نحن على مشارف أيام عظيمة، لحظات روحانية تتنزل فيها السكينة وتغمر الأرواح بأنوار الطمأنينة. إنها ليست أيامًا عادية تمر كما تمر بقية الأيام، بل موسم من مواسم الفرج والرحمة، أيام يتبدل فيها حال القلب، وتُغسل الذنوب، وتُفتح أبواب السماء لكل من طرقها بصدق وإخلاص. كم من نفس تائهة وجدت طريقها في مثل هذه الأيام؟ وكم من دعوة خافتة ارتفعت في ظلمة الليل فاستُجيبت؟ قلوب ظمأى ارتوت من معين الذكر والدعاء، وأرواح أنهكتها الحياة عادت لتسكن عند باب الله، تأنس بقربه وتلتمس نوره. في هذه الأيام المباركة، يقف المرء مع نفسه وقفة صدق، يراجع الطريق الذي سلكه، ويتأمل الوجهة التي يسير نحوها. إنها أيام تصنع الفرق، تبعث الروح، وتوقظ الفطرة، حين ينكسر القلب بين يدي الله خضوعًا، ويتخلص من كل ما أثقله من شواغل الدنيا. دمعة واحدة في جوف الليل، من قلب صادق، قد تفتح للعبد أبوابًا من الخير لم يكن يتصورها، وتغير مجرى حياته بأكمله. فلنتهيأ لهذا الموسم كما يليق بعظمته، لا نريد أن نعيشه كما عشنا مواسم مضت، بل نريد أن نترك فيه أثرًا، أن نُسطر فيه طاعة، وأن نفتح صفحة جديدة مع الله. فلنجعل من هذه الأيام نقطة تحوّل حقيقية، نغسل فيها قلوبنا من شوائب التعلق بالدنيا، ونجعلها مهيأة للقرب من الله أكثر من أي وقت مضى. الإلهام لا يُنتظر من الخارج، بل يُستخرج من داخلنا. هناك نور قد خبا تحت غبار العجلة والانشغال، وهذه الأيام المباركة كفيلة بأن تعيده مشتعلاً، نقيًا، مطمئنًا. لا نعلم ما يخبئه الغد، لكننا نملك اليوم، نملك هذه الفرصة الثمينة، وما دامت الفرصة قائمة، فالرحمة أقرب مما نظن، والقبول أعظم مما نتخيل، والله أكرم وأرحم مما نتصور.