شهدت منصات التواصل الاجتماعي موجة انتقادات حادة من الإعلام والجمهور تجاه قناة ثمانية، عقب وقوع خطأ فني أثناء إنتاج مادة إعلامية مرتبطة بالدوري، واللافت أن الحدث لم يُناقش في سياقه الفني الطبيعي، بل جرى تأطيره ضمن سردية "المؤامرة" الموجهة، بدون الأخذ في الاعتبار التعقيد الهائل لعمليات النقل والإنتاج الرياضي، وضرورة الوعي بأن الأخطاء التقنية ليست دائمًا دليل سوء نية. البث المباشر للأحداث الرياضية؛ يتطلب تشغيل أنظمة معقدة؛ كل منها معرض لأعطال مفاجئة رغم أعلى معايير الجودة، كما أن تعدد الأطراف في النقل الرياضي؛ كشركات الإنتاج، والفرق التقنية، ومزودي الخدمات، ذلك يجعل من احتمالية أن أي من الأطراف قد تكون سببًا في الخطأ في ظل الضغط الزمني، وهناك أمثلة عالمية حتى في تغطيات كأس العالم، أو الألعاب الأولمبية، وقعت أعطال تقنية رغم الجاهزية العالية، ولم تُفسر غالبًا كمؤامرات، وهذا الواقع يفرض وعيًا جماهيريًا بأن الأخطاء التقنية ليست مؤشرًا على الموقف التحريري، بل جزء من طبيعة العمل الميداني المعقد. إن التأطير العدائي قدّم العطل؛ بوصفه فعلًا متعمدًا، بدلًا من البحث في أسبابه الفنية المحتملة، وتصوير القناة كجزء من "خط إعلامي معادٍ"؛ جعل الحدث يأخذ أبعادًا أكبر من حجمه الفعلي، من خلال ربط الحادثة بحوادث إعلامية سابقة؛ لإثبات وجود "نمط" من العداء، حتى مع غياب الربط الموضوعي المباشر، وهنا تكمن أهمية عدم تحويل كل خطأ إلى اتهام مباشر، يخلق بيئة مشحونة، ويضر بثقة الجمهور في العمل الإعلامي، ويجعل المنصات مترددة في خوض تغطيات كبيرة؛ خوفًا من الاستهداف. المنصات السعودية، لديها إمكانات؛ لأن تصبح واجهة عالمية في إنتاج ونقل المحتوى الرياضي، لكن ذلك يتطلب دعمًا جماهيريًا وفهمًا أن التطوير عملية تراكمية، تتعلم من الأخطاء، خصوصًا أن المعيار الدولي في الإعلام الرياضي العالمي؛ تتم من خلاله معالجة الأعطال، عبر شفافية التواصل وشرح ما حدث، والجمهور- بدوره- يمنح المساحة الكافية لتصحيح المسار، وهذا ما قامت به القناة ، وبينما يُعتبر النقد المشروع أداة لتحسين الأداء وضمان الجودة، فإن الاستهداف القائم على افتراض المؤامرة، يتجاهل التعقيد الفعلي للعمل الإعلامي، ويقوض فرص بناء صناعة بث رياضية احترافية في السعودية، ويزيد الحاجة الماسة إلى خطاب جماهيري وإعلامي ناضج، يدرك أن دعم المنصات الوطنية، لا يعني التنازل عن النقد، لكنه يعني منحها فرصة للتعلم والنمو بدلًا من حشرها في خانة الاتهام الدائم. غياب الوعي الكافي بطبيعة العمل الإعلامي الرياضي وما يفرضه من تحديات تقنية ولوجستية، يؤكد على أن التوفيق بين النقد الموضوعي، وإحسان الظن ليس فقط خيارًا أخلاقيًا، بل شرطًا أساسيًا لتأسيس بيئة إعلامية رياضية سعودية قادرة على المنافسة عالميًا.