ممكن أن تتلف أعصابك وتذهب إلى طبيب وتقول له دون تردد: عندي مشكلة. وممكن جدا أن تقترب من حالة انهيار عصبي ويسعفك أحد من أهلك أو أصدقائك لأقرب مستشفى كي يتم إسعافك. وممكن جدا جدا أن يهبط عليك خبر كالصاعقة لتصيح وتنتحب قائلا: مصيبة. لكن اللا معقول أبدا أن تذهب بكامل قواك العقلية، وفي قمة انشراحك وانشكاحك إلى محل بيع اسطوانات الأغاني لتقول له: لو سمحت، أعطني «مصيبة»، وتدفع ثمن الاسطوانة طائعا مختارا ثم تقذف بها في جوف محرك الاسطوانات لتستمتع بمصيبتك التي اشتريتها بكامل إرادتك وحر مالك.. لا يحدث هذا إلا في زمن المعادلات اللا منطقية والتفاهة المتناهية الذي نعيشه الآن.. هذا الزمن الذي تكالب فيه علينا بعض الفارغين عقلا وإحساسا كي يجعلوا مأساتنا عميقة، وينثروا على جروحها ملحهم الفاسد، المؤلم جدا. لا بأس، التافهون ما أكثرهم، ولكن هل بالضرورة أن تتضامن وسائل الإعلام مع أذرعة الدعاية والإعلان لتصدمنا بهذا الأذى العظيم للحس الإنساني؟ هل بالضرورة أن تخضع قيم الإعلام لسطوة المال الطارئ وتتخلى عن رسالتها الرفيعة؟ المؤامرة على إفساد الفن كرحيق للروح بدأت منذ صرخت إحداهن بصوت كالح: «أنا ربي بلاني فيك بلوى، عشقتك والعشق أكبر مصيبة». لا بأس، تحملناها لأنها ليست محسوبة أساسا على الفن، وقلنا: الله يجبرها في مصيبتها التافهة، والأهم لأنها لم تسوق مصيبتها في وسائل إعلامنا. لكن أن تفتح صحيفة محلية، وأنت تهم برشفة من قهوة الصباح، لتصدمك صفحة كاملة عنوانها «مصيبة»، ثم ترمي الصحيفة لتجد بعدها أن كل الصحف وفي نفس الصفحة معنونة ب «مصيبة»، وتحتها صورة ضخمة لمطرب يبتسم لمصيبته التي يريد تسويقها، فذلك ما لا يمكن احتماله، ولا يمكن إيجاد عذر لمن شارك فيه.. مصيبة إيه يا شاعر ويا مطرب؟؟ احنا ناقصين؟؟ ناقصين ندندن على مصائب، وهي تتساقط فوق رؤوسنا صباح مساء؟؟ ناقصين تلحنها ونحن نتذوقها على الريق؟؟ لا.. وحتى يغيظنا أكثر، و«يفرسنا» أكثر، فإنه يطالعنا بابتسامة عريضة وهو يروج لمصيبته.. والله الحق مش عليك. لأن مصيبتك تكسب منها ملايين، ولأن الملايين أصبح مأواها جيوب الذين لم يعد لهم شيء يعبثون به غير أحاسيس البشر. الحق على إعلامنا الذي يسوق المصائب. للتواصل أرسل sms إلى 88548 الاتصالات ,636250 موبايلي, 737701 زين تبدأ بالرمز 259 مسافة ثم الرسالة