يتميز المفكر الإسلامي المعروف الدكتور محمد العوضي بحس فكاهي مغاير لما يظهر به أمام شاشات الفضائيات من خلال برنامجه المعروف «بيني وبينكم» أو من خلال البرامج الأخرى، حيث يضفي العوضي روحا جميلة على المجلس الذي يحضره شخصيات إعلامية ومؤثرة في المجتمع، وقبل موعد حواره مع «شمس» زاره شخص واصطحب معه رجلا إيطاليا غير مسلم، وابتدره العوضي بالتحية وتبادل معه النكات، وجلس بجانبه، كما التقط معه بعض الصور التذكارية. كان هذا اللطف في التعامل غاية في الجمال وتبيان محاسن الإسلام وأخلاقه التي قد تدفع بهذا الإيطالي الدخول إلى الإسلام، وأكد العوضي أنه حريص على دخول هذا الرجل للإسلام، مشيرا إلى أن المعاملة الحسنة هي أساس في التعامل مع الناس. - دكتور.. تعاملك الرائع والراقي مع غير المسلم الذي كان ضيف مجلسنا، ما رأيك فيمن يتعاملون مع غير المسلم تعاملا جافا؟ لا بد أن نفك الإشكال بين الولاء والبراء وبين المعاملة بالحسنى، فالولاء والبراء قد يكون في بيئتنا نفسها، فأنا لا أوالي الظالم الذي لا يبر بوالديه وغيره، لكن لا يعني أن تعاملي معه يكون قاسيا إلا بما يحكمني به الشرع. وغير المسلم هذا فأنا لا أوالي فكرته سواء كان بوذيا أو وثنيا أو ملحدا، فأنا أتبرأ من فكرته تماما، ولكن تعاملي معه سيكون تعامل إنسان، فالله سبحانه وتعالى قال في كتابه: «ولقد كرمنا بني آدم»، ولم يقل كرمنا المسلم. ثم أنوي هذه المعاملة الحسنة لدعوته إلى الله سبحانه وتعالى. ولذلك تجد أن مشكلتنا ليست في المخالف أو المغاير عقائديا، مشكلتنا مع العدو المعتدي المجرم حتى لو كان من بلدنا. هل تقصد دخوله الإسلام أم أن الأمر لا يتعدى تعاملا حسنا فقط؟ نحن نتمنى أن يسلم الرجل وهذا واجبنا تجاهه، لكن إن لم نصل إلى مرادنا فالمعاملة الحسنة واجبة يقول سبحانه وتعالى: «لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم»، فهنا قال البر، والبر يكون للوالدين، فكيف يكون البر بقوم مشركين، لأنهم لم يقاتلونا ولم يخرجونا من ديارنا وليسوا عدائيين. فالأصل هو المعاملة الحسنة. «برنامج بيني وبينكم» .. ما فكرة هذا البرنامج ؟ هو عبارة عن هموم داعية وانطباعاته ورسائله الفكرية التي يريد أن يوصلها إلى الناس، وهذا البرنامج ليس برنامجا رتيبا بمعنى أنه ليس سلسلة تفسير أو حديث أو أخلاق أو قصص أنبياء، فأنا أحاول أن أنقل للمشاهد مفاجآت من موضوع في الشرق إلى الغرب. من الشريحة المستهدفة من البرنامج؟ لكل إعلامي لا بد أن يوجه برنامجه للشريحة العظمى وهم الأغلب والأعم، لأن الإعلام لا يتحمل التدقيق إلا في البرامج العلمية النوعية، هذا لا يعني أنك لا تطرح مواضيع عميقة، لكن يأتني التحدي أنك كيف تجعل هذا العميق مبسطا. في بعض لقاءاتك وبرامجك تستهدف الشباب.. وأن غالب طرحك نخبوي لا يرقى لمستوى الشباب؟ كلامك صحيح ، هذا النخبوي دائما يكون 7 % من كلامي، لأنك لا بد أن تعطي بعض الرسائل النوعية القصيرة لنخب تستهدفها، فقد تشاهد حلقة مدتها 40 دقيقة فلا يصر ألا يفهم الشاب منها خمس دقائق، من أسماء كتب أو قواعد عقلية أو قوانين علمية، لكن الرسالة الأصلية وصلت، كما نحن نقرأ في كثير من الكتب فنفهم الفكرة الكلية وليس شرطا أن نفهم دقائق الفكرة. تتحدث هذه السنة في البرنامج عن نظرية «دارون» .. ما فكرتها ؟ النظرية الداروينية هي أحد أسباب الإلحاد في التاريخ الأوروبي، وتقوم فكرتها على أساس أن أصل الإنسان والحيوان من أصل واحد، وهذا في نظرتنا في خلق الإنسان ليس كذلك، النظرية قد يكون فيها جزء من الصواب ولكن في مجملها لا نتفق معه فيها. ولماذا الحديث عنها ؟ لأنها بدأت تحيا من جديد. دكتور.. كونك أحد الإعلاميين البارزين، الإعلام الذي يريد أن يهدم القيم عند الشباب ما نظرتك له؟ هذا الإعلام لماذا يصنع هذا الشيء لأنه إعلام غربي، فالإعلام الذي يريد أن يهدم الشباب هو تيار عبدة الدينار، ويسير ويلعب على وتر الغريزة، ويركز على الأنانية الفردية، ويبعد الإنسان عن مسؤوليته وواجبه تجاه الله وتجاه وطنه وأسرته، هذا إعلام أناني لا يعرف سوى الدينار والدرهم. وهؤلاء لا ينظرون إلينا على أننا مواطنون إنما ينظرون إلينا على أننا أشياء مادية. وأين الإعلام الهادف .. فهناك العديد من البرامج الهادفة لا تشبع رغبات الشباب؟ أنا أتوقع أن هذا وهم نحن وضعناه لأنفسنا، لأننا تصورنا أن الإعلام الهادف ثقيل الدم جاف ليس فيه رسالة، إعلام يقف على الطريق المباشر، إعلام ليس فيه تسلية، فهذا وهم. الإعلام اليوم يخلط المتعة بالإساءة ولو أراد الإعلام لاستطاع فهناك العشرات من البرامج المفيدة والهادفة تحقق نجاحات على مستوى الشباب. من وجهة نظرك .. ما أبرز المخاطر التي تهدد الشباب هذه الأيام ؟ في مجتمعاتنا الشبابية اليوم التي تعتمد على التقنية حيث تجد كل شاب يملك بين يديه موبايل أو بلاك بيري وعنده إنترنت، هو الفضاء المعرفي المفتوح على الآخر، هذا الفضاء المعرفي المفتوح ووجود إعلام مجاور أيضا يركز على ثقافة الغريزة والجسد، ويركز على أن قيمة الشاب في الماركة الجديدة والموبايل الذي يحمل مواصفات غير موجودة في الموبايل الآخر وأن تلفت الأنظار هذه الثقافة المشتركة الاستهلاكية التي تركز على الجسد وتقدم الفرد على المواطن وتقدم الذات على المبادئ، هذه الثقافة هي أخطر هجوم على الشباب. وإذا كان القرن الماضي قرن صراع الايديولوجيات «الاشتراكية، الشيوعية، اليسارية» فإن هذا القرن هو تسويق الغرائز والملذات. أليس للشباب جهود تستحق الإشادة .. ما هي؟ الفترة الأخيرة بدأنا نرى العمل التطوعي ينتشر بين شباب المجتمع، وأصبحنا نراهم يبادرون للمشاركة في شتى المجالات، وبمجرد أن يذكروا بذواتهم وأنفسهم ومستقبلهم الذي ينتظرهم، وبتحقيق الأهداف الكبرى غير الهامشية، انظر لمشروع الدكتور نجيب الزامل، عضو مجلس الشورى السعودي، عندما بدؤوا في تشكل مجموعات تطوعية في جميع مناطق المملكة، وانظر لمشاركة الشباب في كارثة سيول جدة الأخيرة، وبحثهم عمن يوظف طاقاتهم في عمل الخير وخدمة الوطن، هذه المبادرات تبشر بخير عند الشباب. للشباب كما ذكرت جهود .. ولكن النظرة الدونية من قِبل المجتمع للشباب قد تؤثر فيهم بطريقة أو بأخرى، فالمجتمع دائما يتهمهم بالتخريب و»الصياعة» وغيرها .. تعليقك؟ هذه الأمور مع الأسف تعزز ضعفا لدى الشباب، فابنك عندما تقول له يا غبي يا جاهل، حتى لو كان الابن عنده شيء من الغباء أو قلة في الوعي، فأنت بهذه الطريقة أكدت الموضوع وبلدت الشعور أكثر وتجعله لا يتجاوز ما هو فيه. الشباب في كثير من الأحيان لا يجدون من يحنو عليهم؟ أقول لهم: يا شباب أرجوك لا تغفل نفسك، أنت أعرف الناس بذاتك، فإذا جهلت ذاتك فاستفد من الآخرين ممن تثق بعقلهم وتجاربهم، فتجارب الآخرين مدارس كبرى، فلا تعول على تجربتك فقط فإنك ستخسر لا محالة (ما خاب من استشار)، واستفد من تجارب الناجحين والمخلصين، واستفد من الذين يحرصون على نشر الخير تاريخيا ومعاصرا، واجعل الأخيار مرآتك الحقيقية، واقرأ كتب التعامل مع الذات مثل كتب الدكتور بشير صالح الرشيدي، وكفى بالقرآن كتابا في شهر الصيام أن يبصرك بذاتك ويعيدك إلى الهدف الكبير الذي خلقت من أجله .