لم تكن صورة مشاركة الزعماء والقادة اللبنانيين في حفلة الاستقبال التي نظّمتها السفارة السورية في بيروت لمناسبة عيد الجلاء، والتي تبارت وسائل الإعلام اللبنانية في نقلها، هي الصورة الوحيدة التي التقطت يوماً جامعةً شاملة. إنما جمع الشمل في مناسبة رسمية سورية تقام للمرة الأولى وفق الأصول الديبلوماسية والعلاقات بين الدول، استحق عن جدارة هذا الاهتمام من الإعلام الذي زحفت جحافل مراسليه ومصوريه وتقنييه بسيارات النقل المباشر إلى مجمع «بيال» لتنقل وقائع الحدث دقيقة بدقيقة وصورة بصورة وشخصية بشخصية وبخاصة أولئك الذين عرفوا بمعاداتهم لسورية تاريخياً أو في السنوات الخمس الأخيرة حين كانوا يتنادون إلى الشاشات ليعلنوا مواقفهم المعادية واتهاماتهم لها. فجاءوا بالأمس زرافات ووحداناً، ليقفوا أمام الكاميرات راسمين ابتسامات عريضة، ومصافحين بود السفير السوري لدى لبنان علي عبدالكريم علي. المشاهدون لم يتمكنوا من سماع ما يقوله ساستهم للسفير، لكنهم استشفوا من خلال تلك الصورة، أن ساستهم يقولون كلاماً منمّقاً اختير بعناية علّه يبدأ بمحو صفحات وصفحات من الكلام غير اللائق والاتهامات التي ساقوها ضدّ سورية خلال الفترة الماضية التي كانت مفاعيلها على لبنان أكثر سواداً وإيلاماً. ربما يكون منطقياً أن يستغرب المشاهدون هذا التحول الكبير في مواقف بعض ساستهم وتصرفاتهم، وقد يكون محقاً تساؤلهم عن انقلابهم المفاجئ وزحفهم جميعاً إلى تسجيل حضورهم المناسبة السورية، لكن المحق أيضاً أن كثيراً من وسائل الإعلام الذي نقل هذه الصورة ورسّخها يتحمل مسؤولية إثارة تلك الأسئلة في أذهان المتلقين لأنه لم يكن متوازناً في نقل الحدث بواقعه وأبعاده. فالإعلام صوّر الحدث بلحظته ليظهر للمشاهدين أن الساسة اللبنانيين بكل فئاتهم يتقاطرون إلى «بيال» ليحضروا حفلة استقبال للسفارة السورية، وأخذ من بعضهم تصريحات جددوا فيها حرصهم على اقامة أفضل علاقات بين لبنان وسورية، لكن هذا الإعلام غيّب عن جمهوره معلومة أساسية هي أن الآتين إلى الحفلة جاءوا تلبية لدعوة رسمية وجّهها إليهم السفير السوري، وأن عدد الدعوات التي وزّعت بلغ 2500 دعوة. كان يفترض بالإعلام أن يقول إن فتح الصفحة الجديدة جاء نتيجة سعي مشترك. فبقدر ما كان اللبنانيون يتوقون إلى عودة الإلفة مع سورية، فإن دمشق كانت أيضاً حريصة على ذلك أيضاً، وأنها بادرت بتوجيه الدعوات ولقيت استجابة كبيرة. بل كان يفترض ان يؤكد ان الصور هذه، أكثر من الاخبار والتحليلات، إنما هي وثيقة تاريخية تؤكد ما كان الكل – تقريباً - ولا سيما في صفوف «اخصام» النظام السوري يقولونه، من انه لن يكون ثمة بينهم وبين سورية، اي خصام سياسي، منذ اللحظة التي يصبح فيها لسورية سفارة في لبنان، تتصرف تصرف السفارات الصديقة لا أكثر ولا أقل. وما الصورة التي بثت على الشاشات سوى الوثيقة التي تؤكد هذا.