لا يزال إنشاء صندوق نفقة المطلقة في الجزائر مقتصراً على الورق، على رغم مرور 15 شهراً على صدور القرار، إذ لم يتعزز النص القانوني بالآليات الإلزامية لحماية المطلّقة وأطفالها، من تمرد الزوج. ويبقى الجدل مستمراً حول تسببه في ارتفاع عدد حالات الطلاق والخلع وتشتت الأسر. فور نشر القانون في الجريدة الرسمية مطلع العام الماضي، توجهت المطلقات اللواتي أتممن الإجراءات المحددة إلى الاستفادة من مستحقاتهن في إطار ما يسمّى صندوق النفقة الغذائية، والمتابعة الجزائية للمدين، لكنهن وصلن إلى باب مسدود وفق ما أكده محامون ل «الحياة»، باعتبار إن الناحية الإجرائية للنص موجودة، والآلية الحقيقية لتجسيده غائبة. والقانون رقم 15-01 المؤرخ في 4 كانون الثاني (يناير) 2015، المتضمّن إنشاء صندوق النفقة، يضاف إلى الترسانة القانونية التي تهدف إلى حماية الأطفال القصّر والمرأة المطلّقة الحاضنة، من دون أن يبصر النور من خلال تخصيص مبلغ مالي لها، في حال تخلّي المدين عن دفع النفقة. ويكمّل هذا الإجراء ما تضمنته مراجعة قانون الأسرة الذي كرّس مساواة أكبر بين الزوجين وضمان حماية أفضل للأطفال وتحقيق الانسجام العائلي، إذ يظل هذا القانون «قابلاً للتحسين في بعض الجوانب المادية على غرار الصعوبات التي تعترض مطلّقات حصلن على حضانة الأطفال من أجل استرجاع النفقة الغذائية» وفق القانون. غير مدروس ويعلّق المحامي الناشط الحقوقي عمار خبابة أن الإجراء لم يكن مدروساً جيداً منذ البداية، وهذا مصير القرارات التنفيذية التي لا تُبنى على أسس صحيحة لحل مشكلات حقيقية في صلب المجتمع الجزائري. بيدَ أنه استبعد في تصريح إلى «الحياة» أن يكون تجميد الصندوق متعلّقاً بسياسة التقشّف المعلنة في البلاد منذ تراجع مداخيل المحكمة من المحروقات، معللاً أنه «يعمل على استرجاع المبالغ ما يعني نسبياً أنه صندوق تأمين». ويعني ذلك أن الأموال التي تُدفع من الصندوق تُسترجع من المدين من خلال التحصيل الودي في المرحلة الأولى، قبل اللجوء إلى التحصيل الإجباري في المرحلة الثانية. وفي حال وجود أي إشكال يعترض الاستفادة من هذه المستحقات، يفصل قاضي شؤون الأسرة فيه خلال ثلاثة أيام كحدّ أقصى، على أن تتولّى المصالح المختصة الأمر بصرف المستحقات للمستفيد في أجل «أقصاه 25 يوماً» من تاريخ التبليغ. ومنذ بداية الإعداد لمشروع القانون وخلال فترة نظر البرلمان الجزائري فيه، أثيرت ردود أفعال متباينة بين من يرى بأنه سيتسبب في ارتفاع حالات الطلاق والخلع، ومن سانده بحكم أنه إجراء يحمل طابعاً إنسانياً من شأنه أن يحفظ ماء وجه المطلقات الحاضنات. لكن الطرح الأخير يبقى موضع تحفّظ من طرف حقوقيين على اعتبار أن مواد قانونية عدة لا تخدم المطلّقة الحاضنة، بقدر ما تعقّد معاناتها مع النفقة، خصوصاً الشق المتعلق بآلية الاستفادة من خدماته، إذ تفرض عليها الحصول على أمر قضائي لصرف إعانة تتراوح ما بين 3 آلاف و8 آلاف دينار جزائري، علماً أن الأحكام الصادرة قبل إنشاء الصندوق غير معنية بإجراءاته التعويضية. وتكشف الدكتورة زهرة بن عبد القادر من جامعة الأمير عبد القادر في قسنطينة شرق العاصمة الجزائر، أن تفعيل الصندوق يلغي أكثر من 20 ألف قضية نفقة مسجلة على مستوى المحاكم، إذ تحصي وزارة العدل أكثر من 22 ألف قضية نفقة لم تسوَ منها سوى 2489 قضية خلال الأعوام الأخيرة. كما ترى بن عبد القادر أن نجاح الصندوق مرهون بالتحقيق مقدماً حول الوضعية المالية والاجتماعية للمطلق، خلال الفترة التي يمنح فيها الصندوق النفقة للمطلقة، مع التأكيد على حقها في متابعته قضائياً. ويعفى المدعى عليه من إرجاع المبلغ الممنوح للمدعية في حال مرض وإصابته بعجز ذهني أو حركي. لكن لو تهرّب من المسؤولية، وثبت أن لديه راتباً شهرياً أو دخلاً ثابتاً، وبعد الحكم عليه نهائياً بدفع النفقة، تصبح الجهات المعنية ملزمة استرجاع المبلغ المدفوع للضحية. حمائي أم مفكك؟ وكان الهدف الأساس من إقرار الصندوق يتعلّق بتقليص نسبة الطلاق في المجتمع الجزائري، والتي بلغت مستوى قياسياً. ففي غضون السنوات الثلاث الأخيرة، سجلت 125183 حالة طلاق، منها 10 آلاف حالة خلع، أي ما يعادل نحو 8 في المئة من إجمالي حالات الانفصال. ووفق المحامي عمار خباية، يفترض أن يطرح إنشاء الصندوق ضمن قانون الأسرة وأن يُعالج بقوانين ومنظور شامل. واعتبر أن الإجراء القانوني مشجع على الطلاق والخلع عموماً. وعرف القانون الجزائري الحالي إسقاط المادة المتعلّقة بموافقة الزوج على الطلاق ومكّن المرأة من خلع زوجها من دون موافقته. ولم يطالب القانون الجديد المرأة بذكر الأسباب التي من أجلها يتم الخلع، ما رفع عدد هذه الحالات إلى 4 آلاف حالة خلال سنة واحدة. ولمست السلطات «متأخرة» ما سبّبه قانون الخلع. فتطرق الرئيس عبد العزيز بوتفليقة إلى الموضوع مشيراً إلى أن «الطلاق بمختلف أشكاله، لاسيما منها الخلع، أصبح ظاهرة متنامية في مجتمعنا». وأمر الحكومة ب «تكليف لجنة من التختصاصيين لمراجعة مواد القانون المذكور ذات الصلة بالطلاق التي تحتمل تأويلات وتعديلها، بما يضفي عليها الوضوح والدقة ويسد الثغرات القانونية». وتقود جمعيات مدنية حملات توعية من أخطار الإقدام على الانفصال من دون اكتراث لمستقبل أبنائهم. وفي هذا الإطار، تستقبل شبكة «وسيلة» للدفاع عن المرأة الجزائرية أزواجاً اختاروا الطلاق لحل مشكلاتهم من دون الاكتراث لمستقبل الأطفال، وتنبههم إلى النتائج المتأتية نتيجة هذه الخطوة، خصوصاً مصير الأطفال والمرأة التي غالباً ما تكون مرفوضة من المجتمع أو تتعرّض لسوء معاملة.