قبل سنين طويلة، كنت أسكن شقة مجاورة لمبنى حكومي تحت الإنشاء، وكان المقاول العربي يحاول أن يمد جسور تواصل مع السكان القريبين، فنشأت بيننا علاقة مؤقتة، وصار يأتي ليشرب معي الشاي في وقت فراغه، وكنت أحيانا أنزل معه إلى ساحة المبنى لمجرد الفرجة، وفي أحد هذه الأيام جئت معه فكان العمال يأتون إلى أعمدة «خشبوها» سابقا، ووضعوا أسياخها الحديدية، فيسحبون اثنين من الأسياخ بعد فكها من العامود القائم، قلت لصديقي المقاول: لماذا تفعلون هذا، ضحك، وقال: لا لزوم لهذه الأسياخ الزائدة في العامود، ولكنها شروط المخطط، وضعناها وعندما أتى المهندس، واستلمها في الخشب بدأنا فكها، لأن المبنى يقوم بدونها. منذ ذلك اليوم صرت أشك في أي مبنى أراه، وأتوقع أنه سحبت أسياخه بعد التركيب، فأصير متحفزا بخوف عجيب وكأني أعاني من فوبيا المباني العامة، وكل خوفي أن يقع المبنى على رؤوسنا. لا شك أن لديكم قصصا كثيرة من هذا النوع؛ ولكني أقول إني من حينها كرهت عبث الفساد الصغير الذي يسبب المشكلات الكبيرة، ولهذا تفرحني أخبار القرارات الصارمة ضد الفساد، وضد التهاون، وسرقة مقدرات الوطن لكسب تافه. خبر «عكاظ» يوم الأحد (5 ديسمبر 2010م) من هذه الأخبار، ويقول «تلقت وحدات المشاريع في المؤسسات الحكومية تعليمات تقضي بمنع دخول (14) شركة منافسات تنفيذ مشاريع الدولة، بعد ثبوت تورطها في مخالفات تتعلق بعدم الالتزام بمعايير الجودة، فضلا عن عدم إنجاز المشاريع في مواعيدها» ورغم أن مثل هذه القرارات كثير، إلا أنها غالبا تأتي متأخرة، وبدون عقاب يردع آخرين عن ذات السلوك. لعل الفارق في هذا القرار أن الشركات المذكورة مصنفة قبلا من جهات التصنيف، ولم تمنع لعدم التصنيف، بل منعت لأسباب أخرى، وهذه الشركات المصنفة تبيع المشاريع، أو أجزاء منها لشركات غير مصنفة، أو لمقاولين من الباطن كما هو المعتاد، وبعد أن ينتهوا ترقع عملهم بالزينة الخارجية وتقدم شركة المتعاقدة المشروع. لا يعقل أن شركات كبرى لها اسمها تورط نفسها بشكل كبير، لكن من يورطها المقاولون من الباطن، وفي الغالب لا يوجد قياس جودة لكل مراحل المبنى أثناء التنفيذ، ونفس الشيء يقال عن تنفيذ الطريق، أو الجسر، كل ما هناك هو خروج مشرف مبانٍ، أو مهندس للنظر بالعين المجردة للمظهر، أو في أحسن الأحوال يحفر حفرة صغيرة، وفي أحيان كثيرة يوقع الورق دون أن يخرج من مكتبه، وهي أشياء معروفة لا يستبعد فيها الفساد، ومن أمن العقوبة تمادى في الخطأ. شركاتنا الكبرى لا زالت لا تحاول بناء سمعة مستمرة للجودة ما عدى القليل منها، ونظرية اضرب واهرب هي ديدن العمل الآن، ولعل الجميع يعرفون أن الخلق التجاري لو ساد لانتهت هذه الأمور، ولما سمعنا عن إيقاف أربع عشرة شركة وطردها من دخول المنافسات. [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 240 مسافة ثم الرسالة