السيولة في الاقتصاد السعودي تبلغ أعلى قمة في تاريخها بأكثر من 2,823 تريليون ريال    مركز التحكيم التجاري الخليجي يطلق مبادرة "الأسبوع الخليجي الدولي للتحكيم والقانون"    أمير المدينة يستعرض دور منظومة النقل في خدمة ضيوف الرحمن    حرس الحدود بجازان يحبط تهريب 185 كيلوجرامًا من نبات القات المخدر    محمد بن ناصر يقلّد اللواء الحواس رتبته الجديدة    انطلاق المؤتمر الوطني السادس لكليات الحاسب بجامعة الإمام عبد الرحمن بن فيصل    إثراء" يسرد رحلة الأفلام السعودية في 16 عام عبر "متحف حكاية المهرجان"    «استرازينيكا» تسحب لقاحها ضد كوفيد-19 بسبب «تراجع الطلب»    صالات مخصصة ل"طريق مكة" في 11 مطاراً ب7 دول    سجن مواطن 15 عامًا لترويجه وحيازته الإمفيتامين    وزير التعليم: الفصول الثلاثة تحت الدراسة    المنتخب السعودي للعلوم والهندسة يغادر غداً أرض الوطن للمنافسة على جوائز آيسف 2024    هيئة شؤون الأسرى الفلسطينية : الاحتلال اعتقل 8640 فلسطينياً في الضفة الغربية    «أبشر»: تحديثات مجدولة للأنظمة يوم الجمعة.. لمدة 12 ساعة    وزير التجارة يزور تايلند لبحث تعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدين    منظمة التعاون الإسلامي تُدين بشدة تصاعد وتيرة العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة    مختص يحذر من الاحتراق الوظيفي ويشدد على أهمية توفير وحدات لقياسه داخل بيئات العمل    بدر بن عبدالمحسن: أمير الشعراء وصوت البسطاء    ارتفاع المخزونات الأمريكية يهبط بالنفط    أول مصنع لإنتاج القهوة في جازان    تركي الدخيل: احذروا تشغيل المحافظ الاستثمارية عبر غير المرخصين    ارتفاع حصيلة ضحايا الفيضانات في البرازيل إلى 95 قتيلاً    توطين وتخطيط.. أدوار الهيئة السعودية للمياه    «إنفاذ»: 30 مزاداً لبيع 161 عقاراً    برعاية وزير الإعلام.. تكريم الفائزين في «ميدياثون الحج والعمرة»    مهما طلّ.. مالكوم «مالو حلّ»    أمير الشرقية ونائبه يتلقيان تهاني الرزيزاء بتأهل القادسية لدوري روشن    «الشورى» يسأل «الأرصاد»: هل تتحمل البنى التحتية الهاطل المطري ؟    محمد عبده اقتربت رحلة تعافيه من السرطان    4 أمور تجبرك على تجنب البطاطا المقلية    وزير الخارجية الأردني ونظيره الأمريكي يبحثان الأوضاع في غزة    «التواصل الحضاري» يعزز الهوية الوطنية    "الهلال" يطلب التتويج بلقب دوري روشن بعد مباراة الطائي في الجولة قبل الأخيرة    بيئةٌ خصبة وتنوّعٌ نباتي واسع في محمية الملك سلمان    أمير المدينة يرعى حفل تخريج الدفعة ال60 من طلاب الجامعة الإسلامية    أمين الرياض يحضر حفل سفارة هولندا    الشورى يدعو لتحديث كود البناء السعودي    مستشفى الدكتور سليمان الحبيب بالسويدي يُجري جراحة تصحيحية معقدة لعمليات سمنة سابقة لإنقاذ ثلاثيني من تبعات خطيرة    الحرب العبثية في غزة    تحقيقات مصرية موسعة في مقتل رجل أعمال إسرائيلي بالإسكندرية    استقبل مواطنين ومسؤولين.. أمير تبوك ينوه بدور المستشفيات العسكرية    الأمير خالد بن سلمان يرعى تخريج الدفعة «21 دفاع جوي»    عبدالغني قستي وأدبه    بدر الحروف    ولي العهد يعزي هاتفياً رئيس دولة الإمارات    المدح المذموم    البدر والأثر.. ومحبة الناس !    تغريدتك حصانك !    هزيمة الأهلي لها أكثر من سبب..!    الأول بارك يحتضن مواجهة الأخضر أمام الأردن    بونو: لن نكتفي بنقطة.. سنفوز بالمباريات المتبقية    ديميرال: اكتفينا ب«ساعة» أمام الهلال    اختتام دور المجموعات للدوري السعودي الممتاز لكرة قدم الصالات في "الخبر"    الاحتلال يتجاهل التحذيرات ويسيطر على معبر رفح    أمير تبوك يستقبل المواطنين في اللقآء الأسبوعي    الأمر بالمعروف في جازان تفعِّل المصلى المتنقل خلال مهرجان الحريد    وزير الدفاع يرعى تخريج طلبة الدفاع الجوي    ريادة إنسانية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ولادة بنت المستكفي .. رهان الجرأة والكبرياء
نشر في عكاظ يوم 05 - 04 - 2014

لا بد لي من الصعود عاليا في حضرة هذه «الولادة».. علوا يسقط عني عمدا معطيات الجغرافيا بوضعها الراهن، فالنظر إلى أسفل الخريطة لن يظهر لي فردوسا مفقودا في ديباجة «الأندلس»، ولن يجلي لنظري «قرطبة» في جلالها التاريخي العتيد.. فأنا أحتاج التاريخ فقط في رحلة الصعود إلى «ولادة».. تاريخ بوضع «انتقائي»، أسقط فيه عن خاطري نوازع الجدل التي ما زالت كتب التاريخ مشغولة بفك رموزها بأدوات التحيز والتحيز المضاد، لا حياد ولا موضوعية.. ليبقى السؤال قائما يطارد السابقين واللاحقين: هل ما تم في الأندلس «فتح» أم «غزو»؟، والمحصلة من كل ذلك ذهاب «الأندلس» عن ساحة الجغرافيا وحضورها في ذاكرة التاريخ، وقيام «إسبانيا» مكانها، هذه هي الحقيقة التي لن يكون في مقدور كل «البكاء» العربي أن يتعامى عنها، أو يتجاهلها، وما عليه إلا أن يتعامل معها بغير «حنين مرضٍ»، وما عليه من بأس لو عشقها وتخيل صلة دم قائمة في بنيها، وأحب معها «ريال مدريد» و«برشلونة»، فما عن الواقع مهرب.
لا حاجة بي الآن إلى كل هذا، فما لهذا شرعت في إيقاظ ولادة من مرقدها، وقد شارفت نومتها في قبرها أن تبلغ الألف عام إلا قليلا، فإن صحت الروايات التاريخية عن حياتها وموتها؛ فرحيلها كان في يوم 2 صفر 484ه الذي وافقه بالتقويم الميلادي يوم 26 مارس عام 1091م، بعد أن عمرت طويلا في الحياة..
«ولادة»، لا غيرها، عبرت المسافة من «الأندلس/ إسبانيا» إلى جازان، عروس جنوبنا الحبيب.. عبرت بكل جرأتها، وشممها وتعاليها.. عبرت بكل إرثها الأدبي وسيرتها التي جسدت رهان «الجرأة والكبرياء» أبلغ تجسيد.. عبرت بعد أن سمعت نداء مثقفات من جازان نادينها نداء العارفات، واستلفن اسمها بكل حمولته التاريخية والأدبية ليكون عنوانا لمنتداهن الثقافي، فما أنفذ بصائرهن، وما أجرأ رهانهن وهن يضعن هذا الاسم «ولادة» على ديباجة ومدخل منتداهن الأدبي الثقافي.
هل قلت الجرأة والكبرياء..؟
نعم؛ كان ذلك مني توصيفا يستوجب أن أسند ظهره بملامح من تاريخ هذه «الفاتنة الأندلسية»، فإن ذهبت تستدعيها استدعاء مستقصٍ عنها فستعرف أنها ولادة بنت محمد بن عبدالرحمن الخليفة «المستكفي بالله»، وأمها جارية من الأندلس/ إسبانيا اسمها «سكرى»، نهران جريا في دمها، نهر الأم بدا واضحا في شعرها الأشقر الأصهب، وعينيها الزرقاوين، وقوامها الذي يصف «المعتدلون» غير المتبذلين، أنه كان ممشوقا معتدلا، خفيفا إذا أردتها حين الوثوب والقيام، في رشاقة ظبي عربي ألقت به المطامح في غير منبته حين رحل الوالد «المستكفي بالله» أميرا أمويا راح مغدورا في غمرة الدسائس والمكائد التي اغتالت الحلم، وأضاعت ما كان، وما أبقت إلا جرحا أخضر، ونواحا عربيا مستمرا. هكذا بدت «ولادة» على هذا السمت من الجمال الأندلسي، ولا حرج إن قلت الإسباني بمعطيات اليوم، فانظرها إن شئت في مثال الجمال الإسباني القائم اليوم، لا حرج عليك إنما هو خيال، وزد على خيالك فصاحة امرأة ورثت ذلك من أب عربي، فصاحة وبيان تجلى في نصاعة شعرها، وجمال نثرها، وعذوبة مبسمها المحدث والمفصح والمبين، فأعدت لها في ذاكرة التاريخ منتدى يؤمه العلية والمتأدبون، ويطل رفيقا لها في ذلك ابن زيدون.. خلاسية كانت إذن «ولادة».. ضوأت كتب التاريخ بجرأة «إسبانية»، و«فصاحة» عربية. هل كان منتدى «ولادة» الذي أقامته في بيتها حالة «تعويض» عن خلافة أضاعها والدها، وحملها وزر الندم عليه، هذا ما وشى به لي «حاتم علي» صاحب المسلسل الجميل «ملوك الطوائف»، وقد أظهر إنشاؤها لذلك المنتدى على قاعدة البحث عن صورة من صور الانتقام، بحيث تظهر براعتها الأدبية قرينة بجمالها المائز، ودلالها المعذب، فتزيد ظمأ الواردين، ولا تمنح ظامئا منهم رشفة من سلاف، أو عطية من قرب، وهي في استعصامها ذلك متبذلة في الشعر أشد التبذل، ومتجرئة أشد ما تكون الجرأة، بمقياس ذلك الزمان وحتى هذا الزمان، فعلى أي مقياس غير مقياس «الجرأة» يمكن أن يتعاطى العقل والوجدان مع قول فتاة بارعة الحسن، فاتنة المحيا:
أنا والله أصلح للمعالي
وأمشي مشيتي وأتيه تيها
أمكن عاشقي من صحنِ خدي
وأعطي قبلتي من يشتهيها..
إن مضيت في «أحابيل» هذين البيتين، فستجد أمامك فتاة مبذولة «صحن الخد» لمن عشقها، لا من عشقته هي، ومعطية شفتيها لمن «اشتهى» لا من اشتهته هي.. فإذا وصلت إلى ذلك من القراءة «السطحية» للبيتين، فإن التاريخ سيصدمك حقا حين تعلم أنها كانت أبعد شأنا من هذا التبذل، فلكم استعصمت على عاشقها ابن زيدون الذي تخيرته من بين كافة «المتساقطين» على عتبتها، فلم تعطه من خدها إلا جانب الإعراض، وما ضمت شفتيها في مقامه إلا إضمامة العابسة المنكرة له بعد صفاء ود وحب أرادت له صاحبته أن ينمو نموا مثمرا بين شاعر وشاعرة، وأديب وأديبة، فإذا «ابن زيدون» فيما يذكرون يثير غيرتها بمغازلة جارية لها حسنة الصوت، فما كان منها إلا أن كادت لها كأقسى ما تكيد النساء وإن كيدهن عظيم فاختارت من هو أدنى منه رتبة وأخلى منه موهبة وسيطا واتخذته عشيقا «ضرة»، لا تبتغي من ذلك غير «ضرب» المتمرد عليها، والمستعلي بما لديه دونها، فجاء العتب أول الأمر شعرا إذ تقول «ولادة»:
لَو كنت تنصف في الهوى ما بيننا
لم تهو جاريتي ولم تتخيرِ
وتركت غصنا مثمرا بجماله
وجنحت للغصنِ الذي لم يثمرِ
ولقد علمت بأنني بدر السما
لكن دهيت لشقوتي بالمشتري.
وكان الفراق في آخر الأمر الذي وثقه «ابن زيدون» في رائعته النونية والتي استهلها نادما بقوله:
أضحى التنائي بديلا من تدانِينا
وناب عن طيبِ لقيانا تجافِينا.
وتبعها ب«بكائيات» دوامع أخريات، رائعات في ميزان الشعر الإنساني الباذخ، ما أروع قوله:
ودع الصبر محب ودعك
ذائع مِن سره ما استودعك
يقرع السن على أن لم يكن
زاد في تلك الخطى إذ شيعك
يا أخا البدرِ سناء وسنى
حفظ الله زمانا أطلعك
إن يطل بعدك ليلي فلكم
بت أشكو قصر الليل معك..
ومضى العمر بولادة ولم تتزوج، حتى ضمها بطن الثرى.. فيا «ولادة» سيطول بنا المكوث في حضرتك ما دمت قد جئت إلى جازان في حضرة مثقفاتها البارعات، أيقظي روحك في منتداهن، وضوعي بعطر حديثك مجلسهن، فهن إليك في رهانك الأدبي بين الجرأة والكبرياء في مسيس الحاجة ليخرجن من أنماط المنتديات الأدبية المعلبة الباردة إلى منتديات جريئة وساخنة.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.