في السنوات الأخيرة، كتبت في صفحتي على"فيسبوك" منشورات متعددة حول بعض الملاحظات التي عايشتها في مطار الملك عبدالعزيز الدولي بجدة، وتلقيت تعليقات واسعة من القراء والمتابعين الذين شاركوني ذات الهموم والانطباعات. وقد كنت أظن- مثل غيري- أن هذه الأصوات ستظل حبيسة الفضاء الإلكتروني دون أن تجد من يصغي إليها، أو يتفاعل معها من المؤسسات المعنية. فنحن اعتدنا- مع الأسف- أن الكثير من الشركات والجهات الخدمية والمؤسسات لا تعير اهتمامًا جادًا لما يُكتب في الصحف أو المجلات، أو حتى على مواقع التواصل الاجتماعي. الشكاوى تُكتب، والاقتراحات تُنشر والملاحظات تُكرر، لكن الردود تغيب، والحلول لا ترى النور. هذا السلوك القائم على التجاهل واللامبالاة يترك أثرًا سلبيًا في نفوس المجتمع. فمن الطبيعي أن يشعر الكاتب أو المواطن بالإحباط حين لا يجد صدى لصوته، ومن الطبيعي أن تتزايد الفجوة بين المؤسسات وجمهورها حين يُقابل النقد بالصمت. الأخطر من ذلك أن المشاكل نفسها تبقى عالقة، فتتكرر المعاناة، ويُفقد الناس ثقتهم في تلك المؤسسات التي وُجدت أصلًا لخدمتهم. لكن وسط هذا المشهد المحير برز نموذج مختلف يستحق الإشادة والتقدير والاحترام، فقد تلقيت استجابة مباشرة من المهندس صالح الجاسر وزير النقل، الذي بادر بالتواصل والرد على ما كتبته، مؤكدًا أن وزارته تعمل بجد لإزالة الملاحظات التي أوردتها في منشوراتي. هذه الخطوة البسيطة في ظاهرها كان لها وقع عميق في نفسي، وفي نفوس من يتابعون الحوار؛ لأنها كسرت حاجز الصمت، وأثبتت أن النقد يمكن أن يتحول إلى فرصة للتطوير إذا ما وُجدت الإرادة الحقيقية والوعي الرشيد من وزير جل همه تلبية احتياجات وراحة المواطنين، وزوار بيت الله الحرام؛ إنفاذًا لرؤية 2030. هذا، ولا يفوتني أيضًا أن أشير وأشيد بتفاعل كل من رائد المديهيم رئيس مجلس إدارة شركة مطارات جدة، والرئيس التنفيذي لشركة مطارات جدة المهندس مازن جوهر. إن مثل هذه الاستجابة تعطي مثالًا واضحًا على أن المؤسسات لا تخسر شيئًا حين تتفاعل مع ما يطرح؛ بل على العكس تكسب ثقة الجمهور وتؤكد مصداقيتها؛ فالمجتمع لا ينتظر المعجزات بقدر ما ينتظر الاعتراف بمشاكله والتعهد الصادق بحلها، وما فعله الوزير الجاسر يفتح الباب أمام ثقافة جديدة قائمة على التفاعل والحوار، بدلًا من الاكتفاء بالبيانات الرسمية أو الصمت المطبق، لقد أثبتت هذه التجربة أن منصات التواصل الاجتماعي يمكن أن تكون جسرًا مثمرًا بين المجتمع ومؤسساته إذا أحسن الطرفان استخدامها. فالكلمة الصادقة التي تُكتب بحسن نية، والرد المسؤول الذي يُقدَّم باحترام كفيلان بإحداث تغيير حقيقي يمس حياة الناس، ويعيد لهم الثقة في من يقودون مؤسساتهم، وأخيرًا، لا يسعني إلا أن أشكر الوزير المهندس صالح الجاسر، وفريقه العامل في وزارة حساسة، تعكس صورة ذهنية مضيئة ومتكاملة عن الوطن.