«كنت يائساً من إمكان الإصلاح، وقادني ذلك اليأس إلى شعور عميق بالاكتئاب، حتى فعلها شباب ال «فايسبوك» في تونس، ثم في مصر وبعدهما في ليبيا». هكذا استهل الروائي المصري صنع الله إبراهيم حديثه خلال حفلة توقيع روايته الجديدة «جليد»، التي أقيمت أخيراً في مكتبة «ألف» في القاهرة. ويذكر أن صاحب روايتي «ذات» و «تلك الرائحة» سبق أن رفض في عام 2003 جائزة ملتقى القاهرة للرواية العربية التي يمنحها المجلس الأعلى المصري للثقافة، على اعتبار أن وراءها «نظاماً فاسداً». وأضاف إبراهيم أنه كان يستخف بهؤلاء الشباب «لأن الفكرة التي كانت موجودة عندي وعند بعض الذين أعرفهم هي أن المتعاملين مع ال «فايسبوك» هم غير مهتمين بالقضايا المهمة ومنشغلون طوال الوقت بأمور سطحية». واستطرد قائلاً: «المفاجأة الكبرى تمثلت في أن الناس استجابوا لدعوات الثورة التي أطلقها الشباب عبر ال «فايسبوك»، وعندما ذهبت إلى ميدان التحرير في قلب القاهرة وجدت زحاماً شديداً، وأكثر شيء استوقفني هو عدم وجود حالة تحرش جنسي واحدة وسط ذلك الزحام». وتابع: «كنت أظن أن خروج تلك الحشود الهائلة سيكون مدمراً، لكنها انفجرت بوعي وتحضر». ولكن هل سيعكس صاحب رواية «العمامة والقبعة» ما حدث في عمل روائي؟ يقول صنع الله إبراهيم، رداً على هذا السؤال: «هذا الأمر قد ينعكس على الكتابة وقد لا ينعكس. فالكتابة فضاء واسع وضخم، والإبداع الأدبي عموماً عملية معقدة ومركبة تتحكم فيها مجموعة من العناصر والعوامل المتداخلة». وعن توقعه لشكل العلاقة بين المثقف والسلطة مستقبلاً، قال : «لا أتصور أنها ستتغير بدرجة كبيرة عن قبل، لأن الامتيازات والمنح والمزايا التي يمكن أن تمنحها السلطة ستظل موجودة، وأيضاً المثقفين الذين يسعون إليها سيظلون موجودين». وفي إشارة إلى الواقعة التي أسماها المصريون «موقعة الجمل» تهكماً من أساليب تصدي السلطة وأنصارها للمتظاهرين في مصر، قال صنع الله إبراهيم: «هناك فجوة شديدة بين عقليتين: عقلية تتعامل مع التكنولوجيا الحديثة بصورها كافة وأخرى تستخدم الحصان والجمل. في هذا اليوم ونتيجة لعمليات الترويع شعرت بالخوف الشديد وكنت أتوقع انتكاس تلك الثورة». واعتبر أن «الثورة لها أهداف أكبر بكثير من تنحي الرئيس، ومن ثم فإن ثورة مصر تعد في بدايتها ولا يزال أمامها الكثير لتنجزه»، مشيراً إلى أن هناك الكثير من «علامات الاستفهام حول المجلس الأعلى للقوات المسلحة في مصر خصوصاً في ما يخص المميزات الهائلة التي يتمتع بها كبار قادة الجيش، إضافة إلى علامة استفهام كبرى في ما يخص طبيعة العلاقة بالولايات المتحدة الأميركية». وحول الجدال في شأن تعديل المادة الثانية من الدستور المصري والتي تنص على أن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيس للتشريع، قال: «أظن أن مصيرها هو الإلغاء. هناك أشياء كثيرة لا بد أن تتغير، إن لم يكن اليوم فمستقبلاً. الأحداث التي مرت بها مصر طوال أيام الثورة أثبتت أن ليس من خصوصيتنا نحن المصريين التمايز الديني». وأكد أنه مع استمرار التظاهرات السلمية حتى تتحقق مطالب الثورة... بعض القائمين على أمر البلد الآن يعتبرون أن التظاهرات تعطل سير الحياة الطبيعية، فلماذا لا يستجيبون لمطالب المتظاهرين». وحول إمكان أن يتولى هو وزارة الثقافة في مصر، قال صنع الله إبراهيم: «هذا غير منطقي. عموماً أنا مع المطالبين بإلغاء وزارة الثقافة، وإطلاق حرية التعبير، وإلغاء الرقابة، لأنني كأديب أشعر طوال الوقت بوجود شخص يجلس فوق كتفي يراقبني وأنا أكتب. لا أرى أي مبرر لوجود الرقابة في شكلها القديم وتكفينا الرقابة المجتمعية فلو أن هناك مسلسلاً ما أو كتاباً ما قدم أفكاراً مشوهة في الشكل الذي قد يستفز الناس فإنهم سينصرفون عنه». وتحدث صاحب «تلك الرائحة» عن فكرة الوطنية وتقدمها على فكرة الدين في الأيام الأخيرة، قائلاً: «تفسير هذا الأمر قد يحتاج إلى باحث اجتماعي ولكن يمكننا القول إنه في الحالة التي يكون الوطن مهدداً أو في حالة من حالات القفز إلى الأمام فإن قضايا الدين والعصبيات تتلاشى تماماً مثلما حدث خلال حرب 1973». ورداً على مداخلة حول فكرة توقف الأدب الذي ينتقد الواقع ويفضح سلبياته بعد ثورة 25 يناير، قال «لا يمكن تصور وجود مجتمع مثالي خالٍ من السلبيات. ستظل هناك التناقضات والاختلافات في الرؤى والأفكار. بالتالي سيظل المجال قائماً للتعبير عن الظاهرة الاجتماعية ككل».