لا تزال روح دبي القديمة تسكن مخيلة وقلب أستاذة علم الاجتماع في جامعة الإمارات سابقاً الدكتورة موزه غباش، على رغم أن دبي غادرت ماضيها وهويتها. وترى غباش أن الحركة النسائية في الخليج بدأت نخبوية ومحدودة بحكم البيئة والتقاليد. وتضيف: «من الستينات حتى الآن، ما زالت المرأة الخليجية تناضل لاكتساب حقوقها لكنها الحلقة الأضعف، إذ تعاني من التهميش والحساسية النفسية الشديدة تجاه الأشياء التي تعطي رد فعل مباشراً يظهر على شخصيتها وجسدها. وللأسف لم يضع المشرّع قوانين تؤمّن العدالة الاجتماعية لها». وتستنكر غباش الخطاب الديني الذي يستخدم التهديد والوعيد، والتشديد والتضييق «التهديد والترغيب وسيلتان للإقناع، ونستخدمهما جميعاً، ولكن متى وكيف هو المهم. إنما علينا الانتباه أن لا يصبح هذا الأسلوب عنيفاً ضد المرأة، فهي مخلوق واعٍ لكل مجريات الأمور من حولها، والعنف تجاهها يعطي رد فعل سلبياً على الأصعدة كافة. ولنعلم أن الترهيب والوعيد في ديننا لا يرقيان الى درجة العنف تجاه الآخر. علينا أن نبدأ أولاً كما بدأ رسولنا الكريم بالترغيب، وبعده لكل حادثة حديث». وتؤكد غباش حكم ارتباطنا الوثيق بالدين وتجده أمراً طبيعياً جداً، لكن ما هو غير طبيعي كما توضح هو «استغلال علاقتنا بالدين كونه مظلتنا الأولى والأخيرة من أجل تمرير بعض المواقف السياسية أو غيرها لجعلنا أمة خانعة ذليلة تقبل بكل ما يعرض لها، وهذا ازداد في الآونة الأخيرة، وليس من سبيل لجعلنا نتقبل ما لا يمكن تقبله إلا من خلال ربطه بالدين، فكانت الفتاوى بداعٍ وبغير داعٍ». وكأستاذة علم اجتماع ترى غباش «أن مجتمعاتنا تعيش نوعاً من انفصام الشخصية، ذلك أن الهجمة الحضارية والمادية لم نكن في الجاهزية المطلوبة لها، فبدأنا نعيش التناقض بين ما هو موجود بحكم المادة وبين ما يحكم به الشرع». وتفيد: «نحن بعيدون عن الشرع والدين ولكن لا نريد أن نعترف خوفاً من الشعور بالذنب، ولأن هذا الانفتاح المفاجئ الذي نريد أخذه لم يراعِ بيئتنا أو ديننا». وتضيف: «عندما أردنا أن نحلل وأن نعود وجدنا أنفسنا قد ابتعدنا أكثر من اللازم، والعودة تحتاج تغييراً كبيراً لا أعتقد أننا قادرون على تحقيقه». وشدّدت غباش على ضرورة ملاحظة أن اليأس ينتج من الفجوة بين الحلم والواقع، وهذا اليأس دفع بكثير من شبابنا إلى المغالاة والعنف من أجل التغيير. وحول برامجنا الإصلاحية والتطويرية واصطدامها بقوة مقاومة التغيير من قبل بعض الأفراد والمؤسسات، تبين غباش أن «مقاومة التغيير تنطلق من أشياء عدّة، فنحن أمة منهكة والناس تشعر بهزيمة داخلية عنيفة نتيجة فشل كل التجارب الإصلاحية السابقة، ويأس كل من عمل ضمن هذه البرامج، وكل المشاريع الإصلاحية القادمة إلينا هي مشاريع بعيدة عن بيئتنا وديننا وتقبلها في غاية الصعوبة. وتقول: «إننا بيئة بسيطة نحتاج إلى الخبز والحرية فقط لا نحتاج إلى ليبرالية لا نفهمها، ولا ديمقراطية مليئة بالفوضى والعنف». وتتساءل: «الديموقراطية القادمة على فوهة المدفع إلى العراق ماذا فعلت به؟». وتتابع: «نريد إصلاحاً ينبع من قلب واقعنا يشعر معنا ويعيش بيننا. يمنح الخبز والحرية، لأن أي فصل بينهما يسبب إرباكاً وفوضى، ثم أن عدم الثقة بالقادة يشكل عائقاً آخر، فهم مع الناس وبينهم في حركتهم الإصلاحية، وعندما يصلون إلى السلطة يصبحون مطرقة أخرى، لذا من دون حرية واعية ومنظمة تناسب واقعنا ستفشل كل الحركات الإصلاحية». وتأسف غباش لحال مجتمعها، «نحن أمام واقع مخيف، نريد ولا نعمل من أجل ما نريد، نتحدث عن التطوير ونخافه، طبعاً لأنه مكلف وقد يأخذ من موازنة التسلح أو موازنة القمع أو موازنة النهب العام، ويجب علينا نحن أبناء الخليج أن نقف على أرضية علمية صلبة، ونعود بالتفكير إلى علومنا ومناهجنا، ونستخدم الأبحاث لإعادة إنتاج هذه العلوم، إننا نسعى إلى تخطي حالة الفوضى غير المنظمة في مجال كل أنظمتنا التعليمية، وكيف ستواجه أجيالنا المستقبل؟ وما نوع العلوم التجريبية أو الاجتماعية التي سنحملها في عقولنا لنواصل بها بناء مجتمع الخليج وصيانته وحمايته، حتى لا نظل نعيش حفلة الترف الفكري». غباش المهتمة بالتراث والعناية به، تتعجب أن نحصر مسؤوليتنا تجاه التراث المحلي في حفظه بالمتاحف. وتتساءل: «أين المتاحف؟ ولمن هي؟ وماذا تحتوي؟ وهل استطاع العرب جميعهم وبكل ثروتهم أن يبنوا متحفاً واحداً لتاريخهم يشبه مثلاً اللوفر أو أرميتاج؟». وتجيب بالنفي: «طبعاً لا، نحن نبني متاحف للسياحة، وليست لحفظ التراث أو التاريخ وتعليمه لأبنائنا، والتراث ليس للحفظ بل للنشر، يجب أن يكون التراث في كل مكان نستطيع الوصول إليه، ذلك أننا أمة بدأت تنسى هويتها وفكرها وعقيدتها، وهذا ما دفعني إلى تجميع التراث الإماراتي في كتاب نفد من السوق لرغبة الناس في أن يستجمعوا معرفتهم بتراثهم وأن ينقلوه إلى أبنائهم وأحفادهم، ومع هذا الإقبال على الكتاب إلا أننا ما زلنا عاجزين عن إصدار طبعة جديدة منه».