إي اف جي هيرميس تنجح في إتمام خدماتها الاستشارية لصفقة الطرح العام الأولي لمجموعة «فقيه للرعاية الصحية»،    استشهاد 86 فلسطينياً في قصف للاحتلال الإسرائيلي على وسط غزة    هجوم إلكتروني يستهدف حسابات بارزة على تيك توك    هجوم مسلح على السفارة الأمريكية في بيروت    القيادة تهنئ ملك مملكة الدنمارك بمناسبة ذكرى يوم الدستور لبلاده    الأمن الأردني يحبط تهريب تهريب 9.5 ملايين حبة مخدرة متجهة للمملكة    5.5 مليار لتطوير مشروع عقاري شمال الرياض    استمرار توافد ضيوف الرحمن إلى مطار الملك عبدالعزيز بجدة    الجامعة العربية تطالب بضرورة الوقف الفوري والدائم للعدوان الإسرائيلي على غزة    صندوق الاستثمارات العامة يعلن تسعيراً ناجحاً لأول عرض سندات بالجنيه الإسترليني    رونالدو بحاجة لتمريرتين حاسمتين ليعادل الرقم القياسي للاعب الأكثر صناعة للأهداف    النفط يتراجع لليوم السادس والذهب يرتفع    المحكمة العليا تدعو إلى تحري رؤية هلال شهر ذي الحجة مساء غدٍ الخميس    إعادة النظر لحاجّة تركية بمكة    التقنيات الحديثة في مبادرة "طريق مكة" تٌسهم في تحسين تجربة حجاج المغرب    «نمّور» يلهم الشباب والأطفال بأهمية الحفاظ على البيئة    «الأرصاد»: طقس مكة والمشاعر في الحج حار إلى شديد الحرارة    النسخة5 من برنامج "جسور" لتأهيل المبتعثين بالولايات المتحدة    الملحقية الثقافية بواشنطن تستعرض برنامج "أدرس في السعودية"    ارتفاع درجات الحرارة العظمى في 3 مناطق    حشد عربي لمواجهة التصحر وتحدياته بالمنطقة    الدوسري يشارك في المران الجماعي ل"الأخضر"    أمير تبوك يطلع على سير الاختبارات بالمنطقة    الإسباني "هييرو" يتولى منصب المدير الرياضي في النصر    تستمر 3 أيام.. والرزيزاء: احتفالنا ليس للصعود    نسرين طافش: «النسويات» قاصرات منافقات.. ونوايا خبيثة !    أمير الباحة ل«التعليم»: هيئوا وسائل الراحة للطلاب والطالبات    «أندرويد» يسمح بتعديل الرسائل    اتفاقية تعاون وصناعات دفاعية بين المملكة والبرازيل    خلال ترؤسه جلسة مجلس الوزراء عبر الاتصال المرئي.. خادم الحرمين: المملكة تعتز قيادةً وشعباً بخدمة الحرمين الشريفين وقاصديهما    السعودية واحة فريدة للأمن والأمان ( 1 2 )    أشاد بدعم القيادة للمشاريع التنموية.. أمير الشرقية يدشن مشروعي تطوير بجسر الملك فهد    صدق أرسطو وكذب مسيلمة    الحسيني وحصاد السنين في الصحافة والتربية "2"    دعم رواد الأعمال في الطائف    الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف بمنفذ الوديعة الحدودي    انطلاقة مشرقة لتعليم عسكري احترافي.. الأمير خالد بن سلمان يدشن جامعة الدفاع الوطني    تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين.. مؤتمر دولي عن البرنامج السعودي للتوائم الملتصقة    ناصحاً الحجاج.. استشاري: استخدموا الشمسية خلال التنقل في المشاعر    تخصيص منزل لأبناء متوفية بالسرطان    «لا تضيّقها وهي واسعة» !    عالم عطور الشرق !    كيف يمكننا أن نتخذ قراراتنا بموضوعية؟    من أعلام جازان… فضيلة الشيخ الدكتور علي بن محمد الفقيهي    انتخابات أمريكية غير تقليدية    الملك يطمئن على ترتيبات الحج ويؤكد اعتزاز المملكة بخدمة الحرمين    وزير الشؤون الإسلامية يناقش تهيئة المساجد ومتابعة احتياجاتها    تعزيز مبادرة أنسنة الخدمات بتوفير مصاحف «برايل» لذوي الهمم من ضيوف الرحمن    جمعية تعظيم تطلق مبادرة تعطير مساجد المشاعر المقدسة    البرازيل تستعرض أغلى بقرة في العالم    أوتافيو خارج قائمة البرتغال    قصة «خالد مسعد» لم تنتهِ بعد!    بعد انتشار قطع ملوثة دعوة لغسل الملابس قبل الارتداء    %8 استشارات أطباء التخصص العام    أمير تبوك يشيد بجهود المتطوعين لخدمة الحجاج    أمير نجران يُثمِّن جاهزية التعليم للاختبارات    أمير تبوك يستعرض الجهود والإمكانيات لخدمة ضيوف الرحمن    رئيس هيئة الأركان العامة : جامعة الدفاع الوطني تؤسس لمرحلة جديدة وانطلاقة مشرقة لمستقبل تعليمي عسكري احترافي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قصة - السراي
نشر في الحياة يوم 21 - 12 - 2010

استلقيت بجلبابي القديم تحت ظل البنسيانا الكبيرة ذات الورود الحمراء في الحديقة، فلم أعرف إن كنت في حكاية من حكايات أبي أم أنني دخلت هنا بالفعل، كنت قد استمتعت بالسير حافياً على رخام نظيف، وصعود إحدى عشرة سُلّمة وهبوطها، تفضي إلى بهو فسيح يعلو دورا مدفونا فيه مطبخ تفوح منه رائحة التقلية وزفارة السمك وجراج لسيارتين وحجرة للحارس بحمام صغير. انتظرت أنا المستلقي ما زلت في ظل البنسيانا الضخمة أن تنفتح شبابيك الفيلا العلوية الزرقاء وتزاح الستائر وتطل الهانم في نسمات الصباح وزوجها الباشا، يشيران إلىّ فأقرأ القرآن، هما اللذان لا ينجبان، فيفرحان بي أنا الولد الريفي هادئ الطباع الذي أحفظ سبعة وعشرين جزءا من القرآن حتى آخر سورة فُصّلَتْ وأؤدي الصلوات ولا أفعل الخطيئة، يطلان من الشرفة العليا ويناديان الحارس لإحضاري بينهما لنتناول الفطور ويسمحان لي بحضور جلساتهما الموسيقية في الحديقة المزينة بلمبات النيون المثبتة على أفرع الشجر، لأستمتع بالمواويل ومطالع الأغنيات بينما قريتنا في الجانب الآخر للترعة تغطس في ليل دامس، لا تضيئه سوى لمبات الجاز الصغيرة.
أفقتُ على ألم في جسمي كضرب مبرح وعلامتين في خدي صنعهما سيخا حديد البوابة، وكان الحارس قد انتزعني من حديد البوابة وصرخ في فزع حين لم أشعر بكل هذا الضرب إلا كلسع ذباب أسفل شجرة الحور بساحة سيدي عبد الله. كنت مشغولا وخدي ملتصق بحديد البوابة إن كان الفقراء سيدخلون الجنة بالفعل كما قال أبي قبل الأغنياء بنصف يوم وهو ما يعادل خمسمئة سنة. لم أبْكِ إلا بعد أن جذبني الحارس وهو يصرخ فزعاً، يتحسس أماكن الضرب في جسدي، بكيت فيما كان يربت ظهري أسفل البنسيانا في الحديقة متحسرا وداعيا على يده قبل أن تمتد نحوي: «تنقطع إيدي.. ما بحسبش انت.. ما يجيش الضرب ده إلا فيك ؟».
تحسس علامات الضرب في ظهري فعاد ولام نفسه، وظنني ولدا آخر يعبث بالبوابة، ونسي أن أمي قد أوصته بأن يحنن قلب الباشا لأقرأ مكان أبي. كان الباشا لا ينجب، يقيم في القاهرة ولا يجيء والهانم إلا في الأخمسة والجمع والأجازات، باشا أحمر الوجه تشي تجاعيد وجهه ورقبته بالعراقة والأصل. كانت السراية واسعة وصامتة يجلجل فيها صوت أبي، تنتشر أطقم الكراسي والصالونات في البهو الكبير بجدرانه المطلية بالأبيض الناصع ومائدة الطعام المستديرة عليها مفرش أبيض، فيما فردت على الشبابيك الخضراء المفتوحة ستائر ملونة، توشك زهور البنسيانا بأفرعها الكثيفة أن تدخل وتصل أعراف الورد البلدي لجلسات الشبابيك. في البهو تماثيل صغيرة ودمى وأوان وفازات منقوشة، فيما يؤدي السلم الداخلي بشكل مروحة إلى حجرة وحيدة بشرفة تقترب من مساحة الحجرة، مسقفة باللبلاب والعنب، تفتح شبابيكها في الجهات الأربع، بها سرير واحد مُرتَّب يكفي بالكاد لاثنين، على الكومودينو دبٌّ قطني وعروسة محلولة الشعر توشك أن تنطق ودولاب صغير من ثلاث ضلف، ومشجب خشبي واقف عليه معطف الباشا وملابسه المنزلية. أدهشني أن السراية على اتساعها ليس بها سوى غرفة نوم بسرير واحد. مال عليه الحارس وقال:
«الواد ده بن الشيخ عبد الفتاح اللي كان بيقرا هنا.. جاي يقرا مكان أبوه.
قال الباشا بنبرة غضب:
ومجاش ليه الشيخ عبد الفتاح؟
فمال أكثر على أذنه وقال في همس:
ربنا يديك طولة العمر يا باشا ... مات تاني يوم ما كان بيقرا هنا الأسبوع اللي فات.
كانت النظرة المستعطفة في عينيه أشبه بنظرة مدرس الدين إلى صاحب المصنع، فهل كان أبي مريضاً إلى هذا الحد الذي تيقَّنَ الجميع من عدم شفائه، فعرض شيخ الكُتَّاب الزواج من أمي قبل أن يموت أبى، وردَّ الحكيمباشي الكشف لها لتشتري به لحماً للعيال وأشار نحونا دون أن يكتب علاجا، وأضافني مدرس الدين لكشف اليتامى وهو يدفعني للصندوق الخلفي للسيارة الذاهبة إلى المدينة، وحين توقفت السيارة أمام مصنع الأحذية، امتعض صاحب المصنع وقال:
«بس احنا متفقين على عشرة ودول حداشر»
«ربنا يديك طولة العمر.. الولد الحداشر أبوه لسه ميت من أسبوع».
صمت صاحب المصنع، فرفع مدرس الدين يديه بمحاذاة رأسه ممتناً ومنحنياً، والتفت نحونا وعيونه مغرورقة وأشار بصحيفته المطوية فدخلنا المصنع الكبير.
احتضن كل منا حذاءه ونحن نستقبل الهواء البارد بصدورنا في الصندوق الخلفي للسيارة فيما كان مدرس الدين مبتسما ينبهنا من الكابينة:
«افرحوا يا ولاد.. بس خدوا بالكم حد يقع.. ربنا يستر».
ولم أستطع أن أفرح بالحذاء لأن أبي مات في اليوم التالي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.