يعتز الوطن ويقدر جهود أبنائه من الرجال العاملين المخلصين ، ولاتقدر قيمة الإنسان بما يحظى به من منصب مرموق، أو ما كوَّنه من ممتلكات أو إمكانيات مادية، ولكن بقدر بما بذله من جهود مخلصة في مجال الخدمة العامة، وما ساهم به من خدمات اجتماعية وخيرية، وما تتميز به شخصيته من صفات مثالية وأخلاقيات نبيلة، وما يبديه من اهتمام في توظيف إمكاناته وعلاقاته الشخصية في سبيل خدمة من يتعاطف معهم من المواطنين الذين يعانون من قسوة الظروف وضغوط الحياة. لقد تداعت الى ذهني هذه المعاني حين علمت بمزيد الأسى بوفاة الصديق الحميم والإنسان النبيل الاستاذ راشد بن محمد السعيد الذي اختاره الله إلى جواره في أفضل يوم يجود به الله سبحانه على عباده المؤمنين المتقين بالرحمة والغفران وهو يوم عرفات بعرفات لحجاج بيت الله الحرام، وصادف هذا العام يوم الخميس التاسع من شهر ذي الحجة 1430ه. والفقيد رحمه الله ينتمي إلى أسرة نجدية كريمة استقرت منذ عهد طويل من القرن الرابع عشر الهجري في العاصمة المقدسة "مكةالمكرمة" وشهرة اسم هذه الأسرة المحترمة في الوسط الاجتماعي هي "السعيِّد" بتشديد وكسر الياء . وقد برز من هذه الأسرة الأصيلة رجال كرام خدموا الوطن بكل تفانٍ وإخلاص وأذكر منهم الشيخ محمد بن سليمان السعيِّد رحمه الله "والد الفقيد راشد" وقد حظي الشيخ محمد السعيِّد بثقة مؤسس المملكة الملك عبد العزيز آل سعود رحمه الله حيث كلف بتنفيذ بناء بعض القصور والمباني اللازمة للمرافق الحكومية في الرياض وبعض مناطق المملكة. ومنهم الشيخ عبد الله بن سليمان السعيِّد رحمه الله "عم الفقيد راشد" ويعتبر الشيخ عبد الله السعيّد من أعيان وأعلام مكة المعاصرين بحكم أنه امضى جل سني حياته في مكة وعمل مديراً لمكتب الترميمات التابع لوزارة المالية في مكة كما ساهم في تنفيذ العديد من مشاريع مكة الحيوية ومن أهمها مشاريع توسعة الحرم المكي ، ثم طريق "مكة - الطائف" المعروف بطريق كرى. كما تولى الإشراف على إدارة "عين زبيدة" في عهد الملك خالد بن عبد العزيز رحمه الله واجتهد في تطوير أوضاعها وتأمين احتياجات مكة من المياه التي تعتبر من أهم عناصر التطور العمراني والاجتماعي في مكةالمكرمة. وقد عرفت الفقيد "راشد السعيِّد" رحمه الله منذ عدة عقود مضت وظلت العلاقة تترسخ وتتعمق مع مرور الأيام وذلك لأنها علاقة مبنية على الود والاحترام المتبادل، وكانت تسمو على المصالح الشخصية والمجالات المصطنعة. وقد ظل تواصلي الأخوي معه رحمه الله منذ عرفته وذلك بالزيارة أو الاتصالات الهاتفية التي تهدف الى تجديد العهد وتأكيد الود والاحترام الذي يسود علاقتنا الشخصية. ورغم أهمية ماشغله من وظائف مرموقة ثم كرجل أعمال موفق لم يتغير في ما عرف عنه من النبل ودماثة الأخلاق مع كل من عرفه أو تعامل معه على المستوى الرسمي أو الشخصي. لقد كان الفقيد العزيز عصامياً في تكوين شخصيته وموفقا ومحبوباً في مجال العمل الوظيفي ، وكانت بداية عمله الوظيفي مسؤولاً عن أحد أقسام " مكتب الترميمات" التابع لوزارة المالية بمكةالمكرمة وتدرج في هذا المجال إلى أن تم تعيينه مديرا عاما لإدارة املاك الدولة في مكةالمكرمة، وعندما تأسست شركة مكة للإنشاء والتعمير حصل على عضوية مجلس إدارة هذه الشركة ثم تم تعيينه مديرا عاما للشركة لبضع سنوات بذل خلالها جهده وخبرته العملية ضمن ما اتيح له من صلاحيات ، ثم استقال وترك الذكرى الطيبة لدى المسؤولين والعاملين في الشركة، وتفرغ لأعماله الخاصة إلى جانب مساهمته في الخدمات الاجتماعية والخيرية. هذا بعض ما يمكن أن يقال عن جهود وأخلاقيات الفقيد راشد السعيِّد الذي فقدت برحيله واحداً من أعز الاصدقاء الأوفياء. واحد الرجال الذين عملوا بجد وإخلاص في خدمة الوطن خصوصا مكةالمكرمة. أثابه الله على مابذل من جهود مخلصة في مجال الخدمة العامة وما خفي علينا من أعمال البر والإحسان. تغمده الله بواسع رحمته. وخالص العزاء لأبنائه الأعزاء، وجميع أفراد أسرة "السعيِّد" ألهمهم الله الصبر والسلوان.