قليلة هي لحظات الاختلاء بالنفس، ومراجعة الذات بعد ان يملأها الاحساس بأن الكون قد دان لها، فتفيق من غفوتها وترفع ستارة الغشاوة المسدلة على العقل، لتعيش الحقيقة والواقع. كفاح مرير تستعر به، بعد مكاره تمسك بتلابيب بعض، ومراة السعي لرؤى يحفها الشقاء كقيد ثقيل لم تختر طريقها بل كان هذا هو السبيل والطريق الذي عرفت مسالكه. من منا لم يلاق من الاحداث ما تهوى به الى الحضيض، فيركع مهيض الجناح، ثم لا يلبث الا ينهض فيحلق كالنسر، وتمتلئ جداول وجدانه ومشاعره ويخضر روض امانيه بعد يأس. هي الحياة وهكذا تسير كر وفر، فرح وترح، وجوه ناضرة واخرى ترهقها فترة، تقف العقول امام هامات الرجال فتستيقن كل نوح ليضيء لها ما اظلم من جوانبها فتشفي غليلها، كبرياء، ثم ضعف، علو ثم هبوط، وليس من دواع غير الصبر ولا شيء غير الصبر. بعض النفوس ضريرة اعماها الغرور، حين ظن صاحبها ان القشور هو اللباب، اقدار، ومن كتبت عليه خطى مشاها! وبعض النفوس مبصرة تبحث عن كوة نور في كل جنة، وعن نبتة عشب في كل صحراء قاحلة، لم تضيعها الايام ولم تتركها لرفاق او اهل، ولم تحرمها حناناً او شقوة طفل او يافع فارتقت بحسها وفكرها وعقلها ومشاعرها ومضت في دروب الحياة على بصيرة وهدى. ومضات: انما تعمى القلوب التي في الصدور: * هنالك لحظات قد لا يجد المرء فيها كلمات للتعبير عما في دواخله وما يختلج في ذاته، ومن تلك اللحظات اوقات زيارة لمريض وخاصة عندما يكون المريض في غرفة الانعاش (العناية المركزة) موقف رهيب.. يتجلى فيه عجز الانسان، فيحمد الله تعالى على نعمة الصحة والعافية، وهو ينظر الى المريض بين الحياة والموت وهو الذي يعرفه من كل يملأ الدنيا بالامس صخباً وضجيجاً. في تلك اللحظات يتساوى البشر في عجزهم وضعفهم، القوي والطماع والحسود، اللجوج والعقود، والمتكبر الذي لا يرضى بكثيره، ولا قليله، ويسعى راكضا كالوحوش الكاسرة، يهدم ويدمر كل ما يعترض طريقه. * كثيرا ما نقف ذلك الموقف الرهيب المهيب، عندما يغيب الموت اخا او ابا او خلا وفياً، او زميلاً جمعتنا به ظروف العمل، فنقف في اسى ولوعة نترحم عليهم، وترثيهم بقدر ما احسنوا الينا. يرحلون وتبقى ذكر اهم ماثلة في كل لحظة يرتجف لها القلب وتذرف عندها العين. كيف يتأنى لنا نسيان من تعاملوا معنا بخلق رفيع، وضمائر حية وسرائر نقية. كيف.. ثم كيف وكيف تنسى النفس من عاملها بحنان يفيض وانكار ذات. مرتبط