71.5% من الأنشطة العقارية بالرياض    2.31 تريليون دولار قيمة الإقراض بالبنوك الخليجية    السوق السعودية يغلق الأسبوع على مكاسب محدودة    الأنظمة النباتية للأطفال بشروط واضحة    حقن التخسيس تدخل عالم القطط    الهلال يتغلّب على المحرق البحريني بهدف ودياً    الدكتور شجاع آل روق يحتفل بزواج ابنه عبدالعزيز    رب اجعل هذا البلد آمنا    ترمب: هجوم تدمر حدث في منطقة خارج سيطرة الحكومة السورية    ضبط 5 إثيوبيين في جازان لتهريبهم (144) كيلوجرامًا من نبات القات المخدر.    «هوبال» يحصد جائزة «فاصلة» لأفضل فيلم سعودي    انطلاق مؤتمر الشبكات الذكية الاثنين المقبل في الرياض    العزاب يغالطون أنفسهم    سلوت يؤكد أن مستقبل صلاح ليس محل نقاش ويستبعد رحيله عن ليفربول    تشكيل منتخب السعودية المتوقع أمام الأردن في كأس العرب    مقابر واحتجازات تورط الدعم السريع    السعودية تواصل إيواء النازحين في جنوب غزة    غزة بين آثار الحرب والطقس القاسي مع استمرار الضربات العسكرية    للكشف عن آخر تحضيرات الأخضر .. "ريناد" يتحدث للإعلام قبل مواجهة الأردن    الملك يرعى الحفل الختامي للعرض الثامن لجمال الخيل العربية الأصيلة    أمير الشرقية يرعى حفل تكريم الفائزين بجائزة الأحساء للتميز في نسختها الثالثة الاثنين القادم    برعاية محافظ الخرج... انطلاق المؤتمر العلمي ال21 للجمعية السعودية التاريخية    المملكة تشارك في مؤتمر رابطة مكافحة الفساد (IAACA) واجتماع اللجنة التنفيذية للرابطة بدولة قطر    هطول أمطار رعدية على مناطق المملكة من يوم غدٍ الأحد حتى الخميس المقبل    تنمية الشباب.. الفرص والتحديات من منظور حقوق الإنسان    لوحة «أ ب ل 1447» توثق رمزية مهرجان الإبل في معرض وزارة الداخلية    فريق قوة عطاء التطوعي يحتفي باليوم العالمي للتطوّع ويكرّم أعضاءه    رسالة من كانسيلو تثير الغضب    الأردن يعلن إصابة النعيمات بقطع في الرباط الصليبي    ضبط (19576) مخالفاً لأنظمة الإقامة والعمل وأمن الحدود خلال أسبوع    ورشة عمل في فندق كراون بلازا تحت إشراف جمعية القلب السعودية ضمن حملة 55 قلبك بخير    "البيئة" تدعو لتبني سلوكيات التخييم الآمن والتنزه المسؤول خلال فصل الشتاء    كشف السلطة في محل الفول: قراءة من منظور فوكو    سماء المنطقة العربية تشهد زخة قوية من الشهب هذه الليلة    وزراء دفاع الولايات المتحدة وأستراليا وبريطانيا يبحثون اتفاقية "أوكوس"    أمسية شعرية وطنية في معرض جدة للكتاب 2025    مدرب الجزائر: محبطون للخروج من كأس العرب.. خسرنا بركلات الحظ    الاتحاد السعودي للتسلق والهايكنج ينفّذ فعالية هايكنج اليوم الدولي للجبال بالباحة    تصوير الحوادث ظاهرة سلبية ومخالفة تستوجب الغرامة 1000 ريال    رئيس دولة إريتريا يصل إلى جدة    تحت شعار "جدة تقرأ" هيئة الأدب والنشر والترجمة تُطلِق معرض جدة للكتاب 2025    الطائف تحتضن حدثًا يسرع الابتكار ويعزز بيئة ريادية تقنيه واعدة في CIT3    إمام وخطيب المسجد النبوي: رحمة الله تسع العاصي والجاهل والمنكر    إمام الحرم: بعض أدوات التواصل الاجتماعي تُغرق في السطحيات وتُفسد الذوق    أمير منطقة جازان يشرّف الأمسية الشعرية للشاعر حسن أبوعَلة    محافظ جدة يطّلع على مبادرات جمعية "ابتسم"    نائب أمير الرياض يعزي أبناء علي بن عبدالرحمن البرغش في وفاة والدهم    نائب أمير جازان يستقبل الدكتور الملا    أمير المدينة المنورة يستقبل تنفيذي حقوق الإنسان في منظمة التعاون الإسلامي    مستشفى الملك فهد الجامعي يعزّز التأهيل السمعي للبالغين    أسفرت عن استشهاد 386 فلسطينيًا.. 738 خرقاً لوقف النار من قوات الاحتلال    زواج يوسف    ترفض الإجراءات الأحادية للمجلس الانتقالي الجنوبي.. السعودية تكثف مساعيها لتهدئة حضرموت    غرفة إسكندراني تعج بالمحبين    القيادة تعزّي ملك المغرب في ضحايا انهيار مبنيين متجاورين في مدينة فاس    ضمن المشاريع الإستراتيجية لتعزيز الجاهزية القتالية للقوات الملكية.. ولي العهد يرعى حفل افتتاح مرافق قاعدة الملك سلمان الجوية    طيور مائية    ولي العهد يفتتح مرافق قاعدة الملك سلمان الجوية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



البديل
نشر في عكاظ يوم 21 - 12 - 2013

المعزيات اللواتي توافدن الليلة لتعزية أمي لم يجدن ما يتشاركن فيه معها سوى البكاء.
هن لا يعرفنني ولا يعرفن الكثير عني، ولا يعرفن إن كنت ولدا طيبا أو حتى نصف طيب.
وربما لا يعرفن أني كنت أغازل البنات، وأكتب لهن رقم هاتفي في الهواء، وأخط على الجدران حرفين من اسمي وأسماء الكثيرات منهن، ولا يعرفن أني كنت أدخن خلسة، ولا يعرفن أني كنت أمد أولاد الحي بالكتب المهربة وروايات العشق المحرم ثم أسماء المواقع المحجوبة فيما بعد.. لكنهن يبكين لأن أمي كانت تبكي.. ولأن النساء دائما بحاجة للبكاء ولأني ميت والموت يغفر كل الخطايا.
أما وقد مت ولم يعد هناك ما يخشى منه فإني أقول لهن إني أبدا لم أكن ذلك الولد الطيب كنت ككل أولاد الحي أتجمل لأبدو طيبا ولكني أيضا لم أكن ذلك الولد السيئ على كل حال؛ كنت بين بين.
والكثير من سيئاتي لا تعرفها حتى أمي؛ وربما تعرفها وتتظاهر أنها لا تعرفها.. وكيف لا تشم رائحة السجائر التي كانت تلوث ملابسي مثلا؟ والكتب السيئة التي كنت أخبئها تحت الفراش وهي من كانت تلتقطها، هي لا تعرف القراءة لكنها تدرك أن هذه الكتب وقد خبأتها هناك ليست بريئة على كل حال، لكنها لم تشِ بي ولو مرة واحدة لأبي، وهي تعرف أني أتظاهر أني أصلي الفجر لكني لا أفعل كانت فقط تتظاهر أنها لا تعرف.. وليست وحدها من يفعل ذلك كل الأمهات يفعلن.
واللواتي يبكين الليلة يبكينني أنا لكنهن أيضا يبكين من الفجيعة ويتمثلن في أحد أبنائهن، يتمثلن حزن أمي ويبكين بحرقة.. وللبكاء حبر واحد حبر من رماد.
وأنا الآن ولد ميت .. حادث السيارة اللعين غافلني واختطفني أنا ولم أكن أنا الشخص الذي كان يجب أن يموت .. ولم أكن مستعدا للموت أصلا .. أنا كنت البديل كنت العوض وغالبا ما كنت أكون، وذلك المشوار الأخير كان يفترض أن يفعله شخص آخر.. ربما أبي.. أخي الأكبر .. ولكن حتما ليس أنا، غير أني أنا من فعل وأنا من مات وأنا الذي اجتمعت نساء الحي من أجله للبكاء.
وأتذكر (والموتى يتذكرون أيضا) المرة الأولى التي كنت فيها بديلا عن آخر، كان ذلك عندما أحببت الفتاة القبيحة التي لم يكن يحبها أحد.. أتذكر أني كنت صغيرا لكني منحت قلبها قطعة سكر.. وأتذكر أنها خذلتني عندما التقت أول فتى وسيم أحبها وتركتني، وأتذكر أني لم أحزن كثيرا.. ربما كنت صغيرا حتى على الحزن.
بل وأتذكر قبل ذلك أني كنت الولد الثالث بعد ولدين في العائلة.. وأن العائلة كانت تنتظر بنتا فجئت أنا، ولم تبتهج أمي كثيرا غير أنها رضيت بوجودي وكانت تضع في شعري شرائط ملونة (عندما كنت صغيرا) بالطبع.. وكانت تغني لي أغاني البنات.. وتلبسني الملابس التي كانت قد خبأتها من أجل البنت التي لم تأت وجئت أنا ولم يكن أحد يلوم أمي عندما كانت تفعل بل يتعاطفون معها وكنت أنا البديل عن البنت التي لم تصل.
وعندما كبرت كنت البديل في أشياء كثيرة.. بعامل القدر أو الصدفة.. تماما كما أنا الآن بعامل الصدفة وحدها ولد ميت.
مواقف كثيرة كنت فيها البديل.. أخي الأكبر الذي كان يكبر على ملابسه كنت أنا من يلبسها بعده وهو يلبس ملابس جديدة.. والقنوات التي كنت أشاهدها لا لأني أحبها ولكن لأن أخويَّ يحبانها وحتى الحلوى التي تشترى ليست ما أحب بل ما يشتهون هم.. وربما من أجل ذلك تعلمت التمرد مبكرا وتعلمت أن أكون كذابا وغشاشا ونذلا أحيانا وما البديل؟
لم أكن مستعدا للموت كنت أظن أني سأعيش طويلا.. ضاربة ودع مرت علينا ذات صبيحة وكانت تغني أغاني حزينة وتقرأ خطوط أكفنا الصغيرة.. وأتذكر أنها قالت لي إنك لن تموت حتى تحب حبا يأخذك لآخر الغياب.. وأن أمك ستشقى.. وضحكت وقلت لها إنه لا أم لي.. أنا يتيم.
وحدقت في عيني طويلا وقالت أنت تكذب.. عيون الأيتام كسيرة وليست كعينيك المسكونتين باللؤم ..لِمَ تكذب يا ولدي؟ وقلت لها إني أخاف أن أكون البديل.. وأن يسرق فرحي شخص آخر.. وحبي شخص آخر .. ولم تقل شيئا.. فقط مضت وواصلت الغناء وتركتني.
وكبرت وكان للفتيان حكاياتهم وأسرارهم وبقيت أنا أتذكر ضاربة الودع الحزينة وأنتظر الحب الذي بشرت به الحب الذي سيأخذني لآخر الأرض ويشفي أمي.
ومن أجل ذلك.. رافقت الوحدة والكتب ومن هم أكبر مني.. وتعلمت منهم كيف أدخن لأغدو كبيرا وتعلمت كيف أناضل كي لا أكون بديلا لأحد.. وكنت على يقين أني لن أموت حتى يصل هذا الحب الكبير.
غير أنه ورغم الحرص غافلني الموت.. وها أنا الليلة ولد ميت.. وأمي وحدها حزينة والقمر الذي أحبته كثيرا مكسور في غيابي.. والكثير من الأصدقاء أسقط رقم هاتفي من ذاكرتهم.. وأنا لست حزينا لأني مت.. ولا حزينا لأني أيضا كنت بديلا هذه المرة.. لكني حزين وربما للمرة الأولى لأن ضاربة الودع قالت لي إني لن أموت حتى أحب حبا يأخذني لأقصى الغياب ويكسر قلب أمي ومن غيري يفعل إن لم أفعل أنا؟
أنا حزين ربما لأني أدركت متأخرا ومتأخرا جدا أن الحب الكبير الذي سيأخذني لآخر المدى لن يكن سوى الغياب.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.