قال تعالى (إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا في الدنيا والآخرة ولهم عذاب عظيم). لنتوقف عند الآية ونعي مضمونها الذي يزلزل كيان المؤمن خشية أن يأتي بشيء يعتبر من قريب أو بعيد من جرم القذف الذي وللأسف أكبر المتساهلين فيه هم بعض المتدينين ومن يعتبرون أنفسهم حاملين لرسالة الدين، حيث نرى أنهم في كتاباتهم بمواقع التواصل الاجتماعي وتصريحاتهم لا يترددون في رمي نساء عفيفات مؤمنات حتى بالاسم بأقذع الأوصاف التي لها دلالة القذف لأنهن طالبن بحقوق النساء التي كفلها الإسلام. وقال الفقهاء إن من صيغ القذف بالفاحشة ضمنيا كلمات مثل: فاجرة، فاسقة، ساقطة، خبيثة، وأيضا العبارات التي تتضمن تشكيكا بالاستقامة، ورمي الوالدين بالزنا، والتي تتضمن تلميحا ذا دلالة على الاتهام بالفاحشة كوصف المرأة بأنها «تتحين الخلوة» واتهامها بأنها تبغي السوء والتحرش، وما تفعله موافق للبغايا و«عهر» و«دياثة» وما يشابهها من التعبيرات الشائعة، وقد حرم الشرع القذف وجعل عليه عقوبة قضائية شديدة يجب عدم التهاون بها خاصة بمثل وقتنا حيث استمرأ كثيرون قذف النساء، فوق العذاب الأخروي الوارد بالآية والذي يزلزل كيان من يقرؤها بوعي. كما أنه بالإضافة لكل هذا، فمن ثبت عليه القذف وأقيم عليه الحد لا تقبل له شهادة أبدا وإن تاب واعترف ببطلان ما رمى به الضحية من سوء، لقوله تعالى: (ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا). والقذف من الكبائر والموبقات السبع التي ذكرها النبي عليه الصلاة والسلام، ففي الصحيحين أنه قال: «اجتنبوا السبع الموبقات» وذكر منهن «قذف المحصنات المؤمنات الغافلات». وقال أيضا «من قال في مؤمن ما ليس فيه أسكنه الله ردغة الخبال حتى يخرج مما قال وليس بخارج». صححه الألباني، ردغة الخبال: عصارة قيح وإفرازات أهل النار. والكارثة أن القذف بات نمطا سائدا ومعتادا من بعض المتدينين بحق النساء العفيفات إذا طالبن بحقوقهن أو تصرفن بشكل غير معتاد لكنه غير محرم أو قمن بانتقاد سلبيات دوائر تقليدية، وعندما يرى ويسمع ويقرأ النشء من هم في مكانة المعلمين والمربين والآباء تصدر منهم كلمات وعبارات القذف التي لا يمكن أن تصدر عن إنسان نبيل راق بشكل حقيقي ومحافظ على المثاليات العليا بحق، سيحصل أمر من اثنين؛ إما سيسقط القاذف من عين النشء الذين سيحتقرونه بسبب بذاءته، أو إن كانوا متعصبين له فسيعتبرون أن استعماله للقذف يعني؛ القذف هو السلوك الديني الأخلاقي الذي يجب أن يقوم به المتدينون الصالحون!