويل عجز الخزانة ما ساهم في ارتفاع اسعار الفائدة المحلية.
لكن عوامل داخلية وخارجية لم تكن مساعدة لتحقيق اهداف الخطة فاندلعت ازمة النفط الثانية في عام 1979 عقب الثورة الايرانية ما زاد في اعباء الميزان التجاري وصادف المغرب موسماً زراعياً سيئاً نتيجة جفاف قاس اوجد صعوبات اجتماعية حادة تمثلت في الهجرة بأعداد كبيرة من القرى الى المدن وبداية اضرابات عمالية نتيجة جمود الاجور وارتفاع الاسعار التي تأثرت بدورها بتفشي التضخم العالمي.
واعتبر صندوق النقد الدولي ان سياسة تشجيع الاستهلاك عوض الادخار، واستمرار اعتماد الحماية المحلية للصناعات التي كانت تعوض الواردات ساعدت في تأزيم وضعية الاقتصاد المحلي على رغم ان متوسط النمو كان يصل الى نحو أربعة في المئة في السنوات من 1977 و1980 قبل ان يتراجع الناتج الاجمالي الى ناقص 2.8 في المئة عام 1981 بسبب عودة الجفاف وتقلص الانتاج الزراعي واضطرار الرباط الى الاستدانة لسد فجوة النقص الغذائي وبذلك وصلت المديونية الخارجية حدوداً قصوى بلغت 9.7 بليون دولار اصبح معها طلب الجدولة ملحاً وضرورياً من خلال برنامج متفق عليه مع صندوق النقد الدولي.
برنامج التقويم الهيكلي
شرع المغرب في تطبيق برنامج التقويم الهيكلي SAP في صيف 1983 باتفاق مع صندوق النقد الدولي تم توقيعه في العام نفسه بعد ان وصلت ازمة المديونية وعجز الموازنة حالاً من الفاقة المالية عجز معها المغرب على الالتزام بتسديد الديون وتمويل التجارة الخارجية.
والواقع ان المغرب لم ينفرد بهذه الوضعية اذ طالت جل ما يعرف حالياً بالدول الناشئة وخاصة في جنوب شرقي آسيا وأميركا اللاتينية.
واستهدف البرنامج حض الحكومة على استعجال اتخاذ جملة من الاصلاحات المالية والاقتصادية منها:
- تقليص النفقات العمومية
- اصلاح النظام الضريبي
- تحرير التجارة الخارجية ورفع الحماية الجمركية والانفتاح على الواردات
- تراجع دور القطاع العام في الاقتصاد لفائدة القطاع الخاص
- تخفيض قيمة العملة وتصحيح معدلات الصرف
- تسريع وتيرة التخصيص وتشجيع الاستثمارات الاجنبية
وسعت سياسة برنامج التقويم الهيكلي الى اعادة التوازنات المالية والماكرو اقتصادية في المغرب وتحقيق نمو متين ومتواصل عبر تسريع ادماج الاقتصاد المحلي في الاقتصاد العالمي.
الاصلاح الضريبي
سجل الاصلاح الضريبي النقطة الأساسية في برنامج التقويم الهيكلي وقام على اساس حديث لجهة التشريعات والقوانين وتوسيع القاعدة الجبائية وتجميع الأنواع الضريبية كافة في ثلاث صيغ اساسية هي:
- الضريبة على القيمة المضافة
- الضريبة العامة على الدخل
- الضريبة على الشركات
وبدأ تطبيق هذه الاجراءات بعد ان اقرها البرلمان في نيسان ابريل من عام 1986. وزادت مداخيل الدولة الضريبية بنسب تتراوح بين 10 و16 في المئة. وفي يناير كانون الثاني للعام 1989، تم تخصيص ثلث مداخيل الضريبة على القيمة المضافة لفائدة ادارات محلية اوكلت اليها مهمة تنمية البلديات وتجهيز البنيات الأساسية لتحل الجهة المحلية تدريجاً محل الدولة في قطاعات عدة بما فيها الجوانب الاجتماعية مثل النقل والصحة والتعليم على المستوى المحلي.
وبدأ العمل بنظام الادارات المحلية منذ ايلول سبتمبر لعام 1976 في اطار تطوير اللامركزية بتعزيز المحلية. وتشكل الادارات المحلية حالياً نحو 6 في المئة من اجمالي الناتج المحلي وتمثل استثمارات نحو 25 في المئة من اجمالي الاستثمارات العمومية ويشتغل فيها نحو 130 الف من الموظفين.
ومنذ عام 1996، دخلت في برنامج تدبير مفوض لخدمات الماء والكهرباء والتطهير يمنح الشركات الخاصة حق ادارة تلك الخدمات مدة معينة ضمن عقد استغلال وتحصيل الرسوم. وبدأت التجربة في الدار البيضاء مع "ليونيز دي زو" الفرنسية وفي الرباط مع كونسيرتيوم اسباني برتغالي.
اصلاح نظام التجارة الخارجية
كان عجز الميزان التجاري قبل تطبيق برنامج التقويم الهيكلي يمنع تطوير التجارة المغربية بسبب صافي الفارق السالب للمبادلات الذي من شأن الابقاء عليه اعاقة التنمية المحلية وزيادة المديونية الخارجية التي فاقت في منتصف الثمانينات 100 في المئة من اجمالي الناتج المحلي.
والتجأ المغرب الى تحرير التجارة والمبادلات الخارجية على رغم مكامن الضعف التي كانت تتجلى في نقل الاقتصاد المغربي من اقتصاد الكفاية المحلية الى اقتصاد الطلب الخارجي في مناخ اتسم في تلك المرحلة بسيادة التكتلات الاقتصادية واحتدام المنافسة. وكان على الاقتصاد المغربي ان يتأقلم مع تلك التحولات ويستجيب لشروط الجودة في الانتاجية فتم اعتماد تحرير الشؤون المالية الخارجية كإجراء اضافي لتطوير الانتاجية وتوفير المواد الأولية ومواد التجهيز لتحسين الجودة وتنشيط الصادرات على رغم ان جزءاً كبيراً منها كان لا يزال يتكوّن من المنتجات الزراعية والغذائية والنسيج والمنتجات نصف المصنعة.
واعتمد المغرب سياسة تخفيف الأعباء الادارية على المعاملات الاقتصادية والتجارية وتحرير حركة رؤوس الأموال من خلال السماح باعادة تصدير رأس المال والأرباح والغاء سقف الحد الادنى المطلوب لفتح حسابات بالعملة الصعبة. كما تم الغاء الزامية التأشيرة لمكتب الصرف على قرارات الاستيراد بالنسبة لغالبية الواردات. واستمر العمل بنظام اللوائح الى مطلع التسعينات.
وفي عام 1993 عقب التحسن الذي طال الاقتصاد المغربي قام المغرب بتحرير صرف العملة، وجعل الدرهم عملة قابلة للتحويل طبقاً للفصل الثامن من ميثاق صندوق النقد الدولي.
تشجيع الاستثمارات الاجنبية
يعود تاريخ تواجد الاستثمار الاجنبي في المغرب الى مطلع القرن العشرين ولكنه لم يتطور الا بعد الحرب العالمية الثانية وفي فترة توسع رأس مال الشركات المتعددة الجنسيات عندما اعُتبر المغرب "ملاذاً" آمناً لرؤوس الاموال في فترة الحرب الباردة وحرب كوريا مطلع الخمسينات التي ارتبطت بتوسع الاستثمار الاوروبي والاميركي واقامة فروع محلية في المغرب لشركات دولية مثل "كوكاكولا" و"اي. بي. ام" و"سي ان آر" و"جنرال تاير" و"كرايزلر"، و"فيات" و"برلي" و"ايني" و"سيتي بنك" و"اوليفتي" وغيرها.
لكن تلك الاسثمارات تراجعت بعد الاستقلال في عام 1956 وواصلت انكماشها في السبعينات غداة صدور قانون المغربة الذي اعتبر في رأي تلك الشركات اشبه بالتأميم الخاص وهي صفة تعني تحويل الاسهم الاجنبية الى حصص محلية خاصة عبر شركات عمومية على غرار "الشركة الوطنية للاستثمار" و"الشركة الوطنية للمحروقات" اذ انه في عام 1967 لم تبق سوى 38 شركة صناعية اجنبية كبيرة في البلاد من اصل 106 كانت متواجدة الى نهاية الستينات ويعتقد محللون ان حرب 1967 العربية الاسرائيلية لعبت دورها كذلك في خروج شركات اجنبية من المغرب في فترة النزوح اليهودي الجماعي عن البلاد العربية.
وتم الغاء المقتضيات المتعلقة بقانون المغربة مطلع الثمانينات بهدف دعم وانعاش الاستثمار الاجنبي في المغرب واستعادت الشركات الدولية مواقعها التي كانت تملكها من قبل مثلما حدث مطلع التسعينات عندما استعادت شركات النفط العالمية فروعا في المغرب غداة تحرير قطاع المحروقات وتخصيص شركات التوزيع التي ظلت تملك فيها الشركات الدولية حصة 50 في المئة من الاسهم.
ونتيجة ذلك تضاعف حجم الاستثمار الاجنبي ثلاث مرات بين عام 1983 و1986 وبلغ 10.55 بليون درهم عام 1988 ثم انتقل الى 1.921 بليون درهم عام 1990. وفي عام 1993 كان معدل الاستثمار السنوي في المغرب يفوق 500 مليون دولار ليرتفع في عام 1997 الى 1.200 بليون دولار. واحتل المغرب بذلك المرتبة الثانية لجهة الاستثمار الاجنبي في افريقيا بعد دولة جنوب افريقيا ومصر، والثانية متوسطياً وراء تركيا.
مسلسل جدولة الديون
استفاد المغرب من تسهيلات قدمها صندوق النقد الدولي في الفترة ما بين الاعوام 1980 و1993 استجابة لحاجات المملكة في مجال التمويلات الخارجية ومعالجة المديونية وحماية العملة المحلية التي تم تخفيضها مرتين في اطار برنامج التقويم كان آخرها عام 1990.
وقال البنك الدولي ان المغرب عقد تسع اتفاقات تمويلية مع صندوق النقد الدولي ضمن ما يعرف بنظام "ستاند باي" بلغت في مجموعها نحو ثلاثة بلايين من حقوق السحب الخاصة SDR لم يستخدم المغرب منها سوى 1.733 بليون، منها 351 مليون حقوق سحب تمت تحت غطاء تسهيلات المقاطعة المالية.
وتمكن المغرب كذلك من الاستفادة من برامج معالجة الديون التي كان اطلقها وزراء الخزانة الاميركية مثل نيكولاس برادي وجيمس بيكر منتصف الثمانينات لمعالجة ديون 17 من الدول النامية.
وقال تقرير "التنمية في العالم" الذي اصدره البنك الدولي عام 1989 ان المبادرات سببها مخاوف دولية في ان يتسبب عجز تسديد الديون الى افلاسات في المصارف التجارية الدائنة في وقت لم يكن بوسع النظام المالي تجاوز ازمة مديونية دول مثل البرازيل والارجنتين وفنزويلا والمغرب. وقدرت المديونية العالمية عام 1987 بنحو 996 بليون دولاراً منها 260 بليون دولار مستحقة لدول الشرق الاوسط وشمال افريقيا بعد ان لم تكن تلك الديون تتجاوز 134 بليون دولار في عام 1981.
وتمكن المغرب من جدولة ما قيمته 609 بليون دولار من الديون المستحقة لنادي باريس ديون عمومية ونحو 6.7 بليون دولار من الديون المستحقة لنادي لندن للديون الخارجية اي ان حصيلة مسلسل الجدولة الذي امتد من عام 1983 الى 1992 بلغت 13.6 بليون تضاف اليها اعتمادات قدمها البنك الدولي منذ عام 1980 بقيمة 5.4 بليون دولار وكذلك نحو ثلاثة بلايين دولار قامت السعودية بشطبها عقب ازمة الخليج الثانية والاجتياح العراقي للكويت.
ومكنت جدولة الديون من تحقيق مكاسب كبيرة للاقتصاد المغربي اذ تراجعت قيمة الديون قياساً لاجمالي الناتج المحلي من اكثر من 100 في المئة عام 1985 الى دون 70 في المئة في 1993 تاريخ استعادة التسديد، كما تحسنت بقية المؤشرات الاقتصادية وبات للحكومة موارد مالية اضافية ساعدتها على معالجة جزء من المضاعفات التي خلفها تطبيق برنامج التقويم الهيكلي على اعادة تكوين رصيد احتياط لدى البنك المركزي بلغ 4.5 بليون دولار العام الماضي تكفي لستة شهور من وارادت السلع والخدمات مقارنة بشهر واحد من الاحتياطي في نهاية السبعينات.
التقويم الهيكلي
وكان المغرب اول دولة في منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا توقع مع صندوق النقد الدولي برنامجاً للتقويم مطلع الثمانينات في وقت كانت اغلب الدول النامية تنظر بعين الريب الى تلك البرامج . وعلى رغم انه في حال المغرب، لم يحصل اجماع سياسي حول طبيعة العلاقة مع صندوق النقد الدولي الذي تم تحميلة جزءاً من اللوم لجهة الصعوبات التي ولدها تنفيذ البرنامج.
وتم تطبيق برنامج التقويم الاقتصادي في المغرب على ثلاث مراحل هي:
- المرحلة الاولى وانطلقت مع بداية التطبيق عام 1983 وامتدت على عام 1986 مستهدفة وقف تدهور عجز الموازنة من خلال سنة سياسية تقشيفة صارمة لتقليص النفقات الحكومية واعادة تأهيل المؤسسات الانتاجية.
وتميزت هذه المرحلة بتخفيض قيمة العملة المغربية الدرهم بنسبة 23 في المئة لتشجيع الصادرات وتحسين تنافسية المنتجات المغربية في الاسواق الاوروبية، كما قامت الرباط بجدولة نحو 1.257 بليون دولار من الديون الثنائية والتجارية اضافة الى الشروع في اصلاحات بنيوية طالت القوانين والتشريعات ونظام الصرف والتجارة الخارجية.
واعتبر البنك الدولي ان المغرب تمكن في هذه المرحلة من رفع نمو اجمالي الناتج المحلي الى 6.3 في المئة كما تراجع عجز الحساب الجاري للاداءات من 12.5 في المئة الى 6.8 في المئة وتقلص عجز الموازنة من 12.8 في المئة من اجمالي الناتج الى 9.5 في المئة.
لكن الفترة شهدت كذلك ارتفاع معدلات التضخم الى نحو 10 في المئة وانتقال حجم الدين الخارجي الى 110 في المئة من اجمالي الناتج المحلي وتقلصت الاعتمادات الموجهة الى القطاعات الاجتماعية ودعم السلع الاستهلاكية الاساسية.
- المرحلة الثانية من برنامج التقويم الهيكلي انطلقت عام 1987 بعد ان غيّر المغرب قوانين عدة واستعد لاصلاحات اقتصادية ومالية. وخطا المغرب خطوات اسرع في مجال تحرير الاقتصاد في هذه المرحلة من خلال تقليص مراقبة الاسعار تحرير التجارة الداخلية تدريجاً وتحرير المبادلات الخارجية وتقليص الرسوم الجمركية وفتح الاسواق اضافة الى تحديث سوق الرساميل والسياسة الجبائية.
وقال البنك الدولي انه عكس المرحلة الاولى التي تأثر فيها دخل الافراد ومستوى معيشة السكان، بدأت تطبيقات الاصلاح الاقتصادي والمالي تعطي اكلها مع نهاية الثمانينات عندما حقق المغرب نمواً بلغ 10.4 في المئة عام 1988 وهو افضل مستوى للنمو الاقتصادي منذ انهيار سعر الفوسفات في السبعينات، ولولا فترة الجفاف القاسية التي ضربت البلاد في عام 1987 وادت الى تراجع النمو الى ناقص 2.7 في المئة لكان بإمكان المغرب الابقاء على نمو مرتفع على غرار نمو دول جنوب شرق آسيا قبل الازمة المالية الاخيرة في تلك الدول.
ولعبت السياحة وتحويلات المغتربين في الخارج دوراً مهماً في انتعاش الاقتصاد المغربي في تلك الحقبة التي امتدت حتى حرب تحرير الكويت في عام 1991 ودخول العالم مرحلة جديدة بعد انهيار الاتحاد السوفياتي.
زيادة انفاق
تميزت تلك المرحلة بزيادة انفاق الاسر والطلب على العقارات وارتفعت الصادرات بنسبة 11.7 في المئة سنوياً كما تراجع عجز الحساب الجاري الى نحو 1.8 في المئة بعد ان كان في حدود 8.2 في المئة عام 1985.
وقال تقرير البنك الدولي ان الاستهلاك الحقيقي للافراد نما بنسبة 4.5 في المئة سنوياً بين 1987 و1991 وانعكس التحسن على وضعية الادخار والاستثمار التي انتقلت مساهمتها من 20 الى 23 في المئة من اجمالي الناتج القومي.
وارتفع الاستثمار الاجنبي الخاص من 227 مليون دورار الى 775 مليون دولار بنحو ثلاثة في المئة من اجمالي الناتج المحلي.
- المرحلة الثالثة وبدأت مطلع التسعينات مرتبطة ببرنامج التخصيص الذي كان البرلمان صادق على قانونه في عام 1989 وتم تأخير تنفيذه بسبب الازمة في الخليج وتداعيات الاتحاد السوفياتي. ولم يشرع في تطبيق برنامج التخصيص المغربي الا في عام 1993 وشمل بيع 114 شركة عامة تتراوح حصص الدولة فيها بين 10 ومئة في المئة.
وبلغت ايرادات الدولة نحو 2 بليون دولار من بيع نحو 55 شركة من بينها مؤسسات عملاقة مثل "البنك المغربي للتجارة الخارجية" و"الشركة الوطنية للاستثمار" التي تعتبر ثاني اكبر مجموعة اقتصادية وصناعية في المغرب، اضافة الى شركات المحروقات التي عادت بتخصيصها الى اصحابها الاصليين، وشركة "اسمنت الشرق" التي اشترتها "مجموعة هولدينغ بنك" السويسرية ومجموعة "لاسمير والشريفة للنفط" التي تملكها "مجموعة كورال اويل" السعودية اضافة الى تخصيص فنادق سياحية مثل "حياة ريجنسي" في الدار البيضاء الذي اشترته مجموعة استثمارية عربية وفندق "هليتون الرباط" الذي عاد الى ملكية "مجموعة داييو الكورية".
وساهم برنامج التخصيص في شكل حاسم، في زيادة حركة الاستثمارات والتدفقات المالية إلى المغرب، فبعد ان كانت الاستثمارات لا تزيد على 200 مليون دولار نهاية الثمانينات، ارتفعت إلى 500 مليون عام 1993، وإلى 775 مليون في 1995 حتى وصلت إلى 1.2 بليون دولار العام الماضي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.