الأكيد ان عدد الذين سيشاهدون مسلسل «كارلوس» للفرنسي أوليفييه السايس، على الشاشات الصغيرة، سيكون أضعاف أضعاف من سيشاهدون، على سبيل المثال، الفيلم الفائز بالسعفة الذهبية في الدورة الأخيرة لمهرجان «كان» السينمائي. والأكيد أن مقدار «السينمائية» في هذه السلسلة (في ثلاث حلقات) التي أنتجتها قناة بلوس الفرنسية عن الإرهابي الفنزويلي الشهير، يفوق كثيراً مقدار «السينمائية» في العدد الأكبر من الأفلام التي عرضت في «كان»، أو في الصالات التجارية في الآونة الأخيرة. وأمام هذا الواقع يحق للمرء أن يتساءل: إذاً لم لا يكون لهذا النوع من الأعمال «التلفزيونية» سعفاتها الذهبية، ولم لا تحظ بضجيج اعلامي/ فني، يوازي ما تحظى به الأعمال السينمائية، العادية على الأقل - إذ لن نتحدث هنا عن ظواهر من طراز «آفاتار» تقوم قيمتها الأساس على مقدار الصخب الذي يحيط بها - بل نذهب أكثر هنا: لماذا تظل الكتابة النقدية الجدية، ذات النظريات واللغة الأستاذية الفصيحة، وقفاً على الأعمال السينمائية، مهما كانت قيمتها، وتبقى الكتابة عن الأعمال التلفزيونية تقنية/ اعلامية في معظم الأحوال، مع استثناءات غالباً ما تنبع مما هو حول العمل لا من صلبه الفني (مثلاً، بالنسبة الى مسلسل «كارلوس» دار معظم الإعلام الذي تناوله من حول شخصية الإرهابي وتنطّح المسلسل للدنو من قضية الإرهاب وما الى ذلك، من دون اطلالات جدية على البعد الفني لعمل، وكان يكفينا ان نشاهد ثلثه، أي حلقة واحدة من حلقاته - هي الحلقة الثانية تحديداً -، كي نجدنا أمام عمل فني ينسينا فوراً الوسيط الذي ينقله واضعاً ايانا في قلب اللعبة الفنية و «السينمائية» تحديداً...). في اختصار: لماذا لا يزال النقد، بل المدارس الجمالية التي تتناول فنون الصورة المتحركة، غائبة حقاً عن دراسة جماليات وتاريخ الإنتاج الفني، التلفزيوني بخاصة؟ ان هذا السؤال يذكّر كاتب هذه السطور بطرفة أطلقها قبل أكثر من ثلاثين سنة. كان ذلك في مؤتمر لكتابة تاريخ السينما عقد في مدينة صوفيا عاصمة بلغاريا أواخر سبعينات القرن الفائت. يومها، كان حاضراً عدد كبير من أبرز نقاد السينما ومؤرخيها في العالم. وكانت قد بدأت تتصاعد على ألسنتهم شكوى عامة من هجمة التلفزيون الملون، وتراجع مشاهدة الأفلام في الصالات، ما يهدد بموت السينما. وحين جاء دور كاتب هذه السطور في الكلام، قال ما معناه: بسيطة... عندي حل جذريّ. فنظر اليه الحضور بدهشة، وربما بكثير من الاستخفاف متسائلين عن الحل... فأوضح: إذا كانت الأمور على هذا النحو... بدلاً من الدراما التي نعيش لم لا نتحول جميعاً الى نقاد تلفزيون. كان المطلوب ان يكون هذا الكلام «نكتة» ترطّب الأجواء... لكنه تحول بسرعة الى سبب جديد للندب. واليوم بعد نحو ثلث قرن يبرز سؤال: هل ما زال في امكاننا اعتبار ذلك الكلام «نكتة»؟