لم يكن يوما الإمام الشافعي منظرا للحياة دون واقع ودراسة وتجربة حياتية استقاها من مخالطة ومعاشرة للناس، واحتكاك ولد لديه المعرفة والمعلوماتية البشرية المختصة وسيكولوجية الإنسان، من حيث الأخلاق، المعدن، الكرم، الوفاء، الشجاعة، المروءة، البذل، التضحية، الإنسانية الحقة لخلق الإنسان، ورجاحة العقل والعمق، فيقول: والناس يجمعهم شمل وبينهم ** في العقل فرق وفي الآداب والحب كمثل ما للذهب الإبريز بشركة ** في لونه الأصفر والتفضيل للذهب ثم عاب كثير النقاد الصورة التشاؤمية لدى الشافعي في كثير من أشعاره وتصويره الحياة مع الناس، لكنني قد أكون مختلفا مع هذا الرأي لأن دارس حياة الشافعي يدرك إنسانيته وحبه للناس ومخالطته لهم، وأن هذه عصارة تجارب أرى أنها واقع مرير لدى الناس، ونجده يصور ذلك: إني صحبت الناس ما لهم عدد ** وكنت أحسب أني قد ملأت يدي لما بلوت أخلائي وجدتهم ** كالدهر في الغدر لم يبقوا على أحد وفي موقف آخر: ولما أتيت الناس أطلب عندهم ** أخا ثقة عند ابتلاء الشدائد تقلبت في دهري رخاء وشدة ** وناديت في الأحياء هل من مساعد فلم أر فيما ساءني غير شامت ** ولم أر فيما سرني غير حامد هذا زمن الشافعي، فكيف هذا الزمن الذي لعبت به المصالح المادية الدور الرئيس، مع اندفاع كبير إلى التفككات الاجتماعية، فأين نحن من قوله: ومن يقض حق الجار بعد ابن عمه ** وصاحبه الأدنى على القرب والبعد يعش سيدا يستعذب الناس ذكره ** وإن نابه حق أتوه على قصد لا شك أن التصميم أمر ممقوت، بل إنه مذموم فاعله، إلا أن المشار إليهم في أبيات الشافعي واستشاراته ليسوا الناس الذين ذكرنا صفاتهم سابقا، وإنما الناس الذين بلوا برداءة وهشاشة المودة للآخرين والإخلاص لهم، والذين كذلك ابتلاهم الله بداء الحسد: وداريت كل الناس لكن حاسدي ** مداراته عزت وعز منالها وكيف يداري المرء حاسد نعمة ** إذا كان لا يرضيه إلا زوالها أعود إلى إنسانية ومودة الشافعي وإقدامه على الخير فيقول: يا لهف نفسي على مال أفرقه ** على المقلين من أهل المروءات إن اعتذاري إلى من جاء يسألني ** ما ليس عندي لمن إحدى المصيبات [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 177 مسافة ثم الرسالة