ساهم التطور لوسائل التقنية في أن نتفاعل مع الأحداث ونتشارك الهموم والاهتمامات، وبات من السهل جدا أن نسجل موقفا تجاه الأحداث التي تمر بجوارنا ما دام الأمر لن يكلفنا شيئا حقيقيا! فالكثير من المنتديات والمواقع الاجتماعية تهب في تبني موقف ما من خلال إنشاء سريع ومجاني لصفحة إلكترونية محملة بشعارات وصور وأسماء وهمية، وتطالب الجميع بأن ينضم إليها، ويضع شعارات الحملة على صفحته الخاصة كي يحشد أكبر قدر ممكن من المؤيدين، ويكفيك أن تسجل موقفا بنقرة واحدة تستجيب فيها لدعوة صديق للاشتراك في مجموعة تطالب بحقوق الإنسان مثلا أو تحرير فلسطين، أو الحد من ظاهرة الفقر! والعجيب في الأمر رغم انتشار مثل هذه الحملات إلا أنها لم تسهم في إحداث تغيير حقيقي على السلوكيات والتصرفات في مجتمعنا! فالكثير والكثيرات الذين استيقظ ضميرهم لتلك الدعوات لم يمنعهم الضمير نفسه من شراء حقيبة أو هاتف بالآلاف من أن ينضموا لحملة مكافحة الفقر! ولم تحرك فيهم حملة حقوق الإنسان من أن يمنحوا الخدم إجازة أسبوعية أو يكفوا عن معاملتهم كالآلات التي لا تنام! ولم تحد حملة مكافحة العنصرية من التنابز بالألقاب ومعاملتهم للأجنبي والنظر له بتعالٍ وفوقية! وقد تجد الكثير من هؤلاء لا يجد حرجا في أن ينتسب لمجموعات أو حملات رغم أنها تناقض نمط حياته وسلوكياته، وذلك لأنه لن يكون مضطرا للتحول أو البدء في التغيير حين يلتزم بالانضمام، فلن يراقبه أحد، ولن يتعرف عليه، فهو مجرد شخصية تختبئ خلف جهاز لا يمكنه إصدار الأحكام. هذه الحملات المحملة بشعارات وأهداف نبيلة تزدحم غالبا بالصور والحكايات المؤلمة لا تعلمنا ألا ننسى فقط، بل أن نتذكر! فنحن نتشارك مع الجميع بالحياة على هذه الأرض، وإن ظهرت في سمائنا حملة من هذه الحملات فعلينا أن نسجل موقفا حقيقيا في حياتنا الواقعية، قبل أن نسجل موقفا مجانيا في صفحاتنا الوهمية!