الإعلام والنمطية    النحاس يقترب من 10 آلاف دولار للطن    «السيادي السعودي».. ينشئ أكبر شركة أبراج اتصالات في المنطقة    «أرامكو» تبحث الاستحواذ على 10 % في «هنجلي» الصينية    «مسام»: نزع 857 لغماً في اليمن خلال أسبوع    منح السعوديين تأشيرة «شنغن» ل 5 سنوات    بذكريات الغرافة.. الهلال «ناوي» على العين    الحزن قتلها.. لحقت بشقيقها بعد وفاته بساعتين !    950 سلة غذائية لسنار بالسودان    خالد بن سلمان يبحث مع شابس التطورات في المنطقة    دور السعودية في مساندة الدول العربية ونصرة الدين الإسلامي    3 آلاف مفقود تحت الأنقاض في قطاع غزة    تطوير العلاقات البرلمانية مع اليونان    تقدير أممي لجهود مركز الملك سلمان في اليمن    تجربة ثرية    العين يتغلب على هجر بثلاثية في دوري يلو    تعزيز التعاون الخليجي الأوروبي    الرباط الصليبي ينهي موسم "زكريا موسى" مع أبها    في إياب نصف نهائي دوري أبطال آسيا.. الهلال في مهمة صعبة لكسر تفوق العين    أخضر المصارعة يختتم البطولات القارية المؤهلة لباريس 2024    تطوير «المتجددة» والنووية وكفاءة الاستخدام.. المملكة تستعرض برامجها العالمية في استدامة الطاقة    إنقاذ الشعاب المرجانية    الشورى يوافق على مشروعي السجل والأسماء التجارية    الأزهار البنفسجية تكّون لوحة جمالية.. «شارع الفن».. مناظر خلابة ووجهة مفضلة للزوار    برعاية الملك.. أمير الرياض يتوج الفائزين بجائزة «فيصل العالمية»    غربال الإعلام يصطفي الإعلاميين الحقيقيين    الأمانة العلمية    «أضغاث أحلام» في جامعة الطائف    علماء الأمة    بمجموع جوائز تصل إلى مليون ريال.. الأوقاف تطلق هاكاثون "تحدي وقف"    النسيان النفسي    اختلاف زمرة الدم بين الزوجين    عيسي سند    محافظ طبرجل يطلع على الخدمات البلدية    أكثر من ثمانية آلاف ساعة تطوعية في هلال مكة    جمعية عطاء تدشن برنامجي قناديل وعناية    سلسلة من الزلازل تهز تايوان    حاجز الردع النفسي    العين بين أهله.. فماذا دهاكم؟    ماذا يحدث في أندية المدينة؟    قصور الرياض واستثمارها اقتصادياً    أمير حائل يفتتح أكبر قصور العالم التاريخية والأثرية    أمير حائل لمدير قطاع الحرف: أين تراث ومنتوجات حائل؟    شعوب الخليج.. مشتركات وتعايش    أمير الحدود الشمالية يطلع على برامج التجمع الصحي    محافظ الدوادمي يدشن مسار جبل ثهلان للهايكنق    مساجد المملكة تذكر بنعمة الأمن واجتماع الكلمة    نائب أمير جازان يدشن حملة «الدين يسر»    تدريب 25 من قادة وزارة الإعلام على تقنيات الذكاء الاصطناعي    أمانة المدينة تطلق الحركة المرورية في طريق سلطانة مع تقاطعي الأمير عبدالمجيد وخالد بن الوليد    الرياض تستضيف معرضاً دولياً لمستلزمات الإعاقة والتأهيل.. مايو المقبل    «البيئة» تُطلق مسابقة أجمل الصور والفيديوهات لبيئة المملكة    الزائر السري    وزير الخارجية يشارك في افتتاح أعمال منتدى الأمن الإقليمي الخليجي الأوروبي    أمير الرياض يرعى حفل تخريج دفعة من طلبة الدراسات العليا في جامعة الفيصل    أمير عسير ينهي خلاف ال 13 عامًا بين أسرتين في محافظة محايل    وزير «الإسلامية» للوكلاء والمديرين: كثفوا جولات الرقابة وتابعوا الاحتياجات    انطلاق منتدى «حِمى» بمشاركة محلية ودولية.. ريادة سعودية في حماية البيئة لمستقبل العالم والأجيال    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مدير الجامعة وعضو مجلس الشورى السابق المطوف معالي الأستاذ الدكتور سهيل قاضي: هجرت العمل في «الطوافة» عملاً بنصيحة والدي
نشر في البلاد يوم 20 - 10 - 2011

ذاكرة المهنة كتاب وثائقي من إصدار الهيئة التنسيقية لمؤسسات أرباب الطوائف قدم له معالي وزير الحج الدكتور فؤاد بن عبدالسلام الفارسي الذي عده الأول من نوعه في هذا المجال.
وفي مقدمة الكتاب وعن الرعيل الأول قال المطوف فائق بن محمد بياري رئيس الهيئة التنسيقية إن مهن أرباب الطوائف تزخر بكثير من القامات السامقة من الرجال الذين قاموا على خدمتها على مدى عقود طويلة وواكبوا تطوراتها وشهدوا تحولاتها.
ويضم الكتاب التوثيقي الفخم بين دفتيه لقاءات مع الرواد الأوائل نشرت في نشرة الهيئة الفصلية الرفادة من عام 1427ه إلى 1430ه.
احتوى الكتاب أيضاً على تمهيد عن مؤسسات أرباب الطوائف، حيث تحدث الأستاذ محمد بن حسين قاضي الأمين العام للهيئة عن منظومة المؤسسات ومراحل الطوافة في العهد السعودي الزاهر والواجبات والمهام وغير ذلك مما يتعلق بأعمالها ولجانها.
معالي الأستاذ الدكتور سهيل بن حسن قاضي، علم لا يُعرفّ، وشخصية أكاديمية وأدبية وصحافية وإدارية مرموقة، يعرفه كثير من القراء كأكاديمي وأستاذ جامعي بارز، وإداري محنك, كاتب صحفي لامع، وشخصية ثقافية وأدبية شهيرة وقد لا يعرفون أنه "مطوف" حتى النخاع، ولد ونشأ وترعرع في بيت طوافة عريق، وتشرب بهذه المهنة، ومارسها في صباه وهو في سن العاشرة وشب عليها، ليكون له القدح المعُلى في وضع أنظمتها، ورسم بعض سياساتها في المؤسسة الاهلية لمطوفي حجاج الدول العربية، في أول تشكيل لمجلس إدارتها في عام 1405ه، حيث كان معاليه عضواً لمجلس إدارة المؤسسة ونائباً لرئيسها خلال الفترة من عام 1405-1415ه، ولا يزال له العديد من المساهمات من خلال ما يخطه يراعه، من مقالات صحافية عن الشأن العام وعن الطوافة بصفة خاصة، من خلال كتاباته الصحفية المتعددة، ومن خلال ما يدور من نقاشات ومساجلات، وما ينظمه من محاضرات ولقاءات وندوات يقوم بتقديمها من يستضيفه من شخصيات "متخصصة"، في منبر نادي مكة الأدبي الثقافي، الذي يترأسه.
وصية الوالد
المطوف.. معالي الأستاذ الدكتور سهيل قاضي، شخصية متعددة الجوانب والاهتمامات، ولها مشاركات فاعلة ملموسة في كثير من المجالات، وحضور بارز ومميز في العديد من المحافل العلمية والأكاديمية والثقافية والأدبية والاجتماعية. ورغم هذه المشاغل والارتباطات الكثيرة، فقد استقطع جزءاً مقدراً من وقته الثمين، وخصصه لهذا الحوار، الذي أجرته معه "الرفادة" في عام 1428ه، ونشر في عددها "الرابع" الذي صدر في العشرين من شهر ذي الحجة، من العام نفسه. والذي بدأه بالحديث حول علاقة أسرته التاريخية بالطوافة، حيث قال: " الطوافة مهنة شريفة، خصّ الله سبحانه وتعالى بها أهالي مكة المكرمة، الذين أوفوها حقها، وقاموا ببذل النفس والنفيس لأدائها على أكمل وجه منذ قديم الزمان، فأحسنوا وفادة ورفادة الحاج الكريم، وقد انتقل شرف هذه المهنة من أجدادانا لآبائنا عبر سنوات طويلة، إلا أن العقدين الأخيرين شهدا عزوفاً عن هذه المهنة من بعض أفراد أسرة "آل قاضي"، عملاً بوصية الوالد حسن قاضي - يرحمه الله - الذي ارتأى ضرورة " التفرغ التام" لهذه المهنة، للقيام بها خير قيام، وأداء واجباتها ومهامها بالصورة المثلى، فنصحنا بالتخلي عنها - إن لم نتفرغ لها تفرغاً تاماً - وإن لم يكن بمقدورنا منحها ما تستحق من وقت وجهد". واستدرك قائلاً: "وهكذا.. كان انصياعنا وتنفيذنا لوصية الوالد - طيب الله ثراه - ومشاغلنا وارتباطاتنا في العمل العام، سبباً في ابتعاد بعض أفراد أسرتنا عن هذه المهنة الشريفة، ورغم هذه الظروف، فلا يزال بعضهم يعمل فيها - بشكل أو بآخر- ويقوم بخدمة ضيوف الرحمن، وأود أن أوضح أن شرف خدمة ضيوف الرحمن، يمكن الإسهام فيه عبر قنوات عديدة، إن لم يتوافر عامل التفرغ التام له، وبالطريقة التي تشبع الجانب النفسي لكل القاصدين لأداء هذه الخدمة".
توجه جديد
كان معاليه عضواً في مجلس إدارة مؤسسة مطوفي حجاج الدول العربية ونائباً لرئيس مجلس إدارتها في أول تشكيل له في عام 1405ه، وقد حدثنا عن تلك الحقبة المهمة، التي استمرت حتى عام 1415ه، وأبرز سياسات المؤسسة التي أسهم في رسمها في ذاك الوقت، قائلاً في هذا الخصوص - وبكل تواضع -: " إن إسهاماتي تعد محدودة - قياساً بإسهامات زملائي - الذين أدين لكل واحد منهم بالفضل، فمجلس إدارة مؤسسة مطوفي حجاج الدول العربية، واجه في تلك الفترة وفي البداية بعض العقبات، لأنها كانت تمثل أول انطلاقة تحويل العمل الفردي الى عمل مؤسساتي، مع ما يكتنزه البعض داخله من عدم قناعة بهذا التوجه الجديد في ذاك الوقت، ولكن سرعان ما عرف بعض الزملاء، أن هذه حقيقة واقعة وخطوة لا تقبل التراجع، فأسهموا إيجاباً في دفع عجلة العمل في المؤسسة، والسير بها إلى الأمام، فحظيت المؤسسة في بداية تكوينها بعدد من الخبرات ومن المهتمين بأمور الحج، منهم الأساتذة علي أبو العلا، وصالح جمال، وفؤاد حمدي - يرحمهم الله - وكذلك الأستاذان عبد الله سقاط، وفايق بياري، وغيرهما من الزملاء من أصحاب الخبرات والتجارب الكبيرة في خدمة الحجاج، وكان من بينهم مجموعة من الأكاديميين من جامعة أم القرى، وجامعة الملك عبد العزيز، منهم الدكتور مهدي جمال حريري والدكتور حمزة عقيل، والدكتور منصور سجيني، وأذكر أن زميلنا الدكتور عباس غندورة، تحالف واتفق مع الأستاذ حسين عطار - الذي كان أحد أقطاب المؤسسة، وعملا كثنائي لإقناع مجلس إدارة المؤسسة بأهمية استخدام الحاسب الآلي في أعمال المؤسسة، وكان ذلك في عام 1406ه، وفي ذاك الوقت لم يكن هذا الأمر شائعاً على الاطلاق، وكان معروفاً ومستخدماً في الخطوط السعودية فقط، فكان لهما فضل السبق في هذا المجال، بالرغم من أنه قد كانت هناك بعض الاخفاقات في مجال استخدام الحاسب الآلي في ذلك العام، وقد تم - ولله الحمد - تلافيها في العام الذي تلاه.
مهام محددة
وفي هذه المقدمة، عرج معالي المطوف سهيل قاضي، للحديث حول بداية ممارسته لمهنة الطوافة، وعن ما تختزنه ذاكرته من ذكريات معها، وأحداث ومواقف مع الحجاج، وبما أنه من الطبيعي أن تترك هذه الممارسة الطويلة، تأثيراً على شخصية من يقوم بها، وتشكل بعض ملامح شخصيته، أجاب على سؤال حول ما شكّلته مهنة الطوافة من ملمح في شخصيته المتعددة الملامح -، فقال : "بداية المشوار كانت في سنوات الطفولة، حينما كنت أقوم بمساعدة الوالد - يرحمه الله - والاعمام، وأنا في سن العاشرة، حيث كنا نُكلفّ بأشياء محددة، يأتي في مقدمتها توزيع الماء المثلج على الحجاج في المخيمات، ثم تدرجت المهنة الى حمل أمتعة الحجاج، والمساعدة في نصب الخيام وتوزيع وجبات الطعام في يوم عرفة". ويستطرد قائلاً: " ولعل أهم مهمة وأنبلها، كان جلب الماء وتوزيعه على الحجاج. فقبل عقود لم تكن المياه متوافرة بالوفرة التي نشهدها حالياً، وفي ظل شح المياه في بعض الأماكن خاصة عرفات ومنى - كان يوكل إلينا جلب الماء وحمله إلى هذه المواقع - كلٌ على قدر استطاعته - وكان هذا العمل يُقابل بكثير من التقدير والتشجيع، وأذكر على سبيل المثال ماكان يردده الآباء عند نقص الماء في المخيمات وقولهم: "ليس لدينا ما يثير القلق طالما معنا هؤلاء الرجال"، وهم يشيرون إلينا، ويذكرون اسم كل واحد منا، فكانت هذه الكلمات تترك أثراً طيباً فينا، وتعزّز ثقتنا بأنفسنا، كما كان الحجاج ينادوننا، ويطلبون ما يريدون، وهم على يقين من أن مطالبهم مستجابة ومنفذة".
الاعتماد والثقة
ويواصل المطوف الدكتور سهيل قاضي اجترار حديث الذكريات حول مهنة الطوافة، فيضيف بقوله: " ورداً على سؤالك حول ذكرياتي مع الحجاج، فأذكر أنه في إحدى السنوات طلب مني مجموعة من الحجاج السوريين من منطقة اللاذقية - وكانوا نساء ورجالاً وثلاثة أطفال - مرافقتهم الى جبل الرحمة، في يوم الوقوف بعرفة، لالتقاط بعض الصور الفوتوغرافية، فأخبرتهم بأن في هذه الأمر مشقة كبيرة عليهم وقد يعرضهم لضربة الشمس، إلاّ أنهم اصروا على الذهاب، فاقترح الوالد - أمام إصرارهم - بأن نخبرهم بأن هناك سيارة خاصة ستجهز لهم بعد الحج، لكي تقلهم الى جبل عرفات والصعود إليه وأخذ الصور، فكانوا أكثر امتناناً عندما عرفوا المتاعب والمصاعب التي تعرض لها بعض أقرانهم بسبب إصرارهم على الذهاب الى الجبل في يوم عرفة. ويضيف معاليه بقوله: "وإجابة على سؤالك حول ما شكلته مهنة الطوفة من ملمح في شخصيتي، فبكل تأكيد قد شكلت هذه المهنة الشريفة أكثر من ملمح من ملامح شخصيتي، وربما كان في مقدمتها الاعتماد على النفس والثقة بها - بعد الثقة بالله سبحانه وتعالى - وبما أن هذ المهنة تجمع الكثير من الاختصاصات والمهام، وبما أن العمل فيها عمل جماعي، يقوم على توزيع الأدوار بين المجموعة، فقد تعلمنا منها أهمية العمل الجماعي، وتوزيع المهام والاختصاصات، كما علمتنا أهمية استخدام أساليب التحفيز وتوسيع ثقافة التعامل مع الوافدين".
نقلة كبرى
شهد "مركز أبحاث الحج" نقلة كبرى في مسيرته، إبان تولي معاليه إدارة جامعة أم القرى - كمدير لها - حيث تم تحويل مسماه في تلك الحقبة الى "معهد خادم الحرمين الشريفين لأبحاث الحج"، كما شهد الكثير من التطورات، التي سلط معاليه الضوء على بعضها، قائلاً في هذا الصدد: " أحمد الله سبحانه وتعالى أن يسر لنا ذلك، فكفاءات عالية، وجهود مقدرة، وخبرات كبيرة، وكثير من الأبحاث والدراسات التي جرت عبر سنوات طويلة، عززت مكانة مركز أبحاث الحج، فجاءت خطوة تغيير مسماه التي لم تكن لتتم لولا تأييد ومباركة صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبد العزيز، النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية رئيس لجنة الحج العليا رئيس مجلس إدارة المعهد، الذي كانت نظرة سموه الكريم للمعهد كبيت من بيوت الخبرة، وكان - حفظه الله - يؤكد في كل مناسبة، أن الرأي العلمي للمعهد يؤخذ به حتى ولو كان موجهاً ضد وزارة الداخلية نفسها". ويمضي قائلاً: "والتسمية الجديدة للمركز: "معهد خادم الحرمين الشريفين لأبحاث الحج"، قد تمت بناءً على توصية من معالي الزميل الدكتور أسامة فضل البار - عميد المعهد آنذاك - أمين العاصمة المقدسة في الوقت الحالي -، وتم رفعها إلى صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبد العزيز، رئيس مجلس إدارة المعهد، بعد ان استوفت الشروط التي يجب أن تتوافر في أي معهد علمي أكاديمي، والتي واقف على دراستها واستكمالها بقية الإخوة الزملاء في المعهد فحصل المعهد بشرف هذه التسمية، فضلاً على ما يلقاه من مؤازرة ودعم من ولاة الأمر في هذه البلاد، ورعاية كريمة من لدن صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبد العزيز، النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية رئيس لجنة الحج العليا ورئيس مجلس إدارة المعهد".
حافز معنوي
كما تحدث عن بعض ذكرياته في تلك الحقبة، وأجاب على تساؤل حول صحة الحديث الذي يدور، بأن هنالك بعض الأصوات التي يُقال بأنها قد نادت - في ذاك الوقت - بفصل معهد أبحاث الحج عن جامعة أم القرى، وضمه لوزارة الحج؟ فأجاب بقوله: في إحدى السنوات - على ما أعتقد عام 1418 أو 1419ه - وفي ثاني أيام التشريق، حدث تدافع شديد بين بعض الحجاج المتعجلين على جسر الجمرات بعد الزوال مباشرة، وللأسف الشديد سقط عدد من الضحايا، فشعر مدير الأمن العام - آنذاك بالحرج الشديد مما حصل، فأرتأى أن يوجه اللوم إلى معهد أبحاث الحج، ووصف ما حدث أنه نتيجة لفشل خطط تفويج الحجاج على الجسر التي رسمها المعهد، وبعدها بيوم واحد شرفت بمحادثة هاتفية من صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبد العزيز، وزير الداخلية رئيس لجنة الحج العليا رئيس مجلس إدارة المعهد، يوجهنا فيه - حفظه الله - بإعداد تقرير علمي مفصّل من قِبل المعهد عن الحادثة، وتسليمه لسموه شخصياً، فأخبرت سموه بموقف مدير الأمن العام من المعهد، فقال يحفظه الله : "نحن لسنا في موقع تبادل التهم، ونعلم أن في بعض المناسبات التي تضم حشوداً كبيرة - كمباريات كرة القدم مثلاً وغيرها - تحدث حالات من الازدحام والتدافع، وتؤدي إلى وقوع حوادث وضحايا، ويهمنا بالدرجة الأولى التأكيد بأن لا يتكرر ماحدث، وأن نتدارس معاً لتلافي أية سلبية في المستقبل"، كما أن لسموه الكريم قول آخر في نفس السياق: "إن ثقتي في المعهد والعاملين فيه كبيرة جداً، وأرجو أن تنقل تحياتي وتقديري لكل العاملين فيه".
خسارة ومكسب
ويواصل معاليه حديثه في هذا الشأن قائلاً: "عندها قمت أنا بنقل مشاعر سموه الكريم للإخوة الزملاء في المعهد، وقد تركت تلك الكلمات أطيب الأثر في نفوسهم، وكانت بمثابة الحافز المعنوي لهم جميعاً للمضي قدماً في برامج أبحاثهم". ويضيف: "وإجابة على تساؤلك حول صحة الحديث الذي كان يدور، بأن هنالك بعض الأصوات التي يُقال إنها قد نادت في ذاك الوقت بفصل معهد أبحاث الحج عن جامعة أم القرى وضمه لوزارة الحج، فهذا الحديث صحيح، وحدث هذا قبل أن يتحول المركز إلى معهد أبحاث علمي، وبعد تحوله إلى مركز أبحاث علمي، أصبح تلقائياً ليس بالإمكان نقله إلى جهة أخرى غير أكاديمية، واضيف أن هناك دراسات جادة تجرى حالياً لتحويله إلى أكاديمية مستقلة".
وأضاف معالي الدكتور سهيل قاضي بقوله: "وفي رأيي أن المعهد ودراساته مسخر لخدمة وزارة الحج وكل الجهات ذات العلاقة بالحج، ويحظى ولله الحمد بثقتهم جميعاً. ويقدم المعلومة المجردة وبشفافية عالية". كما رد معاليه على تساؤل حول ما جرى في فترة إدارته للجامعة، من دعم لبعض قطاعات الدولة ببعض الكفاءات العلمية والأكاديمية من جامعة أم القرى، أمثال الدكتور أسامة فضل البار أمين العاصمة المقدسة، والدكتور عيسى رواس وكيل وزارة الحج لشؤون العمرة، والدكتور سامي برهمين الامين العام للهيئة العليا لتطوير مكّة المكرّمة - سابقاً - الأمين العام لهيئة تطوير مكة المكرمة والمشاعر المقدسة - حالياً - وغيرهم". كما علّق معاليه على هذا النهج في دعم قطاعات الدولة بأكاديميي الجامعة؟ قائلاً: "إن دعم قطاعات الدولة ببعض أعضاء هيئة تدريس الجامعة شيء مألوف، والزملاء عيسى رواس، وسامي برهمين، وحاتم مرزوقي، "مع حفظ الألقاب"، خسرتهم الجامعة، وكسبتهم الجهات التي يعملون فيها، وقد أضيف إليهم، عميد المعهد السابق، معالي الدكتور أسامة فضل البار الذي عُين أميناً للعاصمة المقدسة، وهذا شرف له وللجامعة وللمعهد".
النقل الترددي
تبنت جامعة أم القرى، ومعهد خادم الحرمين الشريفين - في تلك الفترة - مشروع: "نقل الحجاج بين المشاعر المقدسة بالرحلات الترددية"، هذا المشروع الذي شهد في الفترة الأخيرة توسعاً ملحوظاً، قائلاً في هذا الخصوص: "انتهز هذه الفرصة لأوضح أن أول تجربة مشروع النقل الترددي بدأت في موسم حج عام 1416ه، بإشراف الزميل الدكتور مجدي حريري، مدير مركز أبحاث الحج، ووقف بجانبه نخبة من الزملاء في المركز، وفي مقدمتهم الدكتور فاضل عثمان، وهو صاحب فكرة مشروع النقل الترددي، وكان من المفترض أن تقف عدة جهات مختصة بجانب المعهد وجامعة أم القرى لتنفيذ هذا المشروع، ولكن فجأة تحولت الجامعة من جهة مخططة الى جهة منفذة ومشرفة ومراقبة، وتحملت كل التبعات والتكاليف المادية للمشروع، وذلك بجهود العاملين في مركز أبحاث الحج ومؤازرة الزميل الدكتور سامي برهمين الذي كان يأتي خصيصاً من بريطاينا لدعم الفريق العلمي للنقل الترددي، الذي شارك فيه زملاء كرام من قسم التربية الرياضية ومن كلية العلوم الاجتماعية". ويضيف معاليه بقوله: "وبعد أن أصبح مشروع النقل الترددي حقيقة ماثلة للعيان وواقع معاش، حظي بدعم وزارة الحج ووزارة الشؤون البلدية والقروية ووزارة النقل، كما حظي بتسهيلات من قيادة أمن الحج والجهات ذات العلاقة". واختتم حديثه عن مشروع النقل الترددي قائلا: "ويُحمد لزملائي في الجامعة إقدامهم على الفكرة، وتطبيقها رغم مخاوف الآخرين. وعندما تحقق بفضل الله النجاح للمشروع، حاول الجميع ان ينسبوا هذا العمل لهم".
مواكبة التحول
ويقول معالي المطوف الدكتور سهيل قاضي، مسلطاً مزيداً من الضوء على فكرة: "الإستراتيجية للحج، على مستوى الدولة والمؤسسات الأهلية"، والتي كتب عنها عدة مقالات، نُشرت في الصحف قائلاً في هذا الشأن: " لقد دعوت إلى ورش عمل للمختصين، بغية وضع بعض الرؤى، واستعراض بعض الطموحات، والاستماع إلى ما لدى الغير من أفكار، تهدف إلى تطوير الأداء، في العقبات التي تواجه مسيرة مهنة الطوافة بصفة خاصة، ومهن أرباب الطوائف مجتمعة بصفة عامة، وهناك لجنة على مستوى رفيع قد شكلت لمتابعة تنفيذ قرار مجلس الوزراء المتضمن انهاء الوضع السابق للمؤسسات التأهلية التجريبية، وتثبتها وإلغاء صفة التجريبية عنها، ومنحها الصفة التي تمكنها من العمل بالأسلوب التجاري المنظم المتعارف عليه، وعندها قد يكون من المناسب رسم الاستراتيجية المشار إليها، على أن تشارك فيها كل الجهات ذات العلاقة". ويضيف بقوله: "ولاشك ان قرار مجلس الوزراء الموقر الذي صدر، مؤخراً والقاضي بتثبيت مؤسسات أرباب الطوائف، قرار تاريخي يمثل منعطفاً مهماً في مسيرة هذه المؤسسات، ومقتضيات المرحلة تتطلب حصول هذه المؤسسات على رخص وسجلات تجارية واشتراك في الغرف التجارية وتأسيس شركة أو شركات ذات مسؤولية محدودة، وتقويم موجودات المؤسسات لضخ أموال جديدة من قِبل المساهمين للوفاء بالتزامات الشركة نحو من تقوم بخدمتهم، وأحسب أن الرؤى عديدة والطموحات كبيرة للخروج من عنق الزجاجة (الوضع الحالي)، لمواكبة هذا التحول الكبير".
الانتخابات والانتماء
وإجابة على تساؤل حول رأي معاليه في تجربة انتخابات مؤسسات أرباب الطوائف في دورتها الثانية، والتي تمخض عنها تشكيل مجالس إدارات عن طريق الاقتراع الحر، وتعليقه على بعض الأصوات التي انتقدت فكرة الانتخاب عن طريق القوائم، وطالبت بالانتخابات الفردية، قال معالي الدكتور سهيل قاضي: "تجربة الانتخابات ينبغي المضي فيها دون تردد، وأحسب أن الزمن سيزيدها نضوجاً، فلا مجال للعودة للوراء، كما أن الناخبين قد اصبحوا أكثر خبرة، كنتيجة حتمية للتجربة التي خاضوها، وبالتالي لن يمنحوا أصواتهم إلاّ لمن يستحق، سواء كانت قوائم أو أفراداً". وأكد في حديثه شرف الانتماء لمهن أرباب الطوائف، وذلك في مجمل رده على تساؤل حول ما يعنيه تولي مهنيين وأكاديميين وأساتذة جامعات قيادة العمل في مؤسسات أرباب الطوائف، قائلاً في هذا الخصوص: "إن هذا يؤكد أن هذه المهن يتشرف بالعمل فيها هذه النخب شأنها شأن بقية المهن الأخرى، إلاّ أن شرف الانتماء إلى هذه المهن - تحديداً - يجعل الجميع يتهافت على الخوض في مضمارها رغم ضعف المردود المادي، ويكفي أن شرف خدمة ضيوف الرحمن مردوده عظيم إن شاء الله".
تجربة مع حاج
اختتمنا حوارنا مع معالي المطوف الدكتور سهيل بن حسن قاضي بسؤال حول موقف طريف أو محزن حدث له مع الحجاج، أثناء ممارسته لمهنة الطوافة، ولايزال عالقاً بذاكرته، فقال: "في إحدى السنوات، وفي صبيحة يوم عيد الأضحى، رغبت في زيارة مشعر عرفات لاستكشفه بعد أن ودعه الحجاج، لأعرف كيف تبدو عرفات بعد رحيل الحجاج عنها بساعات، فرأيت شركات وعمال النظافة يحملون أرتالاً من النفايات، فأقتربت من مسجد نمرة بعرفات بحثاً عن طريق العودة إلى مكة المكرمة، فرأيت رجلاً بلباس الإحرام يمشي حافي القدمين، وتوقفت بجانبه حاولت التحدث إليه، فلم أجد أية استجابة منه، وتعذر التواصل معه إلا عبر الإشارات، فأركبناه معنا في السيارة، وكنت أنا وسائق السيارة والحاج في درجة شديدة من الإجهاد، وحاولت أن أفهم منه شيئاً ولكني لم أفلح، وكان يضغط على يدي ويتبسم وكأنه يقول لي: (إن الله قد أرسلك لي لكي تنقذني)، فأخذته إلى المنزل، وأحضرت له ما يحتاجه من ملبس ومأكل ومشرب، وكانت ملامح الحاج تعطي انطباعاً أنه من دول شرق أوروبا، وبعد أن أخذنا قسطاً من الراحة في المنزل، اصطحبنا الحاج إلى مقر سكنه - ارتأينا أن نقوم بهذه المهمة بأنفسنا، خوفاً من أن يحدث ما يشغلهم عن الحاج، خاصة في تلك اللحظات التي هي ذروة أيام الحج، وفي تلك اللحظات.. وعندما اقتربنا من مقر سكن الحاج - وتحديداً بجوار مخابز بدر الكهربائية - ابتهج الحاج ابتهاجاً شديداً، وبدت عليه علامات الارتياح والسرور الشديد، وأشار إلى موقع المنزل الذي يسكن فيه، فحاولنا أن نعطيه شيئاً من المال - لعله يكون قد فقد ما يملك من أموال أثناء رحلة الحج - فرفض قبول أي عطاء".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.