لا يُمكن برنامج تلفزيوني حواري أوروبي يتناول قضايا معاصرة الفكاك من الجو المُتلبد الذي يلف العالم اليوم. هذا ما توصل إليه سريعاً برنامج «القمر الجديد»، والذي تعرض منه حلقات خاصة على الهواء مباشرة بمناسبة شهر رمضان على شاشات التلفزيون الحكومي الهولندي. فالمجزرة التي وقعت في ناد ليلي في مدينة أورلاندو في ولاية فلوريدا الأميركية، هيمنت على النقاش في البرنامج الذي كان يريد الاحتفال بقدوم المناسبة الإسلامية. وبدت الفقرات الأخرى منه أقل قوة وإلحاحاً، أمام تداعيات العمل الإرهابي الجديد. والحال أن الحلقات الأخرى من البرنامج الجديد الذي يدور حول قضايا المهاجرين المسلمين في هولندا والتي عرضت قبل رمضان، وجدت نفسها هي الأخرى وسط جدالات السياسة والإرهاب ووضع المسلمين في هولندا وأوروبا. وانسحبت إلى الخلفية المواضيع الأخرى كالفنون والتعليم وقصص نجاحات مهاجرين. وكلما حاولت المذيعة المتمكنة ليلى مسعد، تحويل دفة النقاش بعيداً من الجو القاتم الذي يحيط أوروبا والعالم اليوم، تجد نفسها تعود إلى أسئلة الأزمات والخوف، وهواجس المهاجرين. أعد فريق البرنامج لحلقات البرنامج الرمضانية فقرات خاصة، منها ما يتقصد الجمهور الهولندي غير المسلم، كالاستطلاع الذي قام به في أحد الأسواق الشعبية، وسؤاله للمارة هناك أسئلة عامة عن الشهر الفضيل، ما بيّن سعة معرفة بعض الهولنديين بشروط الصيام، والذي يمكن أن يعد نجاحاً ما للعلاقة بين المسلمين وغير المسلمين في هولندا. كذلك قدمت الحلقة الرمضانية الأولى من البرنامج، تجربة أقدم عليها هولندي غير مسلم على قناته على موقع «يوتيوب»، إذ سجل مع صديقه التركي الأصل تجربته الأولى بالصيام، والتي بينت مدى صعوبة الامتناع عن الأكل والشرب في أشهر الصيف، حيث يطول النهار ل16 ساعة. هناك في كل حلقة من البرنامج ضيفان رئيسيان، يعلّقان على القضايا التي يمرّ عليها البرنامج، ويتحدثان عن ذكرياتهما الرمضانية الأولى، والتي ستلتقي في براءتها وصفائها وسلامها قبل أن تتعقد الحياة بعدها. في الحلقة الرمضانية الأولى حلَّ السياسي من أصول هولندية أحمد مركوش والكاتبة من أصول صومالية ياسمين ألاس، في ضيافة البرنامج. الأول يعد من أبرز الشخصيات السياسية من الأصول المسلمة المعتدلة، والكاتبة تعتبر إحدى النجاحات البارزة لجيل من اللاجئين الذين تركوا بلادهم في أعمار متقدمة نسبياً، وبدأوا حياة من الصفر في البلدان الجديدة. ويواصل البرنامج في حلقاته الرمضانية تسليط الانتباه على نماذج ناجحة من الهولنديين المسلمين، فيقدم، مثلاً، جراحاً من أصول مغربية، يستقطع كل عام أسابيع من أجندته المزدحمة، ويتوجه إلى المغرب لمعالجة فقراء في مناطق نائية. يقدم البرنامج لقطات أرشيفية لهذا الجراح في إحدى جولاته المغربية، ويركز على مشهد له مع طفل مريض، لم ينجح في إنقاذه، لتشكل ذكراه اليوم، دافعاً لمواصلته العمل الخيري. يأتي هذا البرنامج، كجزء من خطة تلفزيونية حكومية جديدة لإنتاج برامج تخص المهاجرين المسلمين في هولندا، بعد دمج القسم المسلم الذي كان ينتج هذه البرامج في الماضي ضمن التركيبة العامة للقنوات الحكومية. ولا ينقص البرنامج الجرأة أو القدرة على جذب أسماء معروفة ومؤثرة للمشاركة فيه، ولعل العقبة الكبيرة المهمة التي يواجهها إلى جانب برامج هولندية مماثلة، هو عدم القدرة على منافسة المواد التلفزيونية التي تصل إلى المهاجرين من بلدانهم عبر الأقمار الاصطناعية. ذلك أن إحصاءات متوافرة، بينت أن كثيرين من المهاجرين ومن مختلف الأجيال ما زالوا يتابعون قنوات تبث من بلدان الآباء وباللغات الأصلية.