كبرنا، وبلغنا من النضج ما يجعلنا نُلقي رحالنا في "منطقة العقل"، حيث يخيّم الصمت، ويعلو صوت السلام على ضجيج الجدال. نختار السكينة على انفعالات الغضب، ونوفّر أرواحنا من عناء شرح ما لا يُفهم. لم نعد في قلب الزحام… لا لأننا تعالينا، بل لأننا ابتعدنا عنه لنحافظ على صفاء قلوبنا. صرنا نُشاهد الأشياء من الأعلى، نراقبها من مسافة آمنة، دون أن نحمل قلوبنا إلى طاولات النقاش، ودون أن نسأل "لماذا؟" أو "كيف؟". لقد أنفقنا من أرواحنا ما يكفي. صرنا نمرّ… نبتسم… ونصمت. لا عن ضعف، بل عن وعي ونضج، وحرص على راحة لم تعد تُشترى بالجدال ولا بالتفاصيل الصغيرة. تلك التفاصيل التي كانت تعني لنا الكثير، أصبحت اليوم مجرد جسور نعبرها دون أن نلتفت. سلّمنا أمرنا لله، وأدركنا أن الحياة ليست مسرحًا دائمًا، نشرح فيه أدوار الآخرين أو حتى دورنا. نسامح… بقدر ما تستطيع قلوبنا، لا لأنهم يستحقون، بل لأن قلوبنا ما عادت تحتمل الأذى. نسامح الأعداء؛ لأن الله كفيل بهم، ونسامح الأحباب؛ لأننا لا نريد أن نخسرهم داخلنا، حتى وإن خسرناهم خارجنا. تعلمنا أن كل لحظة تمضي… لا تعود.