صعدت إسرائيل لهجة انتقادها لواشنطن على خلفية إعلان الأخيرة أنها ستتعاطى مع حكومة التوافق الفلسطينية، وأدرج مراقبون إعلان وزارة البناء والإسكان أمس بناء 1500 وحدة سكنية جديدة في مستوطنات الضفة الغربيةوالقدس المحتلتين، في إطار «التحدي الإسرائيلي» للولايات المتحدة على خلفية اتهام الدولة العبرية لحليفتها الكبرى بأنها «غدرت بها» وتسببت في «الجرف الدولي من الدعم للحكومة الفلسطينية». وبعد ساعات من الإعلان عن بناء 1500 وحدة استيطانية جديدة، أصدرت الحكومة الإسرائيلية أمراً للمسؤولين بالمضي قدماً في خطط لبناء 1800 وحدة سكنية استيطانية أخرى، وقال مسؤول إسرائيلي لوكالة «فرانس برس» إن «القيادة السياسية أمرت الإدارة المدنية بتقديم 1800 وحدة جديدة». ووفق بيان، فإن استدراج العروض الذي تمت الموافقة عليه لبناء 1500 وحدة جديدة يشمل بناء 223 شقة جديدة في مستوطنة «إفرات»، و484 في «بيتار عيليت»، و38 في «غيفع بنيامين»، و76 في «آرييل»، و78 في «الفيه مناشه»، و155 في «غفعات زئيف» (الضفة الغربية)، و400 شقة جديدة في حي «رامات شلومو» في القدسالشرقيةالمحتلة. «صفعة مدوية لأميركا» ووصف محلل الشؤون السياسية في الإذاعة العامة تشيكو منشي إعلان البناء الجديد «صفعة مدوية للولايات المتحدة توازي الصفعة التي وجهتها الأخيرة لإسرائيل بإعلانها التعاون مع الحكومة الفلسطينية». وأضاف أن «الشجار» المتواصل منذ أيام بين البلدية «يحشر إسرائيل في زاوية غير مريحة أبداً في مواجهتها وحدها المجتمع الدولي، تماماً كما في الملف الإيراني». وكانت أوساط سياسية اعتبرت أن الرد الإسرائيلي الذي أقرته الحكومة المصغرة للشؤون السياسية والأمنية على إعلان قيام حكومة الوحدة بمشاركة حركة «حماس»، جاء «معتدلاً» مسايرةً لواشنطن، وذلك في أعقاب وعد يقول رئيس الحكومة بنيامين نتانياهو إنه تلقاه من وزير الخارجية الأميركي جون كيري بأن واشنطن لن تعلن موقفها من الحكومة الجديدة قبل أن تمر أيام لفحص تشكيلتها وخطوطها العريضة. وأضافت أنه لأجل ذلك رفض نتانياهو اقتراح وزيرين متشددين في حكومته الإعلان عن بناء استيطاني جديد، أو إقرار ضم التكتلات الاستيطانية الكبرى إلى تخوم إسرائيل. وتابع أنه رغم الوعد، إلا أن الرد الأميركي جاء بعد ساعات قليلة على إعلان الحكومة الجديدة، وهو ما اعتبره نتانياهو ووزراء اليمين في حكومته، نكثاً بالوعد، فجاء إعلان وزير البناء والإسكان من حزب «البيت اليهودي» المتطرف أوري آريئيل أمس عن طرح عطاءات لإقامة 1500 وحدة سكنية استيطانية جديدة في مستوطنات القدسوالضفة الغربية المحتلتين. واعتبر آريئيل هذا الإعلان «رداً صهيونياً مناسباً على تأسيس حكومة الإرهاب الفلسطينية»، مضيفاً انه ما تم إقراره قليل جداً ومتأخر جداً، وأنه يجب البناء بشكل اعتيادي في المستوطنات كما في سائر أنحاء إسرائيل: «من حق دولة إسرائيل وواجبها البناء في أرجاء البلاد بداعي خفض أسعار المساكن»، متباهياً بأن جميع الوزراء من دون استثناء يدعمون البناء في القدس، ومنذراً بأن العطاءات الجديدة ليست سوى سوى البداية. ورحب رئيس لجنة الخارجية والأمن البرلمانية زئيف ألكين بقرار البناء، وقال إنه «ليس كافياً، وتجب إزالة كل العثرات التي تعترض البناء والاهتمام بمصلحة إسرائيل وليس بمصلحة الفلسطينيين». ليفني: خطأ إضافي في المقابل، اعتبرت زعيمة «الحركة»، وزيرة القضاء تسيبي ليفني إعلان البناء الجديد «خطأ ديبلوماسياً إضافياً يساهم في إضعاف قدرتنا على تجنيد العالم ضد حماس». كما اعتبر رئيس كتلة حزب «هناك مستقبل» الشريك في الائتلاف الحكومي عوفر شيلح إعلان البناء «استفزازياً وزائداً ومضراً أراده معارضو التسوية الذين يحاولون التخريب على فرص السلام بدعم خاطئ ومؤسف من جانب رئيس الحكومة». وقال زعيم «العمل» المعارض إسحق هرتسوغ إنه يؤيد البناء في مستوطنات القدسوالضفة الغربية الموجودة داخل التكتلات الاستيطانية، «لكن سياسة الحكومة تمنع هذا البناء، وهذا فشل لرئيسها الذي يتسبب في أن يعتبر العالم حي راموت (حي استيطاني) في القدس ومستوطنة يتسهار سيّان... هذه السياسة تقودنا إلى دولة ثنائية القومية». واعتبر النائب من حزبه نحمان شاي إعلان البناء الجديدة تأكيداً على أن «الحكومة ترفض قراءة الواقع المستجد وتترك مصير إسرائيل بيد أقلية متطرفة». وحذرت زعيمة حركة «ميرتس» اليسارية المعارضة زهافه غالؤون، من أن يتسبب البناء الاستيطاني في أن تصبح إسرائيل معزولة ومنبوذة في العالم. السفير الأميركي من جهته أيضاً، انتقد السفير الأميركي في تل أبيب دان شابيرو قرار البناء، وقال إن الولاياتالمتحدة تعارض البناء في المستوطنات وأي إعلان بهذا الشأن، و «هذا الموقف لا علاقة له بالخلاف بيننا على الموقف من الحكومة الفلسطينية الجديدة». وجاء كلامه في سياق مقابلات (بالعبرية) أجرتها معه الإذاعات العبرية بناء لطلبه، كما يبدو، ليرد على الاتهامات الإسرائيلية المتواصلة منذ ثلاثة أيام لواشنطن، وفي مركزها أن الموقف الأميركي مهّد لموقف مماثل من دول مثل الصين وروسيا وفرنسا التي توقعت أوساط إسرائيلية أنها ليست في وارد الإعلان عن دعم الحكومة الفلسطينية، فضلاً عن دعم غالبية دول أوروبا، وترحيب الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون بالحكومة. وشدد السفير على أن بلاده لا تعترف بحركة «حماس» باعتبارها تنظيماً إرهابياً، وقال: «قلنا لإسرائيل بكل وضوح إنه في حال احترمت الحكومة الفلسطينية الجديدة سياسة الرئيس (محمود عباس) أبو مازن، فإننا سنواصل العمل معها... نحن لن تتعامل مع حماس ولن ندعم حكومة تشارك فيها». وأضاف أن واشنطن ستواصل التعاطي مع رئيس الحكومة الفلسطينية رامي حمدالله. ولم يخف السفير استغرابه من الموقف الإسرائيلي بأن تعلن الولاياتالمتحدة عدم تعاملها مع السلطة الفلسطينية في وقت تتعامل إسرائيل معها، وقال: «نحن وإسرائيل توصلنا إلى الاستنتاج ذاته، القاضي بأن ثمة مصلحة لنا بالعمل مع الحكومة الجديدة... وإسرائيل قررت مواصلة العمل في القضايا الأمنية والمدنية مع السلطة الفلسطينية... نحن وإسرائيل ندرك أنه في حال انهارت السلطة الفلسطينية فإن إسرائيل ستتحمل عبء مسؤوليتها عن تصريف شؤون السكان الفلسطينيين، وستخسر من فقدان التنسيق الأمني الذي يوفر لها الهدوء والاستقرار». وكان موظف كبير في البيت الأبيض قال كلاماً مماثلاً، إذ انتقد بشدة «الخط العلني المتشدد» الذي يتبعه مسؤولون كبار في إسرائيل من موقف الولاياتالمتحدة من الحكومة الفلسطينية الجديدة، و»الذي يتناقض جوهرياً وحقيقة تعاطي إسرائيل مع الحكومة الجديدة، إذ مررت يوم الإعلان عن الحكومة الجديدة نحو 150 مليون دولار من العائدات الضريبية الشهرية للسلطة الفلسطينية، فضلاً عن مواصلتها التعاون الأمني المشترك معها». وأضاف أن هذا السلوك يعكس «المصلحة الواضحة لإسرائيل في الحفاظ على السلطة الفلسطينية لتواصل أداءها بشكل مستقر وتدير بنجاعة أمور المناطق الفلسطينية الخاضعة لها». كما نفت الناطقة باسم وزارة الخارجية الأميركية ماري هارف ما تردد عن إجراء اتصالات أميركية سرية مع «حماس»، وقالت إن «الموقف من الحركة لم يتغير». وكان موقع «باز فيد» الأميركي أفاد أن مسؤولين أميركيين أجروا، عبر قنوات اتصال خلفية وسرية، محادثات مع «حماس» خلال الأشهر الستة الماضية للبحث في فرص تشكيل حكومة وحدة ودور الحركة فيها. ونقل الموقع عن مصادر ديبلوماسية قولها إن الاجتماعات تمت بين وسطاء أميركيين (على صلة بالإدارة) وقيادة «حماس» خارج قطاع غزة وفي دول عدة، بينها مصر وقطر والأردن، مضيفة أن المحادثات تناولت اتفاق وقف إطلاق للنار مع إسرائيل وحكومة الوحدة مع حركة «فتح». وتابع أن «حماس أعطت ضمانات أتاحت للولايات المتحدة دعم حكومة الوحدة على رغم الضغوط الكبيرة من إسرائيل لعدم القيام بذلك»، وتشمل «اتفاق وقف إطلاق نار مع إسرائيل». وقال مسؤول أميركي للصحيفة إن «الإدارة الأميركية كانت بحاجة إلى السماع منهم أن حكومة الوحدة ستمضي باتجاه إجراء انتخابات ديموقراطية وحلول سلمية مع المنطقة عموماً». واعتبر أن الإدارة لن تتواصل مع «حماس» مباشرة، إنما «من المهم أن تكون لدينا قناة اتصال». انهيار لنتانياهو واعتبر معلقون إسرائيليون بارزون الأزمة بين تل أبيب وواشنطن «انهياراً سياسياً لنتانياهو وسياسته»، مشيرين إلى أن سياسة رئيس الحكومة تنحصر في معاداة كل من لا يتفق مع إسرائيل، و «يرفض أن يرى حقيقة أن العالم لم يعد يقيم شأناً للسياسة الإسرائيلية فارغة المضمون»، كما كتب المحلل السياسي في «هآرتس» بارك دافيد، مضيفاً أنه كان يجدر بنتانياهو أن يصغي لتوصية خبراء في «معهد أبحاث الأمن القومي» في تل أبيب بأن لا يرى في الحكومة الفلسطينية الجديدة «تهديداً» إنما فرصة لإطلاق عملية سلام حقيقية والمساعدة في إقامة مؤسسات الدولة الفلسطينية.