برعاية الملك.. تُقام المباراة النهائية على كأس خادم الحرمين الجمعة القادمة في جدة    نائب أمير مكة يُدشّن ويضع حجر أساس ل (121) مشروعًا بيئيًا ومائيًا    التدريب التقني بعسير يقيم الحفل الموحد للخريجين والخريجات لعام 1445 ه    البريد السعودي سبل يواصل استعداداته لموسم حج 1445    16% نسبة الحركة السياحية السعودية في الأردن    بدء التسجيل العقاري في 7 مناطق عقارية بالرياض ومكة المكرمة    سمو أمير تبوك يرعى حفل تخريج الدفعة الثامنة عشرة لطلاب وطالبات جامعة تبوك    لن تكون ليلة وداعه.. الاتحاد يخسر رومارينيو أمام النصر    تعليم الطائف يدعو للتسجيل في خدمة النقل المدرسي    توقيع اتفاقية بين سجون الشرقية وجمعية السكر السعودية    مستشفى أبها للولادة والأطفال يُقيم فعالية "اليوم العالمي لارتفاع ضغط الدم"    ووكر : السيتي لم يخسر كأس الاتحاد الإنجليزي بسبب الاحتفالات    وسط تأكيد إسرائيلي ونفي من حماس.. مساعٍ لإحياء مفاوضات «الصفقة»    القيادة تهنئ رئيس جمهورية الدومينيكان بمناسبة إعادة انتخابه لفترة رئاسية جديدة    غدا.. أول تعامد للشمس على الكعبة خلال العام الجاري    تعاون لإحياء المواقع التراثية بالمملكة    الدكتور الربيعة يلتقي وزير الصحة العامة والسكان اليمني    مبابي: سأرحل مرفوع الرأس    التعليم الإلكتروني: "الذكاء" بالبحث والواجبات غش    طلائع حجيج طاجيكستان يغادرون إلى مكة    ارتفاع عدد الشهداء الفلسطينيين بغزة إلى 35984    إيداع 978 مليوناً دفعة مايو لمستفيدي سكني    نائب أمير الشرقية يطلع على التقرير السنوي لمديرية الدفاع المدني بالمنطقة    السفير السعودي لدى سورية: أشكر خادم الحرمين وولي العهد على الثقة الملكية بتعييني    إزالة "سن مطمور" اغلق مجرى تنفس لمريضة بعنيزة    مشرفو الحملات الإندونيسية: مبادرة "طريق مكة" طاقات بشرية وفنية سعودية من أجل راحة حجاج بيت الله    رحيمي يرد على انتقاله إلى دوري روشن السعودي    القبض على 3 وافدين بتأشيرة زيارة لترويجهم حملات حج وهمية    جمعية البر بالشرقية تتأهب للتميز الأوربي    "الداخلية" تقيم المعرض المتنقل "لا حج بلا تصريح" بالرياض    أمانة القصيم تركب لوحات قاعة الأمير بدر بن عبدالمحسن    لقاء أمير منطقة حائل مع أكبر خريجة في جامعة حائل يجد تفاعلاً واسعاً    رياح نشطة على أجزاء من الشرقية والرياض    إسرائيل.. استعمارية حاقدة    إصدار كتاب حول الأحداث البارزة لمنتدى التعاون الصيني- العربي على مدى ال20 عاما    رئيس وزراء السنغال يلتقي وفد مجلس الشورى في العاصمة دكار    «عيادات دله» تسعى لتقديم خدمات طبية بجودة عالية لأفراد الأسرة وطب الأسرة: رعاية وقائية وعلاجية بالقرب منك    الديب: 5 عوامل وراء رفع تصنيف السعودية الائتماني    أمير تبوك يرعى حفل تكريم خريجي مدارس الملك عبد العزيز    ماكرون واللجنة الوزارية يبحثان التحرك لإيقاف الحرب على غزة    زلزال بقوة 6,3 درجات يضرب قبالة أرخبيل فانواتو    الأهلي المصري يتوج بدوري أبطال إفريقيا    عفوا.. «ميكروفون الحارس يزعجنا» !    رمز الضيافة العربية    عرض فيلم " نورة " في مهرجان كان    «مجرم» يتقمص شخصية عامل نظافة ل20 عاماً    الماء (3)    حلقة نقاش عن استعدادات "رئاسة الهيئة" لموسم الحج    يطلق عروسه بسبب لون عينيها    "جامعة الحدود الشمالية" في خدمة الحجيج    أكد حرص القيادة على راحة الحجاج.. أمير الشمالية يتفقّد الخدمات في« جديدة عرعر»    واتساب يختبر ميزة لإنشاء صور «بAI»    وزير الحرس الوطني يرعى تخريج دورة الضباط الجامعيين    عزى هاتفياً رئيس السلطة بالإنابة في إيران.. ولي العهد وماكرون يبحثان تطوير التعاون ومستجدات غزة    مبدأ لا حياد عنه    ولي العهد يعزي محمد مخبر هاتفياً في وفاة رئيسي وعبداللهيان ومرافقيهما    «سكوبس» العالمية تصنف مجلة «الهندسة» بجامعة الملك خالد ضمن قواعدها العلمية    الدفاع المدني: تمديد التراخيص متاح عبر «أبشر أعمال»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



علي الدميني.. وحسب !
نشر في عكاظ يوم 11 - 05 - 2015

«الخبت».. كانت مدخلي إلى معرفة الشاعر علي الدميني معرفة شعرية تحولت إلى شخصية لاحقا. في لحظة من لحظات الزمن البعيد تحولت الخبت من واقع جغرافي وإنساني كمحتشد بالرؤى والدلالات إلى مادة معرفية جديدة ومفعمة بالأسرار والخبايا بالنسبة لي.
قصيدة الخبت لعلي الدميني التي تحمل هذا العنوان لم تكن مجرد قصيدة في تاريخ معرفتي بالدميني وشعريته بقدر ما كانت أيضا مدخلا أوليا إلى قراءة الشعر السعودي الحديث كله. لم أكن قبل الاطلاع على هذه القصيدة، أعرف شيئا مهما عن تحولات القصيدة السعودية الحديثة، ولكنها كما يبدو كانت المدخل المناسب لرسم المشهد لاحقا.
كنت طالبة في جامعة الكويت، في نهاية الثمانينات من القرن المنصرم، أحضر جلسات أسبوعية يعقدها لنا في مكتبه أستاذ مادة الفلسفة الإسلامية الدكتور أحمد الربعي رحمه لله، وكان من عادته أن ينهي هذه الجلسة بقصيدة مختارة من قبله ويطلب من أحد الطلبة والطالبات الحاضرين إلقاءها على مسامع الحضور ثم توزيعها مطبوعة عليهم تحضيرا للنقاش حولها في جلسة الأسبوع المقبل.
في بداية إحدى تلك الجلسات، أعطاني الربعي ورقة مطبوعة عليها قصيدة الخبت. ولم أعرف شاعرها، لكنه طلب مني أن أقرأها سريعا بيني وبين نفسي لأنني سألقيها في نهاية الجلسة كالعادة.
لم أكن أعرف معنى عنوان القصيدة وخجلت أن أسأله عنه، ولاحظوا أننا لم نكن في زمن غوغل يومها، فاكتفيت بالقراءة مرة ومرات حتى شردت عما يقال في الجلسة ولم انتبه إلا والدكتور يطلب مني أن ألقيها على الحضور، فألقيتها بصوتي المبحوح كعادتي، ولكنني هذه المرة حاولت أن أكون مختلفة قليلا، أن أتخلى عن ترددي وخجلي، أو أقف بدلا من الإلقاء جلوسا، أن أظهر للجميع بدلا من التواري المتعمد سابقا، وأن أعيد بعضا من المقاطع بتؤدة وهدوء بدلا من السرعة التي كانت تجعل أستاذي يطلب مني التمهل، وبتمثل كل ما أمر عليه من معان. كانت القصيدة أجمل من كل ما سبق، وكنت مسحورة ومبهورة بقصيدة تشبهني تماما، وتبعث بداوتي اليتيمة في قلب المشهد لتنتصر لي ولنفسها أمام تعليقات الآخرين المختلفين عني. كنت أريد الانتقام من خلال قصيدة جميلة لا أعرف قائلها بعد، من كل القصائد الجميلة الأخرى التي سبق وأن ألقيت في ذاك المكان وغيره لشعراء رائعين، لكنهم لا يشبهون واقعي الغريب قليلا. سبق لي أن ألقيت قصيدة لأمل دنقل وأخرى للبياتي وثالثة ليوسف الخال ورابعة لصلاح عبدالصبور، وسمعت قصائد أخرى لشعراء آخرين أيضا، لكنها المرة الأولى التي كنت سألقي فيها قصيدة يستعين شاعرها بمفردات تغازل ما تبقى من بداوة بين تضاعيف عباءتي لتقاوم ما اكتشفته مظاهر للحياة المغرقة في حداثتها وتباشير عولمتها بشكلها اليومي بين أقراني في جامعة الكويت عندما دخلتها لأول مرة!
كنت قد انتميت للخبت شعرا وجغرافيا فعلا وأنا استعد لإلقائها. أرخيت عباءة الرأس التي كنت ألبسها وتميزني عن كل طالبات المجموعة الحاضرة في ذلك الزمن الكويتي البعيد، على كتفي، ورفعت صوتي بكل القصيدة:
«لا تقرب الأشجار، غافلني الفؤاد فمسها، وهبطت
من عالي شيوخ قبيلتي أرعى جراحي
هذا بياض الخبت، أهمز مهرتي للبحر
أرسنها إلى قلبي، فتجتاز المسافة
حجر على رمل المسيرة، هودج، حمل،
وأغصان من الرمان، هل تقفز؟
كنت قد قفزت إلى واقع شعري جديد فعلا عندما انتهت الجلسة في ذلك اليوم.
لم أكن أعرف الشاعر لا بالاسم ولا بغيره.
أعرفه بالخبت وحده، وكانت الخبت بوصلتي إلى المكتبة لأبحث عن المعنى في اللغة أولا ثم في الجغرافيا وفقا لما أحالتني إليه اللغة.
لم أكن أحتاج للجلسة النقدية التالية. كيف أعرف أن «الخبت» قد حلقت في سماء القصيدة العربية وتجاوز بها شاعرها الكثير من مجايليه العرب بإصراره على الانبعاث الشعري من عمق أرضه الطيبة الضاربة في أعماق البعد والتاريخ والوطن والجمال.
بعد تلك الجلسة، التي سحرتني شعرا وخبتا، وصالحتني على موروثي بسنوات، كان صاحب الخبت يخاطبني في مراسلاته ومكالماته لي بالنداء المحبب؛ «يا صديقتي». فأي صداقة يمكن أن تنبت بين رجل وامرأة في الجزيرة العربية على أرض قصيدة؟ لكن هذا ما حدث فعلا واستمر طويلا وكثيرا بلا لقاء شخصي.
لم يكن من المهم جدا بالنسبة لي أو له أن نلتقي شخصيا ولم يكن مخططا للقاء الذي تحقق أخيرا أن يبدو بتلك الأهمية فعلا لولا أنه جاء بدوره في ظرف استثنائي لم نقو نحن الإثنان على الخروج من أسره الحزين لحظتها إلا بالدموع.
استرجع الآن ما كتبه الدميني عن ذلك اللقاء في أحد كتبه، فأقع في شرك الالتباس ما بين التباهي بوجود اسمي في ذاكرة الرجل المحتشدة بكل ما يمليه عليه ضميره الإنساني والأدبي وما رآه جديرا بالتسجيل والتدوين، وبين التأسي على ذلك اليوم الجليل الذي استقبلت فيه الشاعر في مكتبي بجريدة القبس بدموع حزينة وروح تقاوم الاختناق.
* جزء من شهادة الشاعرة سعدية مفرح
في تجربة المبدع علي الدميني شعرياً ونقدياً


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.