شهدت ينبع في عام 915 هجري تشييد أول سور، وكذلك بناء أول حي أطلق عليه (الصور)، وكانت الإدارات الحكومية القديمة والميناء وسوق ينبع والوكايل هي المواقع القريبة من هذا الحي الذي جاءت تسميته من سور ينبع، ولكن ظل يعرف ب«الصور» حتى وقت قريب. وكانت ينبع تحاط ببوابات عدة، منها باب الحديد والباب الكبير وبوابة السيارات وبوابة صغيرة غرب البلدة، فيما وصف الرحالة ينبع عبر عصور مختلفة بأنها بلدة تقع على شاطئ البحر الأحمر في الجانب الشرقي منه، وتبعد عن المدينةالمنورة بحوالى 225 كيلو متر من الجهة الغربية، وهي مرفأ يسكنه 5 آلاف نسمة، ولها سور محاط تم تجديده في فترات متعددة ويوجد في داخله أكثر من 800 منزل ودكاكين وشونه ومساجد وزوايا وقصر حكومي، في الوقت الذي كانت تتميز اغلب المنازل والبيوتات في ينبع بالرواشين الحجازية، بينما تظهر النقوش والأشكال الهندسية واللمسات البديعة. وخصصت الدور الكبيرة في ينبع آنذاك مقراً لاجتماعات ولقاءات رجالات البلد وأعيانها، وكانت عامرة بالناس يتبادلون ويتحدثون في ما بينهم عن شؤون الحياة والنواحي الاجتماعية بوجه عام، ويستقبلون فيها الضيوف من الأعيان والوجهاء القادمين من مناطق جدةومكةوالمدينة والقصيم والمناطق والدول الأخرى، في حين أزيلت بعض من هذه الدور بحكم توسعة المدينة والتطور العمراني الذي شهدته المنطقة، بينما هناك الكثير من الدور ما زالت موجودة، إذ رمم البعض منها والبعض يحتاج إلى إعادة تأهيل وترميم. ووفقاً للمؤرخ السعودي وابن ينبع الأديب عبدالكريم الخطيب، فإن أشهر الدور في ينبع تتمثل في قصر النيل ويقع في الغرب من الميناء، وهو وقف للحرم النبوي الشريف، إذ أزيل في السبعينات، وهناك دار إبراهيم بن عواد باشا قاضي وقائم مقام ينبع في منتصف القرن ال19، وتقع غرب الميناء وكان يستقبل فيه الحجاج القادمون من المغرب ومصر وفلسطين، وتمت إزالته للاستفادة منه في توسعة الميناء، كما توجد دار قائم مقام ينبع مصطفى الخطيب وتقع في المنطقة التاريخية وكانت هذه الدار استقبلت العديد من الوزراء والأمراء والأعيان القادمون إلى ينبع، كما استقبلت فيها أبناء الشريف حسين شريف مكة، وهم الشريف فيصل ابن الحسين، والشريف عبدالله، والشريف زيد، ونوري السعيد، إبان الثورة العربية 1916، وكان يوجد في أعلى الدار أبراج للحمام الزاجل. كما اشتهرت في ذاك الوقت دار حامد الخطيب التي تقع في حي الرابغي وأزيلت في ما بعد، فضلاً عن دار الشيخ زكي عمر وتقع في الرابغي، إضافة إلى دار آل حادي وتسمى «المنشية»، وتقع جوار باب الحديد، وكانت فندقاً يستقبل فيه الحجاج القادمين من مصر عبر البحر، كما وجدت دار آل الطحلاوي وتقع في ينبع القديمة واستضافت الاقتصاديين المصريين طلعت باشا حرب وأحمد باشا يكن في 1932 عند زيارتهما للحجاز، وأيضاً هناك دار البذيلي وكان يقطنها أمير ينبع حمد العيسى في الخمسينات والستينات هجرية، وجرى إزالتها في ما بعد، كما وجدت أيضاً دار السيد مصطفى سبيه التي تقع غرب بوابة الجمال، وتم فيها استقبال جلالة المؤسس الملك عبدالعزيز رحمه الله خلال زيارته لينبع عام 1945 مصطحباً معه أبناءه من الأمراء، وكان أن استقبل في هذه الدار الملك فاروق الأول ملك مصر السابق في اللقاء الشهير الذي سمي «قمة رضوى» وكان اجتماعاً تاريخيا مهماً بين الملكين. ومن بين تلك الدور دار الأشراف أبو ماء وتقع في حي الخريق، ودار الشيخ محمد بن جبر وتقع في المنطقة التاريخية، وكان يسكنها الخوية التابعون لإمارة ينبع فترة من الزمن، وكذلك دار المبّصر وتقع في المنطقة التاريخية، إلى جانب دار آل مقدم وتقع في المنطقة التاريخية بحي الصور، فضلاً عن دار الشيخ حسن بابطين والتي رممت من قبل هيئة السياحة، وهناك دار الشيخ حسين عبدالرحيم خطيب التي رممت من قبل هيئة السياحة، بجانب دار السيد عبدالله عاشور سبيه وتقع بالغرب من المقبرة، كما وجدت دار محمد عمر سبيه التي يجري ترميمها حالياً من هيئة السياحة، وهناك أيضاً دار موسى محمد الخطيب وتقع في حي الرابغي، واستقبلت فيها العديد من أعيان جدة وأعيان وادي الصفراء، إضافة إلى دار محمد أحمد الصعيدي، وتقع في حي الخريق، وكانت بيتاً عامراً في استقبال العديد من أدباء وأعيان الحجاز. واحتضنت ينبع في السابق منزل لورنس العرب كما هو معروف بهذا الاسم، الذي قطن فيه لورنس فترة من الزمن إبان الثورة العربية في العهد العثماني عام 1916، وتعود الدار لأحد الأسر في ينبع وما زال المنزل موجوداً ويحتاج إلى ترميم، إلى جانب دار علي حسين زارع وتقع في حي الصور بجوار بيت عبدالله عاشور، وهناك أيضاً دار الجبرتي وتقع في حي الصور وتم ترميمها من هيئة السياحة منذ فترة، وأصبحت الآن مقراً للهيئة العامة للسياحة والتراث العمراني، فضلاً عن بيت آل درويش ويقع بالمنطقة التاريخية، الذي تم ترميمه أخيراً من الهيئة العامة للسياحة، بجانب بيت الزمعي ويقع شمال شرقي المنطقة التاريخية، إذ تمت إعادة ترميمه بمبادرة من أبناء آل الزمعي، والوقوف شخصياً على إعادة إعمار هذه الدار من عميد الأسرة الشيخ عواد بن حامد الزمعي. وتشتهر ينبع أيضاً بالمباني القديمة ومن أقدمها «الشونة»، وهي مخزن للمواد الغذائية تابعة للحكومة، وهناك «الزيتية» وهو مبنى لتخزين الوقود لمركبات البريد، إلى جانب «مخزن الأسلحة» وهو مبنى مرتبط بقلاع ينبع ويقع في حي المنجارة، إضافة إلى «سوق الليل» وهو سوق قديم مبنى من الطين أمام الميناء، فضلاً عن «مبخرة الحجر الصحي»، وهي عبارة عن خزان يستخدم لتعقيم أمتعة الحجاج قبل دخولهم إلى ميناء ينبع ويقع المبنى في جزيرة العباسي جنوب ميناء ينبع. «السياحة» : تطوير الحي التاريخي نجح أكد مدير فرع الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني بينبع سامر العنيني ل«الحياة» أن تطوير الحي التاريخي بمدينة ينبع وإعادة تأهيله وترميمه هو مشروع توليه الهيئة اهتماماً كبيراً، وتهدف من خلاله إلى إعادة إحياء تراث ينبع، ولتكون المنطقة التاريخية مدرسة للتراث نعلم من خلالها أبناءنا وأجيال المستقبل كيف كانت حياة أجدادهم، ولتكون معلماً سياحياً ومقصداً للزائرين، إلى جانب الأهداف الاقتصادية والاجتماعية بتوفير فرص العمل للشباب والأسر المنتجة ولتكون بوابتهم لدخول سوق العمل، مشيداً بتجاوب الأهالي في هذا الجانب الذي يعكس تفهمهم للمشروع وأهميته. ونوه بتفويضهم لهيئة السياحة في المحافظة على هذه الدور وتطويرها والعناية بها، مشيراً إلى أن المرحلة الأولى من تطوير المنطقة التاريخية شهدت نجاحاً كبيراً وأصبحت معلماً بارزاً على مستوى الوطن. ولفت إلى أن هنالك الكثير من المنازل التي ستتم إعادة تأهيلها تدريجياً، مبيناً أنه بحسب الخطة المعدة لهذا المشروع، فإن المنطقة التاريخية ستبقى وجهة سياحية متفردة على مستوى المملكة، وبشكل أكبر بعد اكتمال مراحله كافة.