استشهاد 16 فلسطينيًا وسط غزة    انخفاض أسعار النفط    تراجع أسعار الذهب    وزارة الصناعة تشارك في معرض باريس.. السعودية تستعرض فرص الاستثمار في صناعة الطيران    2.7 مليار تمويلات زراعية    شركات بناء في "معرض الكبار"    تسمية إحدى حدائق الرياض باسم عبدالله النعيم    لن نستسلم وسنعاقب تل أبيب.. خامنئي: أي هجوم أمريكي عواقبه لا يمكن إصلاحها    دول «التعاون»: اعتداءات تل أبيب «انتهاك صارخ».. روسيا تحذر أمريكا من دعم إسرائيل    أعلنت السيطرة على بلدتين أوكرانيتين جديدتين.. روسيا تتقدم في سومي بعد استعادة كورسك    اليوم.. بمشاركة 4 أندية.. سحب قرعة كأس السوبر السعودي    في ثاني مواجهاته بكأس كونكاكاف الذهبية.. الأخضر يتطلع للانتصار أمام أمريكا    في ثاني جولات مونديال الأندية.. الأهلي في اختبار بالميراس.. وميامي يلاقي بورتو    الهوية الرقمية والسجل لا يخولان الأطفال لعبور"الجسر"    الإطاحة بمروجي مادة الأفيون المخدر في تبوك    أبو عصيدة والنواب يزفون محمد    " مركز الدرعية" يطلق برنامج تقنيات السرد البصري    حققت حلمها بعد 38 عاما.. إلهام أبو طالب تفتتح معرضها الشخصي    جامعة الملك فيصل ضمن" التصنيف العالمي"    "الحج" تطلق استبانة إلكترونية لقياس رضا ضيوف الرحمن    يوليو المقبل.. إلزام المنشآت الغذائية بالكشف عن مكونات الوجبات    رينارد: نعاني من الإصابات.. وحظوظنا قوية    رحلة سياحية وتعليمية لا تُنسى    الحرب الإسرائيلية الإيرانية.. وبيان مملكة السلام    «الملك سلمان للإغاثة» يوقّع اتفاقية لحفر 78 بئرًا في نيجيريا    سعود بن بندر يستعرض جهود «تعافي»    وزير العدل يدشّن بوابة خدماتي لمنتسبي الوزارة    «تعليم المدينة»: بدء تسجيل طلبات من تجاوز 21 عامًا    أمير القصيم يشهد اتفاقيات تعاون مع «كبدك»    فهد بن سلطان للمشاركين في أعمال الحج: جهودكم محل فخر واعتزاز الجميع    كشف مهام «وقاية» أمام أمير نجران    رسالة المثقف السعودي تجاه وطنه    الرواشين.. فنّ يتنفس الخشب    هيئة التراث تضيف مواقع أثرية لسجل الآثار الوطني    أخضر اليد يخسر مواجهة مصر في افتتاح مبارياته ببطولة العالم تحت 21 عاماً    «الحج والعمرة» تدشّن جائرة إكرام للتميّز لموسم حج 1446    انتظام مغادرة رحلات الحجاج من «مطار المدينة»    انسيابية في حركة الزوار بالمسجد النبوي    التعادل ينهي الصراع بين «الزعيم» وريال مدريد    مستشفى الدكتور سليمان الحبيب بالسويدي يجري عملية بتقنية المنظار ثنائي المنافذ وينهي معاناة مراجع مصاب ب«الجنف» مع انزلاق وتضيق بالقناة العصبية    صحي مدينة الحجاج ببريدة يخدم 500 مستفيد    مسار الإصابات ينقذ حياة شابين في حالتين حرجتين بالمدينة    لماذا تركت اللغة وحيدة يا أبي    تعادل تاريخي للهلال أمام ريال مدريد في مونديال الأندية    الوفاء .. قصة موسى محرق الأخيرة    ميكروبات المطاعم تقاوم العلاج بالمضادات الحيوية    سالم الدوسري: هدفنا كان الفوز على ريال مدريد    مؤشر الأسهم السعودية يغلق على انخفاض بأكثر من 120 نقطة    ارتفاع الرمل الأحمر 24.3% يؤثر على تكاليف عقود البناء    تطورات الحرب الإيرانية الإسرائيلية:    الغامدي يلتقي بالمستثمرين وملاك مدارس التعليم الخاص بالطائف    أمير الرياض يوجه بتسمية إحدى حدائق العاصمة باسم "عبدالله النعيم"    السعودية صوت الحق والحكمة في عالم يموج بالأزمات    أمير منطقة تبوك يستقبل سفير جمهورية مالطا لدى المملكة    أمير تبوك يزور الشيخ أحمد الحريصي في منزله    جمعية الصم وضعاف السمع تبحث فرص التعاون مع مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية    أمير تبوك خلال تكريمه المشاركين في أعمال الحج بالمنطقة جهودكم المخلصة في خدمة ضيوف الرحمن محل فخر واعتزاز الجميع    صورة بألف معنى.. ومواقف انسانية تذكر فتشكر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أضْحى التَّنائي
نشر في شبرقة يوم 08 - 06 - 2008


أضْحى التَّنائي
للشاعر الأندلسي إبن زيدون
شبرقه - إختيار عوض الدريبي :
ترجمة الشاعر* :
هو أبو الوليد أحمد بن عبدالله بن أحمد بن غالب بن زيدون المخزومي القرشي الأندلسي القرطبي،أحد الشعراء المبدعين في العصر الأندلسي ، أجمع العديد من النقاد أنه أحد شعراء الطبقة الأولى من بين شعراء العصر الأندلسي وأحد المشكلين للتراث الثقافي في عصره ، أجاد إبن زيدون في قصائده فظهر بها جمال الأسلوب ورقة المشاعر والموسقى الشعرية ، وكانت قصائده صورة من حياته السياسية والعاطفية ، وقد شبهه بالبحتري ، وتميز إبن زيدون بشعر الغزل ، فعُرف شعره بالرقة والعذوبة والصور الشعرية المبتكرة. قال عنه الدكتور شوقي ضيف (كان ابن زيدون يحسن ضرب الخواطر والمعاني القديمة أو الموروثة في عُملة اندلسية جديدة ، فيها الفن وبهجة الشعر وما يفصح عن أصالته وشخصيته).
ولد إبن زيدون في الرصافة إحدى ضواحي قرطبة سنة 394ه الموافق 1003 م ، كان والده قاضياً وجيهاً عُرف بغزارة علمه وماله ، توفي عندما كان أحمد مايزال في الحادية عشر من عمره فتولى جده تربيته.
أخذ إبن زيدون العلم في بداية حياته عن والده ، فكان يحضر مجالس أصحابه من العلماء والفقهاء ، ثم أتصل بشيوخ عصره وأخذ العلم عنهم ، ومنهم النحوي الراوية أبو بكر بن مسلم بن أحمد والقاضي أبو بكر بن ذكوان
عُرف إبن زيدون بثقافته الواسعة وكثرة إطلاعه ، الأمر الذي أنعكس على قصائده التي ظهرت من خلالها ثقافته التاريخية والإسلامية .
أما جده لأمه فهو أبو بكر محمد بن إبراهيم ، لقب بصاحب الأحكام ، وهو لقبٌ كان يطلق على من يشتغل بالفقه والقضاء.
نشأ أبن زيدون في فترة تاريخية حرجة ، فبعد ولادته بخمس سنوات نشأ ما عرف ب (عهد الفتنة) هذه الفتنة التي ظلت مشتعلة لعدد كبير من السنوات حتى كانت وفاة أخر خليفة أموي، فكانت قرطبة ساحة للمواجهات الدامية بين كل من البرابرة والعامريين والأسبان، نشأ بعد الفتنة دويلات صغيرة عرفت بدول الطوائف.
وعلى الرغم من كل هذه الأحداث إلا أن النشاط الأدبي كان في أوج ازدهاره، وعرفت قرطبة كمدينة للهو والطرب والأدب، وظهر ابن زيدون في هذه الفترة فكان يخالط الأمراء والعلماء، ويجلس في مجالس العلم، وقد صادق الملوك والأمراء فكان صديق لأبو الوليد بن جهور.
تعلم إبن زيدون في جامعة قرطبة ، أهم جامعات الأندلس في زمانه إذ كان يفد إليها طلاب العلم من الممالك الإسلامية والنصرانية على السواء ، لمع بين أقرانية ، وتميز عنهم بالشعر الذي كان سبباً في تعرفة بفراشة عصره ولادة بنت المستكفي الخليفة الأموي الذي عُرف كما قال أبو حيان التوحيدي : " بالتخلف والركاكة، مشتهرًا بالشرب والبطالة، سقيم السر والعلانية، أسير الشهوة، عاهر الخلوة" وعلى النقيض منه كانت إبنته "ولادة" جميلة مثقفة شاعرة ، يقول صاحب (الدر المنثور) عن ولادة : (وكانت نهاية في الأدب والظرف ، قيل أنها في المغرب ك علية إبنة المهدي العباسي في المشرق إلا أن ولادة تزيد بمزية الحسن ، وأما الأدب والشعر والنوادر وخفة الروح فلم تكن تقصر عنها ، ولها نوادر كثيرة مع الأدباء والشعراء) وكان لها مجلس بقرطبة يضم أشهر مثقفي وشعراء عصرها ، ومنهم ابن زيدون الذي أحبها حبًّا ملك عليه حياته، وأحبته هي أيضًا، وعاشا معا في سعادة أيامًا، قبل أن يظهر الوزير أبو عامر بن عبدوس في حياتهما ، إذ أستطاع أن يستولي على قلب ولادة ، مستغلاً ظروفاً سياسية شارك فيها إبن زيدون مع إبن جهور ضد خلافة بني أمية المهترئة ، الأمر الذي جعل ولادة تميل إلى إبن عبدوس ، الذي لم تجد فيه ماكان لها في إبن زيدون ، وقد ترك ذلك أثراً عميقاً في نفس إبن زيدون ، تبلور في قصائد عتاب ولوم ، وتذكير بما مضى ..
وحاول ابن زيدون كثيراً إبعاد ولادة عن ابن عبدوس ، والتفريق بينهما ، واستعادة الأيام الجميلة الماضية ، لكنه فشل في ذلك ، وفي إحدى محاولاته تلك كتب رائعته النثرية (الرسالة الهزلية) التي يقوم فيها بذم إبن عبدوس والسخرية منه على لسان ولادة ، الأمر الذي زاد من غضب ولادة وزاد من بعدها عن إبن زيدون ، وقد كان لقصة حبه لولادة دور كبير في شحذ خياله الفني ، وأثرت بشكل واضح في إبداعه وخياله وشعره
وكان إبن زيدون قد إتصل ب (بني جهور) حكام قرطبة وتمكن من نيل مكانة متميزة عندهم نظراً لعلمه وثقافته ولأنحداره من بيت جاه وشرف ، فكان يحظى بمكانة عالية لديهم إلى أن أوقع إبن عبدوس بينهما فزج به إبن جهور في السجن ، وأثناء سجنه كتب إبن زيدون رسالته النثرية الرائعة (الرسالة الجدية) لإستعطاف أبي الحزم إبن جهور ، والتي تعد من روائع النثر العربي ، وكتب العديد من القصائد لإستعطاف (ابو الحزم بن جهور) حاكم قرطبة ليفرج عنه ، ومما قاله :
مَن يَسأَلِ الناسَ عَن حالي فَشاهِدُها=مَحضُ العِيانِ الَّذي يُغني عَنِ الخَبَرِ
لَم تَطوِ بُردَ شَبابي كَبرَةٌ وَأَرى=بَرقَ المَشيبِ اِعتَلى في عارِضِ الشَعَرِ
قَبلَ الثَلاثينَ إِذ عَهدُ الصِبا كَثَبٌ=وَلِلشَبيبَةِ غُصنٌ غَيرُ مُهتَصِرِ
ها إِنَّها لَوعَةٌ في الصَدرِ قادِحَةٌ=نارَ الأَسى وَمَشيبي طائِرُ الشَرَرِ
لا يُهنَىءِ الشامِتَ المُرتاحَ خاطِرُهُ=أَنّي مُعَنّى الأَماني ضائِعُ الخَطَرِ
هَلِ الرِياحُ بِنَجمِ الأَرضِ عاصِفَةٌ=أَمِ الكُسوفُ لِغَيرِ الشَمسِ وَالقَمَرِ
إِن طالَ في السِجنِ إيداعي فَلا عَجَبٌ=قَد يودَعُ الجَفنَ حَدُّ الصارِمِ الذَكَرِ
وَإِن يُثَبِّط أَبا الحَزمِ الرِضى قَدَرٌ=عَن كَشفِ ضُرّي فَلا عَتَبٌ عَلى القَدَرِ
ما لِلذُنوبِ الَّتي جاني كَبائِرِها=غَيري يُحَمِّلُني أَوزارَها وَزَري
مَن لَم أَزَل مِن تَأَنّيهِ عَلى ثِقَةٍ=وَلَم أَبِت مِن تَجَنّيهِ عَلى حَذَرِ
كما كتب قصائد أخرى لإبن (حاكم قرطبة) أبو الوليد بن أبي الحزم ليتوسط لدى أبيه ، وكان أبو الوليد يحب ابن زيدون ، لكن وساطته لم تنفع ، فهرب ابن زيدون من السجن ، واختبأ عند بعض أصدقائه في إحدى ضواحي قرطبة وظل يرسل المراسيل إلى الوليد وأبيه حتى تمَّ العفو عنه ، فلزم أبا الوليد حتى تُوُفِّيَ أبو الحزم وخلفه أبو الوليد الذي ارتفع بابن زيدون إلى مرتبة الوزارة.
أثناء ذلك كله لم يَنْسَ ابن زيدون حبه الكبير لولادة التي أهملته تمامًا ، فجعله أبو الوليد سفيرًا له لدى ملوك الطوائف حتى يتسلى عن حبه بالأسفار وينساه ، لكن السفر زاد من حب ابن زيدون لولادة وشوقه إليها ، فعاد إلى قرطبة.. وما لبث أن اتهم مرة أخرى بالاشتراك في محاولة قلب نظام الحكم على أبي الوليد بن جهور الذي غضب عليه ، فارتحل ابن زيدون عن قرطبة وذهب إلى بلاط المعتضد بن عباد في أشبيلية ، وهناك لقي تكريمًا لم يسبق له مثيل ، ثم زادت مكانته وارتفعت في عهد المعتمد بن المعتضد بن عباد ، الذي عينه مستشاراً له وسفيراً لعدد من الدول المجاورة ، وتولى منصب (كاتب المملكة) والذي كان يعد من أهم المناصب ، وتولى الوزارة ، وعُرف بلقب (ذي الوزارتين)
ودان له السرور وأصبحت حياته كلها أفراحًا لا يشوبها سوى حساده في بلاط المعتمد أمثال (ابن عمار) و (ابن مرتين) اللذين كانا سببًا في هلاكه في الخامس عشر من رجب سنة 463 هجرية ؛ إذ ثارت العامة في أشبيلية على اليهود فاقترحا على المعتمد إرسال ابن زيدون لتهدئة الموقف ، واضطر ابن زيدون لتنفيذ أمر المعتمد رغم مرضه وكبر سنه ، مما أجهده وزاد المرض عليه فدهمه الموت عام 1071م.
ظل ابن زيدون حتى آخر يوم في حياته شاعرًا عاشقًا ، فبالشعر عشق ، وبالشعر خرج من السجن ، وبالشعر نال حظوظه من الحياة .. ولم ينس أبدًا ذكرى ولادة وأيامه الجميلة معها .. وقد كانت حياته المتقلبة ، وحبه الكبير لولادة بالإضافة إلى أعماله الشعرية والنثرية المتميزة موضوعات لدراسات وإبداعات كثيرة.
ومن أهم أعمال ابن زيدون الباقية للآن غير أشعاره هما (الرسالة الجدية) التي استعطف فيها ابن جهور ليخرجه من السجن ، و (الرسالة الهزلية) التي كتبها على لسان ولادة ذمًّا في ابن عبدوس حبيبها الجديد ، وهي الرسالة التي زادت الهوة بينه وبين ولادة وعجلت بابن عبدوس ليزج به في السجن .. وقد بقيت هاتان الرسالتان وقصيدة (أضحى التنائي) علامة على الموهبة الكبيرة والثقافة المتنوعة التي تميز بها ابن زيدون في أعماله الشعرية والنثرية على السواء.
ولذلك عُد حبه لولادة من أهم أحداث حياته ، وقد الهمه الكثير من شعره وأخذ منه كل مأخذ وعدت قصيدته (أضْحى التَّنائي) من أصدق ما قيل في الحنين ومن أبلغها أثراً في النفس.
وهي :
أضْحى التَّنائي بديلاً من تَدانينا=ونابَ عن طيبِ لُقْيانا تَجافينا
ألا ! وقدْ حانَ صُبْحِ البَيْنِ صَبَّحَنا=حَيْنٌ، فقامَ بِنا لِلحَيْنِ ناعينا
مَن مُبْلِغُ المُلْبِسينا ، بانْتِزاحِهِمُ=حُزْناً ، مع الدّهْرِ لا يَبْلى ويُبْلينا
أَنَّ الزّمانَ الذي مازالَ يُضْحِكُنا=أُنْساً بِقُرْبِهِمُ ، قد عادَ يُبْكينا
غِيظَ العِدا مِن تَساقينا الهوى فَدَعَوا=بأَنْ نَغَصَّ ، فقال الدّهرُ آمينا
فانْحَلَّ ما كان مَعْقوداً بأنفسِنا=وانْبَتَّ ما كان مَوْصولاً بأيْدينا
وقدْ نَكونُ ، وما يُخْشى تَفَرُّقُنا=فاليَومَ نحنُ ، وما يُرْجى تَلاقينا
يا ليت شِعْري ، ولم نُعْتِبْ أعادِيَكُمْ=هل نالَ حظّاً من العُتْبى أَعَادينا
لم نَعْتَقِدْ بَعْدَكُم إلاّ الوفاءَ لَكمْ=رَأْياً ، ولم نَتَقَلَّدْ غيرَهُ دَينا
ما حَقُّنا أن تُقِرُّوا عينَ ذي حَسَدٍ=بِنا ، ولا أن تُسِرُّوا كاشِحاً فينا
كُنّا نَرى اليأسَ تُسْلينا عَوارِضُهُ=وقد يئِسْنا فما لليأسِ يُغْرينا
بنْتُمْ وبِنّا ، فما ابْتَلَّتْ جَوانِحُنا=شوقاً إلَيْكُمْ ، ولا جَفَّتْ مآقينا
نَكادُ حينَ تُناجيكُمْ ضَمائرُنا=يَقْضي علينا الأسى لو لا تَأَسِّينا
حالَتْ لِفَقْدِكُمُ أيّامنا ، فغَدَتْ=سوداً ، وكانت بكمْ بِيضاً ليالينا
إذ جانِبُ العَيشِ طَلْقٌ من تَألُّفِنا=ومَرْبَعُ اللَّهْوِ صافٍ مِن تَصافِينا
وإذ هَصَرْنا فُنونَ الوَصْلِ دانِيَةً=قِطافُها ، فَجَنَيْنا منهُ ما شِينا
ليُسْقَ عَهْدُكُمُ عَهْدُ السُّرورِ فما=كُنْتُمْ لأَرْواحِنا إلاّ رَياحينا
لا تَحْسَبوا نَأْيَكُمْ عَنَّا يُغَيِّرُنا=أنْ طالما غَيَّرَ النَّأْيُ المُحِبِّينا!
واللهِ ما طَلَبَتْ أَهْواؤنا بَدَلاً=مِنْكُمْ ، ولا انْصَرَفَتْ عَنْكُمْ أمانينا
يا سارِيَ البَرْقِ غادِ القَصْرَ واسْقِ بِهِ=مَن كان صِرْفَ الهوى والوُدِّ يَسْقينا
واسْألْ هُنالِكَ : هَلْ عَنّى تَذَكُّرُنا=إلْفاً ، تَذَكُّرُهُ أمسى يُعَنِّينا
ويا نَسيمَ الصَّبا بَلِّغْ تَحِيَّتَنا=من لو على البُعْدِ حَيَّا كان يُحْيينا
فهل أرى الدّهرَ يَقْضينا مُساعَفَةً =مِنْهُ ، وإنْ لم يَكُنْ غِبّاً تَقَاضِينا
رَبِيْبُ مُلْكٍ كأَنَّ اللهَ أنْشأَهُ=مِسْكاً، وقدَّرَ إنْشاءَ الوَرَى طِينا
أو صاغَهُ وَرِقاً مَحْضاً ، وتَوَّجَهُ=مِن ناصِعِ التِّبْرِ إبْداعاً وتَحْسينا
إذا تَأَوَّدَ آدَتْهُ ، رَفاهِيَةً=تُومُ العُقودِ ، وأَدْمَتْهُ البُرَى لينا
كانتْ لهُ الشّمسُ ظِئْراً في أَكِلَّتِهِ=بلْ ما تَجَلَّى لها إلا أَحايِينا
كأنّما أُثْبِتَتْ ، في صَحْنِ وَجْنَتِهِ=زُهْرُ الكواكِبِ تَعْويذاً وتَزْيِينا
ما ضَرَّ أن لم تَكُنْ أكْفاءَهُ شَرَفاً=وفي المَوَدَّةِ كافٍ من تَكافينا؟
يا رَوْضَةً طالما أَجْنَتْ لواحِظَنا=وَرْداً ، جَلاهُ الصِّبا غَضّاً ، ونِسْرينا
ويا حَياةً تَمَلَّيْنا ، بزَهْرَتِها=مُنىً ضُروباً ، ولذّاتٍ أَفَانِينا
ويا نَعيماً خَطَرْنا ، مِن غَضارَتِهِ=في وَشْيِ نُعْمى ، سَحَبْنا ذَيْلَهُ حينا
لَسْنا نُسَمّيكَ إجْلالاً وتَكْرُمَةً=وقَدْرُكَ المُعْتَلي عنْ ذاكَ يُغْنينا
إذا انْفَردْتَ وما شُورِكْتَ في صِفَةٍ=فَحَسْبُنا الوَصْفُ إيْضاحاً وتَبْيينا
يا جَنّةَ الخُلْدِ أُبْدِلْنا ، بسِدْرَتها=والكَوْثَرِ العَذْبِ ، زَقُّوماً وغِسْلينا
كأنّنا لم نَبِتْ ، والوَصْلُ ثالِثُنا=والسَّعْدُ قد غَضَّ مِن أَجْفانِ واشِينا
إن كان قد عَزَّ في الدّنيا اللّقاءُ بِكُمْ=في مَوقِفِ الحَشْرِ نَلْقاكُمْ وتَلْقُونا
سِرَّانِ في الخاطِرِ الظَّلْماءِ يَكْتُمُنا=حتى يَكادَ لِسانُ الصّبْحِ يُفْشينا
لا غَرْوَ في أنْ ذَكَرْنا الحُزْنَ حينَ نَهَتْ=عَنْهُ النُّهى ، وتَرَكْنا الصَّبْرَ ناسينا
إنّا قَرَأْنا الأسى ، يومَ النَّوى ، سُوَراً=مكتوبَةً ، وأَخَذْنا الصَّبْرَ تَلْقينا
أما هَواكَ ، فَلَمْ نَعْدِلْ بِمَنْهَلِهِ=شُرْباً وإن كانَ يُرْوينا فَيُظْمينا
لم نَجْفُ أُفْقَ جَمالٍ أنتَ كوكَبُهُ=سَالِينَ عَنْهُ ، ولم نَهْجُرْهُ قالينا
ولا اخْتِياراً تجنَّبْناهُ عن كَثَبٍ=لكن عَدَتْنا على كُرْهٍ ، عَوَادينا
نَأْسى عَلَيْكَ إذا حُثَّتْ ، مُشَعْشَعَةً=فينا الشَّمولُ ، وغَنَّانا مُغَنِّينا
لا أكْؤُسُ الرَّاحِ تُبْدي مِن شَمائلِنا=سيما ارتِياحٍ ، ولا الأَوْتارُ تُلْهِينا
دُومي على العَهْدِ ، ما دُمْنا، مُحافِظَةً=فالحُرُّ مَن دانَ إنصافاً كما دِينا
فما اسْتَعَضْنا خَليلاً مِنْكِ يَحْبِسُنا=ولا اسْتَفَدْنا حَبيباً عنْكِ يَثْنينا
ولو صَبا نَحْوَنا ، مِن عُلْوِ مَطْلَعِهِ=بَدْرُ الدُّجى لم يَكُنْ حاشاكِ يُصْبِينا
أبْكي وَفاءً ، وإن لم تَبْذُلي صِلَةً=فالطَّيْفُ يُقْنِعُنا ، والذِّكْرُ يَكْفينا
وفي الجَوابِ مَتاعٌ ، إن شَفَعْتِ بِهِ=بِيضَ الأَيَادي ، التي مازِلْتِ تُولِينا
عليْكِ مِنّا سَلامُ اللهِ ما بَقِيَتْ=صَبابَةٌ بِكِ نُخْفيها ، فَتُخْفينا
*****************************
* أضيفت ترجمة الشاعر ونبذة عن حياته ومسيرته ؛ بعد تعليق الدكتور حسين الدريبي الذي أستشفينا منه أهمية إدراج هذه الترجمة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.