رؤى مصطفى - تصوير - محمد الشنقيطي - الرياض : في أمسية اتسعت فيها الأسئلة أكثر من المقاعد، احتفى مقهى السبعينيات ضمن مبادرة الشريك الأدبي باليوم العالمي للفلسفة عبر لقاء حوّل التفكير إلى ممارسة حيّة، وأعاد للحضور دهشة النظر إلى العالم من جديد. لم يكن الحدث مجرد حوار ثقافي، بل دعوة لاكتشاف ما تخبئه التفاصيل من معانٍ، حين نتعلّم أن نفكّر بها لا أن نعبرها مرورًا عابرًا. استهل الدكتور عبد الله العمري الأمسية بعبارته التي سرعان ما أصبحت محور النقاش: «الفلسفة داخلة في كل التفاصيل… في نظرتنا للأشياء، وفي اختيارات نظنها عادات بسيطة، وفي صمتٍ يعبّر عمّا لا يُقال.» ومن هذا المدخل، قدم العمري قراءة فلسفية أعادت الحضور إلى جذور التفكير ذاته، موضحًا أن الفلسفة ليست تنظيرًا بعيدًا ولا خطابًا معقداً ، بل وسيلة لإعادة تشكيل وعينا. وأشار إلى أن حضورها يبدأ من قدرتها على تحليل الأفكار والمعتقدات والمفاهيم والعادات، وفهم البُنى الخفية التي تحرّك سلوك الإنسان. وبين أن الفلسفة تعلمنا التفكير النقدي، وتنظيم الأفكار، والنظر إلى الأشياء من زوايا مختلفة، ما يجعل الإنسان أكثر قدرة على فهم الناس والعالم. وهي تساعد – كما قال – على طرح السؤال الصحيح بدل الوقوع في فخ قبول أي فكرة بسهولة؛ فالسؤال في الفلسفة ليس استفسارًا فحسب، بل عملية كشف وتحرر من الأجوبة الجاهزة. وتناول العمري الفلسفة من زوايا عدة: من المنطق الذي يهذب التفكير، والفن الذي يترجم التجربة الإنسانية، والتعليم بوصفه نقطة التشكل الأولى للعقل، وأنماط التعامل الاجتماعي التي تكشف منظومة القيم، وصولًا إلى الثقافة باعتبارها الوعاء الذي تُحتضن فيه الأفكار وتكتسب معناها. وقد أدارت الدكتورة مها العطوي الحوار بأسلوب جعل الأفكار تتدفق بسلاسة، متنقلة بالحضور بين أسئلة الوجود، وتحولات المجتمع، وحدود الحرية ومسؤولية الوعي. جاءت إدارتها كجسر بين التجريد وتجلياته الإنسانية، وبين الفكرة حين تُقال والحياة حين تُعاش. واحتضن الفعالية بيت الثقافة في حي التعاون، حيث جاء المكان بسمته الهادئة وعمقه الثقافي ليمنح الأمسية فضاء يليق بروح الفلسفة. وحضر اللقاء جمع يقدر قيمة الاحتفاء بالفكر، ويرى أن التفكير ليس ترفًا معرفيا، بل ضرورة لعيش أكثر اتساقًا مع الذات والعالم. وقد تبادل الحضور مداخلات ثرية حول دور الفلسفة في ترسيخ القيم الإنسانية وتحسين جودة فهم الذات والعلاقة بالآخر. ‹ › ×