اجتاحت الأمطار خيم النازحين في الخازر، شرق الموصل، بعد ليلة من الأمطار الغزيرة. في الصباح، غرق سكان الخيم لدى خروجهم منها في الوحول وبرك المياه. ويقول عبد الواحد محمود (35 عاماً)، وهو يضع الطين على أطراف خيمته لمنع تسرب المياه اليها: «دخل علينا المطر خلال الليل. وفي الصباح وجدنا الحصر غارقة». وحفر عدد من سكان المخيم قنوات صغيرة حول خيمهم لاحتواء مياه الأمطار تفادياً لتكرار ما حصل ليلاً، في ظل تقارير عن استمرار العاصفة أياماً. وكان عبد الواحد يجمع الطين بيديه ويتأكد من وجود كمية كافية منه من كل جهات الخيمة. ويشير بيديه الى القناة من حوله، ويقول «هذه الساقية ستجمع الأمطار، من دونها ستدخل المياه مباشرة الى الخيمة» مرة أخرى. وكأنهم لا تكفيهم المأساة التي هجرتهم من منازلهم نتيجة المعارك بين القوات الحكومية العراقية الساعية الى إنقاذ منطقة الموصل من قبضة «داعش»، إذ يبدو الشتاء عدواً آخر قاسياً في انتظارهم. ويضيف عبد الواحد: «سيكون الشتاء طويلاً وقاسياً، الطقس في هذه المنطقة أصعب بكثير من الموصل (...) سنتعذب في كل مرة تتساقط الأمطار». ويحمل عبد الهادي معولاً بيده ويتوجه الى الجهة الأخرى من الخيمة، ويحاول تعميق القناة. وفور مشاهدته صحافيين، سارع رجل مسن لف رأسه بكوفية حمراء وبيضاء الى القول: «تعالوا تعالوا وخذوا الصور، بحيرات من المياه أمام الخيم. المياه دخلت الى خيمنا». ويبدو الأطفال وحدهم فرحين ببرك المياه غير آبهين بالبرد أو الوحل الذي غطى أحذيتهم، حتى أن بعضهم اكتفى باحتذاء نعال بلاستيكية. وطوى البعض منهم أطراف سراويلهم، ركضوا وقفزوا في المياه وعلى الطرق الترابية الموحلة بين الخيم، حيث كان في الإمكان أيضاً رؤية ملابس نشرت على حبال لكي تجف. وتخرج سمر لافي، في الثلاثينات من العمر، واضعة على رأسها حجاباً أسود، وتشير الى القناة القريبة منها قائلة: «علّ المطر لا يدخل الى الخيمة». وتضيف المرأة السمراء باللهجة العامية العراقية: «تبهدلنا (...) برد شديد ولا نشغل التدفئة. نفضل أن نستخدم الوقود الذي استلمناه للطبخ». ونزح أكثر من 70 ألف شخص منذ بدأت القوات العراقية عمليتها لاستعادة الموصل في 17 تشرين الأول (أكتوبر). وتعيش غالبية النازحين في مخيمات تزداد قدراتها الاستيعابية يومياً. ويضم مخيم الخازر وحده، وفق الأممالمتحدة، حوالى 29 الف شخص. ويقول مدير المخيم، من مؤسسة بارزاني، بدر الدين نجم الدين: «البارحة كانت الأمطار غزيرة، ولاحظنا ما نتج منها من طين ودخول المياه الى بعض الخيم، وسنحاول أن نعالج ما رأيناه خلال الأيام المقبلة (...) بموجب طاقاتنا وإمكاناتنا». وتؤكد الأممالمتحدة أنها تسعى إلى تحسين ظروف النازحين مع حلول شتاء عادة ما يكون قاسياً، فتتدنى درجات الحرارة إلى أقل من الصفر مصحوبة بأمطار غزيرة وأحياناً ثلوج. ويلتفت وضاح عبد الهادي (28 عاماً) النازح من مدينة الموصل، حوله، ويشير بيده الى الخيم ويقول: «انظروا حولكم تعرفوا الواقع الذي نعيش فيه». ويعرب عن أمله في أن يعبّد المسؤولون الطرق الرئيسية على الأقل في المخيم. ويقول ان النازحين الذين يعيشون في خيم بعيدة عن مدخل المخيم يحتاجون الى قطع مسافة تتجاوز الكيلومتر للوصول الى حيث يتم توزيع الوقود وحيث السوق. في الوقت نفسه، كان بعض من سكان المخيم يمر في الممرات الموحلة، وقد لف بعضهم حذاءه بكيس بلاستيكي، وحمل البعض الآخر أوعية محملة بالوقود والمياه وزعتها إدارة المخيم، بينما كان يحاول آخرون دفع عربات خشبية ينقلون عليها حاجياتهم. ويقول عبد الهادي الذي وضع على رأسه قبعة صوفية: «هناك ناس خيمهم بعيدة عن مكان توزيع الحاجات والسوق، فيضطرون إلى حمل الصناديق والغرق في الوحل». ويضيف: «الخيم امتلأت أصلاً بالوحل... اذا بقي الوضع على حاله سيكون الشتاء قاسياً جداً مع الأمطار والبرد القارس وأحياناً الثلوج». ويسأل طفل في الثانية عشرة بعينيه الزرقاوين: «متى سنعود الى منزلنا؟ ليس هناك أي شيء هنا ولا حتى أصدقاء».