رئيس الوزراء السوداني يزور المسجد النبوي    انتهاء فترة تطبيق قرار حظر العمل تحت أشعة الشمس    وزير المالية يفتتح أعمال مؤتمر موني 20/20 الشرق الأوسط بالرياض    الجمعية السعودية الخيرية لمرض الزهايمر تشارك في الملتقى السنوي للهيئة العامة للولاية على أموال القاصرين    المملكة تتصدر دول العالم بالمياه المحلاة بإنتاج تجاوز 3 مليار سنوياً    توازن السوق العقاري السعودي    بناء على توجيه الملك.. ⁧‫ولي العهد يغادر إلى قطر للمشاركة بالقمة العربية الإسلامية    القيادة تهنئ رئيس جمهورية كوستاريكا بذكرى استقلال بلاده    فرص عقارية مميزة شمال الرياض بمزاد عبق الرياض العلني الهجين    جدة تستضيف مؤتمر ومعرض المكتبات المتخصصة 2025 غدًا    السعودية تختتم مشاركتها في الجامبوري العالمي بإندونيسيا    وفد من ديوان المظالم يشارك في المؤتمر الدولي الثاني للتدريب القضائي    سفيرة المملكة لدى الولايات المتحدة تزور الملحقية العسكرية السعودية في واشنطن    خرق مسيّرة أجواء رومانيا هو "استفزاز" أوكراني    مؤتمر حائل لأمراض القلب : منصة علمية لتعزيز التقدم الطبي في أمراض القلب .    "غراء عظمي".. ابتكار صيني لعلاج الكسور في 3 دقائق    أمانة القصيم تنجز مشروع مضمار بطول 800 متر في الظاهرية    من جاكرتا.. أضواء الخير وتكامل الصحية يختتمان رحلة عطاء ملهمة    الوفد الكشفي السعودي يزور الحديقة النباتية في بوجور ضمن فعاليات الجامبوري العالمي    النفط يحافظ على مكاسبه    كوريا الشمالية ترفض مطالبة الولايات المتحدة بنزع أسلحتها النووية    أمير الشمالية يستقبل قائد لواء الملك عبدالله الآلي بالحرس الوطني    الزميل سعود العتيبي في ذمة الله    جلوي بن عبدالعزيز: المهرجانات الصيفية تصنع روح المنافسة    تحت رعاية ولي العهد.. وزير الثقافة يُتوّج الفائزين بالجوائز الثقافية الوطنية    مجمع الملك سلمان العالمي يفوز بجائزة الشارقة    الطائف تمثل المملكة في «شبكة المدن المبدعة» ب«ليوبليانا»    المفتي يستقبل مدير عام الدفاع المدني    الأهلي يبدأ رحلة الحفاظ على اللقب الآسيوي بملاقاة ناساف    هالاند يقود سيتي لسحق اليونايتد    هروب عريس قبل ساعات من زواجه    تعطل «حضوري» يؤثر على التوثيق الإلكتروني    رباعية الأخدود والفتح جرس إنذار.. هشاشة الدفاع تؤرق «لوران بلان»    2.7 مليار تداولات السوق    تحضيري «الدوحة» يناقش مشروع قرار موحد.. تضامن عربي وإسلامي لمواجهة العدوان الإسرائيلي    إسرائيل تصعد عملياتها في القطاع.. قصف مكثف ونزوح جماعي من غزة    «حين يكتب الحب».. فيلم في الطريق    مسيرات الدعم السريع تستهدف مواقع حيوية    المفتي يستعرض جهود وأعمال الدفاع المدني    مفتي عام المملكة يستقبل مدير عام الدفاع المدني    تغلب على ضمك بثنائية.. نيوم يحقق فوزاً تاريخياً في دوري المحترفين    في انطلاقة دوري أبطال آسيا للنخبة.. الأهلي يستهل حملة الدفاع عن اللقب بمواجهة ناساف    جهود متواصلة لتعزيز الرعاية العاجلة.. تدريب 434 ألفاً على الإسعافات الأولية    «الغذاء»: 24 ألف بلاغ عن أعراض«الأدوية»    بدء تقديم لقاح الإنفلونزا الموسمية    من جازان إلى العالم: إنجاز إسعافي يدخل غينيس    تشكيل الهلال المتوقع أمام الدحيل    الجيش اللبناني يتسلّم دفعة من أسلحة المخيمات الفلسطينية    بعد ضرب قطر: ترمب مخدوع أو متواطئ    تصاعد الهجمات يفاقم التوتر بين روسيا وأوكرانيا    من المسارح البريئة يدق ناقوس الخطر    كلمات ولي العهد تسطر بمداد من مسك    نائب أمير الشرقية يعزي أسرة الزامل    شغف الموروث    مثقفون وإعلاميون يحتفون بالسريحي وبروايته الجداوية    في رثاء عبدالعزيز أبو ملحه    الإرث بين الحق والتحدي    خطاب يستحضر التاريخ: السعودية ونهضة عالمية برؤية 2030    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تحليل إقتصادي - البطالة في تونس ومضاعفات المماطلة في معالجتها
نشر في الحياة يوم 27 - 12 - 2010

يُقدَّم الاقتصاد التونسي عادة كنموذج للنجاعة والفعالية في العالم العربي. ويعزِّز الكثير من التصنيفات الدولية هذه الصورة، إذ تتصدّر تونس قائمة الدول العربية غير النفطية في مجالات التنمية البشرية والتنافسية، والجاهزية التكنولوجية.
إلا أن النمو الاقتصادي في تونس بدأ يفقد بعضاً من زخمه خلال العقد الأخير، وأبدت الحكومة عجزها في وضع السياسات الكفيلة بخلق ما يكفي من الوظائف لامتصاص الأعداد الوافدة إلى سوق الشغل، ولا سيما الشباب الحاصل على الشهادات العليا. وتُعَدّ تونس من الدول العربية التي تشهد أعلى مستويات من البطالة. فالأرقام الرسمية تشير إلى أن نسبتها تتجاوز 14 في المئة على المستوى الوطني و30 في المئة في أوساط الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و29 سنة. ولم تعرف هذه النسب أي تحسّن على مدى السنوات الخمس الماضية على رغم الوعود المتكرّرة التي يردّدها الإعلام الرسمي.
فالكثير من أصحاب الشهادات، وبعد أن يئسوا تماماً من الحصول على وظيفة تتناسب مع مؤهلاتهم، لم يجدوا مخرجاً سوى إطلاق مشاريع صغيرة في القطاع غير النظامي، ليست أكثر من وسيلة بالكاد تغنيهم عن طلب المساعدة لعائلاتهم. أما بعضهم الآخر فاختار الهجرة إلى دول أخرى، إما رسمياً أو في إطار الهجرة غير الشرعية.
وقد وصل مستوى اليأس والإحباط إلى ذروته لدى الكثير من الشباب، فارتفعت معدلات محاولات الانتحار، ومنها حالات عدة لشباب أضرموا النار في أجسادهم في أماكن عامة من أجل لفت انتباه المسؤولين إلى فداحة أوضاعهم النفسية والاجتماعية.
وخلافاً لما تردّد في الأوساط الرسمية التونسية، فإن هذه الحالات ليست معزولة ولا استثنائية، بل تعبّر عن إحساس عميق لدى فئات عريضة من الشباب بانسداد الآفاق والتقلّص الشديد لفرص التوظيف والعيش الكريم المُتاحة لهم. وإذا كان الجيل السابق من التونسيين قايض حرية التعبير بوظائف تضمن له مستوى مقبولاً للعيش، فإن الجيل الحالي يواجه الحرمان من الجوانب كافة. فمساحة الحريات وإمكانات الممارسة المستقلة للنشاط السياسي مُنعَدِمة، كما أن آفاق التوظيف والعيش الكريم غير متوافرة.
ويشكو نمط النمو في تونس من التخصّص المُفرَط والاعتماد الكبير على سوق واحدة وهي الاتحاد الأوروبي. إضافة الى ذلك، أرست تونس استراتيجية نموها على القطاعات المنخفضة المهارة التي تعتمد على اليد العاملة الرخيصة، مثل المنسوجات وصناعة الملابس، والسياحة المُوجَّهة لذوي الدخل المتوسط والضعيف من الأوروبيين. وهذه القطاعات في مجملها لا توفّر فرص عمل كافيةً للوافدين إلى سوق العمل مِمِّن هم على درجة عالية من التعليم.
صحيح أن مستوى التعليم سجّل تحسّناً كبيراً خلال العقدين الماضيين، بيد أن هذا التحسّن لم يقابله تغيير مماثل في الطلب على اليد العاملة. فعلى مدى العقد الماضي، كان متوسط معدل النمو السنوي للقوى العاملة التونسية في مرحلة ما بعد التعليم الثانوي أكثر من 9 في المئة، مقارنةً بمعدل نمو سلبي قدره 2 في المئة للذين لا يتوفّر لهم أي نوع من التعليم. ونتيجةً لذلك، فإن حصة الباحثين عن العمل من ذوي التعليم العالي ارتفعت من ‌20 في المئة عام 2000 إلى أكثر من 55 في المئة بحلول نهاية عام 2009. ولم يترافق هذا التغيير الجوهري في مؤهلات الداخلين الجدد إلى سوق العمل في تونس مع تطوّر مماثل في الطلب على اليد العاملة. وفي شكل عام، استمرّت القطاعات ذاتها في توليد فرص العمل.
وعلى رغم أن الخطة الوطنية الحادية عشرة للتنمية 2007-2010 تهدف إلى تحويل الاقتصاد إلى الأنشطة ذات القيمة المضافة المرتفعة، والتي تحتاج إلى معرفة كثيفة، إلا أن الحكومة لم تستطع حتى الآن تحويل هذه النية إلى واقع، على نحو فعّال.
إضافة الى ذلك، لا تزال بيئة الأعمال في تونس تتّسم بضعف حماية المستثمرين، بخاصة المحليين، بسبب غياب الشفافية ودولة القانون. كما أن المؤسسات الصغيرة والمتوسطة تعاني من محدودية فرص الحصول على تمويل. وكلا العاملين يحدّان من روح المبادرة ويقيّدان استثمارات القطاع الخاص، ما يعود سلباً على عملية خلق الوظائف.
تنفق تونس ما يعادل واحداً في المئة من ناتجها المحلي الإجمالي كل عام على سياسات سوق العمل، وهو مبلغ مماثل لمتوسط موازنة الاتحاد الأوروبي للغرض ذاته. وبسبب معايير الأهلية المُقيِّدة، لا يستفيد من هذه البرامج إلا شريحة ضئيلة من القوى العاملة، إذ تشير التقديرات إلى أن نسبة 25 في المئة فقط من العاطلين من العمل يستفيدون من هذه البرامج. ونتيجةً لذلك، فإن متوسط المبلغ الذي ينفق على كل مستفيد، مرتفع جداً، ويتسبّب في الإجحاف وعدم المساواة في حقّ الفئات غير المؤهَّلة للاستفادة من هذه البرامج.
لذا ينبغي على تونس أن تصمّم حوافز كافية لتوجيه الموارد نحو القطاعات والصناعات التي تحتاج إلى معرفة كثيفة، وتشع على الابتكار التكنولوجي، وتتغلّب على نقاط الضعف في مناخ الأعمال والإدارة. فالعائد على الاستثمار في التعليم، وهو قطاع رئيس في النموذج الاجتماعي في تونس، يهدر على الصعيدين الفردي والجماعي بسبب غياب رؤية استراتيجية لمسار النمو يدعم قدرة الاقتصاد في استيعاب رأس المال البشري المُتاح.
ختاماً، لا يمكن اختزال التنمية في تقليص مستويات الفقر وتوفير فرص العمل، فالأهمّ من ذلك تمتع الأفراد بحيّز كافٍ من الحرية للتعبير عن آرائهم، والمشاركة الفعلية في الحياة العامة لوطنهم. وبالاعتماد على هذا البعد فالأكيد هو أن التجربة التونسية ليست نموذجاً. وبالإمكان التوفيق بين الفعالية الاقتصادية وتوفير مجال واسع للحريات والممارسة الديموقراطية. هذا ليس ممكناً وحسب، بل مطلوب بإلحاح أيضاً، وسيكون عاملاً مُساعِداً لإطلاق المبادرات الفردية والجماعية ودمج الطاقات البشرية المُتاحة من أجل تحقيق التنمية الحقيقية.
* خبير اقتصادي في مركز كارنيغي للشرق الأوسط في بيروت.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.