كأننا جئنا إلى هذه الحياة بتذكرة سفر بتجاه واحد، ذهاب فقط، لا نعلم ما كُتب فيها، سوى أنها "رحلة" لا خيار لنا في خوضها. لا نملك ضمانًا للسلامة، ولا وعدًا بالنجاة، لكننا نُدفع إليها مهما تمنّعنا، ونُجبر على المضيّ، وإن تُهنا أو تعبنا. نسير في دروب متشابكة، ونمرّ بأرواحٍ متباينة، نُصادف من فقد ملامحه في زحام الزيف، ومن ارتدى أقنعة ليست له، فكأن الكائن الذي أمامنا ليس من فصيلتنا، بل من نوع آخر لا نفقه منطقه، ولا نأمن جانبه. نرى بشرًا تخلّوا عن إنسانيتهم، أو لبسوا أثوابًا لا تليق بهم، فبدا المشهد غريبًا، لا تشبهه فطرتنا الأولى. نختبر الخير والشر، نواجه الجمال والقبح، ونصطدم بأسئلة لا نملك لها جوابًا. ونمضي في طريقٍ لا نعلم نهايته.. هل سيقودنا إلى نورٍ يضيء أرواحنا؟ أم إلى ظلامٍ يحتوينا؟ هل ينتظرنا باب مفتوح؟ أم جدارٌ نصطدم به بلا رحمة؟ ومع ذلك، لا تنفكّ الحياة تفاجئنا بكرمها الخفي. قد يمرّ في طريقنا شخصٌ عابر، لا تربطنا به صلة، فيقول كلمة، أو يقدم عونًا بسيطًا، أو حتى يقف معنا في لحظة ضعف، فيغيّر مجرى حياتنا، قديفتح لنا بابًا كُنا نظنه مغلقًا إلى الأبد. أو يُحدث نقلة في داخلنا، أو قديعيد ترتيب فوضانا. وغالبًا، يكون هذا الشخص نفسه قد مرّ من قبل بطريقٍ موحش، وأمسك أحدهم بيده، ذاق مرارة الضياع، حتى دلّه من سبقه على مخرج، فعاهد نفسه أن يكون يدًا لغيره، كما مُدّت له يد ذات يوم، أو هو طبعُاً تطبع به يهدي المسافر خارطة الطريق الأفضل.. إن الخير لا يموت، بل ينتقل من روح إلى أخرى، كالشعلة المتوهجة التي لا تنطفئ. هؤلاء الأشخاص هم الهدايا التي ترسلها الحياة على استحياء، حين تظن أنك وحيد، يمرّون بك بهدوء، لكنهم يتركون أثرًا لا يُمحى. يُربّتون على كتفك دون ضجيج، ويرحلون وقد أشعلوا في داخلك نورًا جديدًا. فلا تفقد الأمل، حتى وإن اشتدّ الظلام. لا تتوقف عن السير، حتى وإن تاه الطريق، فقد يأتيك من يفتح لك بابًا لم تره، أو يشير إلى ضوءٍ لم تبصره،وربما تكون أنت يومًا ذلك الشخص الذي يمنح غيره النجاة. وكما قال: ايليا أبو ماضي "ولستُ أري الحياةَ تَسيرُ إلاَّ يَدًا تُمدُّ.. ومِنْقذًا يَهْدي السُّبيلا" بقلم/ حصة الزهراني ماجستير في العلاقات العامة والإتصال المؤسسي- وزارة التعليم