ظاهرة مجتمعية خطيرة تنذر بعواقب وخيمة على حياة الفرد والأسرة إن لم يتم تداركها.. تلك هي ظاهرة العنف الأسري وإيذاء الوالدين أو أحدهما؛ الأمر الذي جعل الكثير من المؤسسات الأكاديمية والبحثية تعمل على تقديم الكثير من الدراسات والبحوث لدراستها، إلا أن ثمة عوامل أيديولوجية وثقافية كانت هي الأبرز في النتائج والدراسات التي توصلت إليها؛ حيث حظيت المجتمعات العربية بالنصيب الأكبر من تلك الدراسات التي تشير إلى ثمة عوامل وأسباب عدة تمثلت في البطالة وندرة فرص العمل وانتشار الفقر في كثير من المجتمعات العربية؛ الأمر الذي أدى إلى وجود تفاوت في الطبقات الاجتماعية، واختفاء طبقات وظهور أخرى، إضافة إلى غياب الوازع الديني، وغيرها من الأمور التي تدعو بعض الأبناء إلى التطاول على آبائهم.. “شمس” سلطت الضوء على هذه القضية وخرجت بالتالي: حوادث مؤلمة لم يكن العام الماضي بأفضل حالا من سابقه الذي شهد جرائم عدة، من أبشعها حرق ابن لوالده المعوَّق البالغ من العمر 60 عاما بعد أن سكب عليه البنزين في منزله بالقطيف، وسبقها نحر شاب (32 عاما) لوالدته في الجبيل؛ حيث فصل رأسها عن جسدها، وكان المجتمع السعودي يترقب أن يشهد العام الماضي هدوءا نسبيا في تلك الحوادث التي راح ضحيتها أمهات وآباء، إلا أن هذه القضايا استمرت وتم تداولها في أروقة المحاكم، وتم تنفيذ الحكم في عدد من الجناة؛ فقد استيقظت القطيف في أحد صباحات العام على حادثة قتل شاب في العقد الثاني من العمر لوالدته بتسديد عدد من الطعنات إلى بطنها ومثلها إلى كتف والده، وبعد نقلهما إلى المستشفى توفيت والدته، فيما نجا الأب من تلك الطعنات التي سببت له إصابات بالغة، وفي المدينةالمنورة كانت حادثة أشد بشاعة؛ حيث هشم شاب رأس والدته (60 عاما) بمطرقة حديدية حتى فارقت الحياة. الضرب بيد من حديد وكعادة (الداخلية السعودية) فقد ضربت بيد من حديد؛ أملا في وقف مسلسل العنف. وبالعودة إلى الأحكام الصادرة فقد أعلنت تنفيذ حكم القصاص في مرتكبي تلك الجرائم، وكان منها تنفيذ حكم القصاص بمنطقة حائل العام الماضي في الجاني الذي ضرب والدته بسلك كهربائي في أنحاء متفرقة من جسمها حتى فارقت الحياة، كما نفذ حكم القتل تعزيرا في خميس مشيط بحق مواطن قتل والده بإطلاق النار عليه، إضافة إلى تنفيذ الحكم في شاب قتل والدته وأختيه وعمه وزوجة أبيه بإطلاق النار عليهم، إضافة إلى تنفيذ حكم القتل تعزيرا بحق مواطن في الطائف قتل أمه وشقيقه حرقا بإشعال النار فيهما، ولم تكن هذه الحالات هي الحصرية خلال العام الماضي، بل إن الوزارة نفذت أحكاما كثيرة يأمل الكثيرون أن تكون بمثابة الردع لبعض المتهورين. جرائم بشعة من جانبه، قال الدكتور مشبب بن فهد القحطاني المتخصص في شؤون الأسرة إن ظاهرة العنف الأسري بشتى صورها تعتبر أمرا طارئا على المجتمع المسلم؛ لأن الأصل في المسلم “أن يسلم المسلمون من لسانه ويده”، ولكن في حال كثرة الجهل وضعف الإيمان ينشأ العنف الأسري. وأضاف: “لا شك أن أبشع أنواع العنف الأسري هو قتل الولد لأحد والديه، في الوقت الذي نهاه الشرع عن قول كلمة أف لهما، وإذا نظرنا إلى أسباب وجود مثل هذه الحوادث، فإننا سنجد أنفسنا أمام عدد من الأسباب؛ منها ما يكون الولد هو السبب فيه، ومنها ما يكون الوالدان أو أحدهما سببا فيه.. ومنها ما هو مشترك بينهما”. وحتى نحد من هذه الحوادث؛ فإنه ينبغي توعية الوالدين والأبناء؛ حتى لا يكون أحدهم سببا مباشرا في وقوع تلك الجريمة، فيخسر الجميع، ويخسر المجتمع من ورائه. ولعل من أهم أسباب وقوع جريمة قتل الآباء والأمهات، طريقة التربية الخاطئة من الوالدين لذلك الولد القاتل.. فقد يكون لإهمال تربية الشاب أو الشابة، وترك الحبل على الغارب لهما في الذهاب والمجيء، وعدم توجيههما التوجيه الصحيح، وعدم الاختيار المناسب لأصدقائه؛ دور كبير في فساد الولد، ووقوعه في المخدرات، وانضمامه إلى عصابات الإجرام، أو إصابته بالأمراض النفسية، التي تؤدي به إلى الاعتداء على أحد والديه أو إخوانه. العنف اللفظي وأضاف القحطاني أنه قد يكون لاستخدام الآباء والأمهات أسلوب العنف اللفظي أو المادي المتكرر، دور في وقوع تلك الجريمة البشعة.. وبعض القصص الواقعية تؤكد ذلك؛ فمن العنف اللفظي الاحتقار والازدراء والاستهزاء الدائم أو المتقطع أمام إخوانه أو زملائه أو عامة الناس، بهدف التأديب والكف عن فعل الخطأ، وأحيانا من باب التشجيع والحث على الخير. ومن أسباب وقوع حوادث القتل بشكل عام، وقتل الوالدين بشكل خاص، عدم إقامة الحدود الشرعية، ومن ثم يتجرأ ضعاف العقل والإيمان على قتل الناس، ومن بينهم آباؤهم وأمهاتهم. ولكن إذا أقيمت الحدود على الجميع، فإن القاتل سيفكر عدة مرات قبل الإقدام على جريمته. الأسرة ونقاط الضعف وقال سالم الغامدي اختصاصي اجتماعي بمركز الأمير سلطان للتنمية الاجتماعية: “العنف الأسري موجود في كافة المجتمعات البشرية، إلا أن ثمة تفاوتا نسبيا بين كل مجتمع وآخر، والمجتمع السعودي من المجتمعات المترابطة التي أنعم الله عليها بنعمة الإسلام الذي يحث على نبذ العنف الأسري ويدعو إلى الترابط بدلا من التمزق الاجتماعي”، مؤكدا أن من يرتكب مثل تلك السلوكيات هم فئة قليلة جدا، وتعمل كافة المؤسسات الأكاديمية والمراكز البحثية، إضافة إلى علماء الدين على دراستها، واصفا من يرتكب العنف مع الوالدين ويقتلهما بأنهم غير طبيعيين ويفتقدون السلوك السوي وأنهم ضحايا لسلوك منحرف وفكر خاطئ، مشيرا إلى أن الغالبية منهم ضحايا للمخدرات والمشروبات الكحولية، إضافة إلى أن بعضهم يعتبرون في عداد المصابين بالأمراض النفسية ويحتاجون إلى الرعاية والتأهيل النفسي، إلا أن غالبية الأسر تهمل رعاية أبنائهم، وتلك هي نقطة الضعف الرئيسية لدى الأسرة السعودية، وهي أيضا السبب المباشر في ارتكاب الكثير من الحوادث ولا سيما العنف الأسري.
أبرز الحالات المسجَّلة في 2008 18 فبراير: القصاص من قاتل والدته بعد ضربها بسلك كهربائي في حائل. 18 نوفمبر: القصاص من قاتل والدته وأختيه وعمه وزوجة أبيه في مكة. 20 ديسمبر: القصاص من قاتل والده بإطلاق النار في خميس مشيط. 29 ديسمبر: القصاص من قاتل أمه وشقيقته حرقا في الطائف.