حققت البنوك السعودية أرباحاً تاريخية في الربع الأول من العام الحالي 2024 بأكثر من 18.6 مليار ريال بنسبة نمو 8 % الا أن النمو كان أقل بكثير مما تحقق في الربع الأول من العام السابق 2023 والذي كان عند مستويات 17 % فلماذا تباطأ نمو الأرباح رغم ارتفاع متوسط أسعار الفائدة بين البنوك السعودية من 5.49 % في الربع الأول 2023 إلى 6.23 % في الربع الأول 2024 وهو المؤشر الذي تسعر عليه البنوك السعودية الفائدة على القروض؟ نعتقد أن السبب يعود إلى أن البنوك التي كان لديها انكشاف على الشركات بالفائدة المتغيرة ارتفعت أرباحها بسبب ارتفاع الفائدة على القروض القائمة بالإضافة إلى نمو القروض الجديدة، ولذلك حققت البنوك صافي دخل للعمولات الخاصة "وهي الفرق بين الفائدة المتحصلة من القروض بعد خصم الفائدة المدفوعة على الودائع الزمنية والإدخارية" حيث نما صافي الدخل بنسبة 28 % أما صافي دخل العمولات الخاصة في الربع الأول 2024 فقد نما بنسبة 5 % فقط حيث ارتفعت الودائع المكلفة بنسبة 21 % ما يعني أن البنوك أصبحت مضطرة إلى دفع عوائد منافسة للمحافظة على عملائها من التسرب إلى البنوك الأخرى. أما عند مقارنة صافي دخل العمولات الخاصة على أساس فصلي نجد النمو أكثر تباطؤ، حيث بلغ النمو نسبة 0.6 % مع تراجع في بعض البنوك مثل بنك الرياض والجزيرة والإنماء علماً بأن صافي دخل العمولات الخاصة يمثل أكثر من 77 % من دخل العمليات، ولذلك يعتبر هو المؤشر الأهم في نتائج البنوك ولذلك نتوقع استمرار الضغوط خلال الفترة المقبلة على البنوك المنكشفة على الشركات بينما يعود النمو إلى البنوك المنكشفة على الأفراد وفي مقدمتها مصرف الراجحي ويزيد النمو عند خفض أسعار الفائدة. كما أن البنوك سوف تواجه منافسة شرسة من البنوك الرقمية بعد أن أعلن بنك STC بدء التشغيل التجريبي للبنك الذي سيقدم حلولا مصرفية رقمية مبتكرة بتكاليف تشغيلية منخفضة جداً وهذا سوف يمنح البنك ميزة نسبية تجعله يستقطب شريحة كبيرة من عملاء البنوك التقليدية، وأيضا تم التصريح لعدد من البنوك العالمية الكبرى كان آخرها الترخيص لبنك "يو.بي.إس" السويسري لفتح فرع بالمملكة، ولذلك نعتقد أن عمليات الاندماج بين البنوك وخصوصا الصغيرة قد يمنحها القدرة على المنافسة، الطلب على التمويل لا يزال قويا رغم ارتفاع أسعار الفائدة وإن كان هنالك انخفاض في تمويل قطاع الأفراد، إلا أن الشركات لديها احتياج تمويلي كبير مع الحراك الاقتصادي الذي تشهده المملكة والنمو الجيد في الناتج المحلي غير النفطي، البنوك حققت نمو في الإقراض بنسبة 11 % في الربع الأول بانخفاض بسيط عن الربع المماثل والذي سجل نموا ب 12 %، أيضا حققت البنوك نموا جيدا في الودائع حيث نمت بنحو 9 % نفس نمو الربع المماثل وهذا يعطي البنوك المرونة الكافية لتوفير الاحتياجات التمويلية للشركات والأفراد وبحسب بيانات ساما تراجعت نسبة القروض إلى الودائع في شهر مارس الماضي إلى 78.46 % وهي أقل نسبة منذ شهر نوفمبر 2022. وفي سياق الحديث عن الودائع البنكية، فقد سجلت السيولة في الاقتصاد السعودي أعلى مستوياتها على الإطلاق بنهاية الأسبوع المنتهي في 11 أبريل الماضي، عند 2.846 تريليون ريال، ويعني ذلك قوة عرض النقود، وللتوضيح عرض النقود هو إجمالي رصيد الأموال المتداولة في السوق الاقتصادي في أي بلد، ويشمل الأموال المتداولة التي تخص العملة والأموال في حسابات الودائع وفي أشكال أصولية سائلة أخرى وينقسم عرض النقود إلى ثلاثة أقسام وهي ن1 وهو العرض النقدي الأكثر سيولة ويشمل النقد خارج المصارف والودائع تحت الطلب في البنوك، ثم عرض النقود بمفهومه الواسع ن2 وهو يشمل مكونات ن1 + الودائع الزمنية والادخارية، ثم يأتي عرض النقود بمفهومه الأوسع والأشمل ن3 ويضم ن1 و ن2 بالإضافة إلى الودائع الأخرى شبه النقدية والتي تتكون من ودائع المقيمين بالعملات الأجنبية، والودائع مقابل اعتمادات مستندية والتحويلات القائمة، وعمليات إعادة الشراء (الريبو) التي نفذتها المصارف مع القطاع الخاص، أرقام المعروض النقدي تعطينا مؤشرا قويا إلى نمو الأنشطة الاقتصادية التي أنتجت نقدا عاليا في الاقتصاد ولعل أبرز الأنشطة الاقتصادية التي وفرت سيولة عالية في الاقتصاد السعودي هي السياحة، حيث أظهرت أرقام ميزان المدفوعات أن الزوار من خارج المملكة أنفقوا نحو 135 مليار ريال في عام 2023 مقابل 38 ملياراً في عام 2015.