شهد الربع الثاني من عام 2025 مشهدًا مصرفيًا يتسم بالتداخل المعقد بين النمو وضغوطات الفائدة العالمية فقد حقق القطاع المصرفي السعودي ارتفاعًا ملحوظًا في أرباحه بلغت 18 % مقارنة بالعام السابق ليصل إجمالي أرباح البنوك المدرجة إلى 22.984 مليار ريال وهو رقم يؤكد مرونة وقوة القطاع المصرفي في مواجهة التحديات الاقتصادية وتكيّفه السريع مع متغيرات السوق المحلي والدولي ففي ظل بيئة مالية متقلبة يبرز الأداء الإيجابي كدليل على نجاح البنوك في استراتيجياتها التمويلية وإدارتها الفعالة للسيولة ما ساعد على توسيع أصولها ورفع حجم القروض بنسبة 16 % متجاوزًا معدل نمو الودائع الذي لم يتخطَ 6 % وهذا يشير بوضوح إلى ارتفاع شهية البنوك للمخاطرة التمويلية وتحولها نحو تلبية الطلب المتزايد على التمويل في القطاعات الاقتصادية المختلفة لكن هذا النمو يصاحبه تحدٍ مهم يتمثل في ضرورة إدارة السيولة بحذر وتنويع مصادرها لتجنب المخاطر المرتبطة بتقلبات أسعار الفائدة وضمان استدامة النمو. في قلب هذا المشهد يبرز مصرف الراجحي كقصة نجاح لافتة فقد استطاع خلال هذا الربع الثاني أن يحقق قفزة تاريخية في أرباحه بلغت 6.151 مليارات ريال متجاوزًا بذلك جميع التوقعات وهو ما يعكس استراتيجية ذكية ونوعية اعتمدها المصرف تمثلت في استقطاب استثمارات ضخمة تجاوزت قيمتها 120 مليار ريال من خلال عقود مرابحة ضمن بند مطلوبات للبنوك الأخرى حسب قوائم المصرف للربع الأول مما وفر له سيولة واسعة مكنته من التوسع الكبير في تقديم التمويل ودعم نشاطه التوسعي في السوق المحلية وهذا التحول الاستراتيجي لم يقوِ فقط مكانته كأكبر البنوك السعودية بل فتح أمامه آفاقًا أرحب للريادة خاصة في ظل بيئة تتجه نحو خفض أسعار الفائدة وهو ما يمنحه فرصة للمحافظة على وتيرة نموه وتميزه التنافسي، يليه في الترتيب البنك الأهلي السعودي الذي نجح أيضًا في تسجيل أرباح بلغت 6.137 مليارات ريال مدعومًا بقدرة فعالة على تنويع محفظته الائتمانية وزيادة الطلب على تمويل المشروعات الكبرى كما لعب التطور في الخدمات المصرفية الرقمية دورًا مهمًا في تعزيز قاعدة عملائه وتحسين جودة خدماته المالية مما أسهم في تحقيق نمو ثابت ومستدام، أما مصرف الإنماء فقد حافظ على قوته وحقق أرباحًا بلغت 1.573 مليار ريال ولكن صافي دخل العمولات تراجع مقارنة مع الربع الأول مما يعني أن البنك قد يعاني مستقبلاً مع خفض أسعار الفائدة وخصوصاً أن 80 % من محفظته التمويلية منكشفة على الشركات بفائدة متغيرة، بنك الرياض هو الأعلى في نمو محفظة التمويل بنسبة 22 % وحققت الودائع نموًا جيدًا بنسبة 15 %، كما عزز سيولته من خلال أدوات الدين بنحو 23 مليار ريال، بنك الجزيرة حقق نموًا جيداً في الأرباح بحدود 20 % نتيجة التوسع في الإقراض بنسبة 19 %، بنك بي إس إف هو ثاني بنك في نمو الأرباح 24 % ولكن تراجع الودائع يشكل مصدر قلق على قدرة البنك في الاستمرار في النمو خلال الفترة القادمة، في حين عانى البنك السعودي للاستثمار من ضغوط أعمق ناجمة عن تباطؤ دخل العمولات وزيادة المصاريف التشغيلية الأمر الذي أثر على أدائه وموقعه التنافسي في السوق، عند النظر في التفاصيل المالية يظهر بوضوح أن دخل العمليات للبنوك نما بنسبة 13 % ليصل إلى 39.282 مليار ريال في حين ارتفع دخل العمولات الخاصة بنسبة 9 % مسجلاً 29.924 مليار ريال وهو ما يعكس استمرارية الطلب على التمويل رغم بقاء أسعار الفائدة دون تغيير، على الجانب الآخر شهدت المخصصات ارتفاعًا محدودًا بنسبة 5 % لتصل إلى 1.896 مليار ريال مما يشير إلى تحسن ملحوظ في جودة الأصول وثبات معدلات التعثر وهذا يعكس نجاح البنوك في إدارة المخاطر والمحافظة على سلامة محافظها الائتمانية في ظل بيئة اقتصادية متغيرة، ومع اقتراب دورة جديدة من خفض أسعار الفائدة تبدو ملامح المنافسة في القطاع المصرفي السعودي كسباق مفتوح بين البنوك حيث يتجه القطاع من الاعتماد التقليدي على دخل العمولات إلى تنويع مصادر الإيرادات من خلال التركيز على الخدمات غير التقليدية مثل إدارة الثروات والتمويل المهيكل والخدمات الرقمية التي أصبحت محور اهتمام جميع المؤسسات المالية الكبرى في المملكة، وفي هذا السياق يحتل مصرف الراجحي موقعًا متقدمًا بفضل سيولته الفائقة وانتشاره الواسع عبر المملكة مما يمنحه قدرة فريدة على المحافظة على وتيرة نموه حتى مع تقلص هوامش الربحية أما البنوك الكبرى الأخرى مثل الأهلي وبنك الرياض فتركز استراتيجياتها على التوسع في تمويل الشركات والمشروعات الاستراتيجية التي تمثل رافدًا رئيسًا لتحقيق النمو المستدام بينما تواجه البنوك الأقل أداءً تحديًا حقيقيًا في اللحاق بركب التحول الرقمي وتطوير نماذج أعمالها لتعويض الضغوط المتزايدة على أرباحها التي تفرضها التغيرات الاقتصادية وسوق التمويل المتقلب، المرحلة المقبلة من المنافسة المصرفية ستكون مختلفة، حيث يتحول السباق من مجرد تحقيق الأرقام المالية إلى اختبار حقيقي لقدرة البنوك على الابتكار وإدارة مواردها بكفاءة واستدامة بحيث تصبح الريادة في هذا القطاع مرهونة بمرونة استراتيجياتها وحسن إدارتها للفرص والتحديات في عالم مصرفي سريع التغير وهو ما يجعل من الابتكار وتطوير الخدمات الرقمية وتنويع مصادر الدخل عوامل حاسمة في رسم مستقبل القطاع المصرفي السعودي وسط تحولات عالمية وإقليمية متسارعة. حسين بن حمد الرقيب