الخارجية الفلسطينية تطالب بإجراءات دولية فاعلة لوقف إرهاب الاحتلال والمستوطنين    المدير الفني لأكاديمية التعاون حسن قصادي.. الأكاديمية بيئة تدريبية داعمة للاعبين.. ونناشد الداعمين    محافظ تيماء يستقبل مدير عام فرع الرئاسة العامة لهيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر بمنطقة تبوك    إجراء أول زراعة منظم ضربات قلب لاسلكي في المملكة    اتفاقية تعاون بين الصين و مصر بشأن إدارة مواقع التراث الثقافي العالمي    مجموعة فقيه للرعاية الصحية تحقق إيرادات بقيمة 1.51 مليار ريال خلال النصف الأول من عام 2025    مدير عام فرع وزارة الموارد البشرية بالمدينة المنورة، يرعى تسليم جائزة السيارة للمستفيد    البريد السعودي ‏يُصدر طابعًا تذكاريًا بمناسبة تكريم أمير منطقة ⁧‫مكة‬⁩ المكرمة ‬⁩تقديرًا لإسهاماته    هبوط اسعار الذهب    أمير تبوك يستقبل رئيس هيئة الرقابة ومكافحة الفساد    كرنفال التمور ببريدة.. بيئة عمل جاذبة تصنع جيلًا رياديًا من الشباب    سيرة من ذاكرة جازان.. إياد أبوشملة حكمي    موسكو تعلن حرية نشر الصواريخ المتوسطة.. استهداف روسي أوكراني متبادل يعطل الإمدادات العسكرية    بعد 80 عاما من قصفها هيروشيما تدعو العالم للتخلي عن السلاح النووي    رواندا تستقبل 250 مهاجرا مرحلا من الولايات المتحدة    إيران تكشف قائمة سرية لجواسيس بريطانيا    تمكين المواطن ورفاهيته بؤرة اهتمام القيادة    نوتنجهام ينافس أندية سعودية على نجم اليوفي    برشلونة يفتح إجراء تأديبياً بحق تيرشتيغن    القادم من الأهلي.. العلا يتعاقد مع "المجحد" حتى 2027    لاعب الهلال مطلوب في أوروبا والبرازيل    أداء قوي رغم تقلبات الأسواق.. أرامكو السعودية: 80 مليار ريال توزيعات أرباح الربع الثاني    «إنسان» تودع 10 ملايين ريالٍ في حسابات المستفيدين    تعديل تنظيم المركز الوطني للأرصاد.. مجلس الوزراء: فصلان دراسيان لمدارس التعليم للعام الدراسي القادم    «الفصلان الدراسيان» يعودان برؤية تطويرية.. رضا مجتمعي واسع واستجابة للمتغيرات التعليمية    ارتفاع مؤشر الأسهم    من تنفيذ تعليمات إلى الفهم والقرارات.. سدايا: الذكاء الاصطناعي التوكيلي يعزز الكفاءة والإنتاجية    والد ضحية حفل محمد رمضان: أموال الدنيا لن تعوضني عن ابني    هيئة التراث ترصد (24) حالة تعدٍ على مواقع وقطع أثرية    معرض «المهمل»    نائب أمير الرياض يؤدي الصلاة على والدة جواهر بنت مساعد    محكمة كامبريدج تنظر اليوم في قضية مقتل «القاسم»    قطاع عقاري مستقر    فيصل بن مشعل: المذنب تشهد تطوراً تنموياً وتنوعاً في الفرص الاستثمارية    محمد بن عبدالرحمن: تطور نوعي في منظومة "الداخلية"    سرد تنموي    احذروا الثعابين والعقارب ليلاً في الأماكن المفتوحة    "الإسلامية" تنفذ برنامجاً تدريبياً للخُطباء في عسير    سعود بن نايف يشدد على الالتزام بأنظمة المرور    صحن المطاف مخصص للطواف    سفير سريلانكا: المملكة تؤدي دوراً كبيراً في تعزيز قيم التسامح    اختتام برنامج أساسيات الشطرنج في جمعية الإعاقة السمعية    النقد السلبي    اتحاد المنطاد يشارك في بطولة فرنسا    مُؤتمر حل الدولتين يدْفع لإِقامة الدولة الفِلسطينية    الأخضر تحت 15 عاماً يخسر أمام أميركا    الانضباط تغرم الهلال وتحرمه من المشاركة في السوبر المقبل    الصمت في الأزمات الإعلامية    لجنة الانتخابات تعتمد قائمة نواف بن سعد لرئاسة الهلال    تقليل ضربات الشمس بين عمال نظافة الأحساء    الراحل تركي السرحاني    أمير جازان ونائبه يلتقيان مشايخ وأهالي محافظة هروب    الشؤون الإسلامية تختتم البرنامج التدريبي المتخصص للمراقبين ومنسوبي المساجد في جازان    مستشفى د. سليمان فقيه بجدة يحصد اعتماد 14 مركز تميّز طبي من SRC    أغسطس.. شهر المناعة العالمي لحماية الأجيال    إطلاق نظام الملف الطبي الإلكتروني الموحد "أركس إير"    الدقيسي    روائح غريبة تنذر بورم دماغي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جدار الطين ينطق الذكريات
نشر في عكاظ يوم 29 - 10 - 2010

كانت حياة، وكان هناك صخب والكل مشغول، فهذا الذي كان ينادي على بضاعته لم يجد وقت الظهيرة سوى حائط السوق ليستظل، وذاك القادم من بعيد لم يبتعد كثيرا، حيث أناخ جمله في ظهر المقهى واستراح يرتشف الشاي، ومدير المدرسة أوقف درجاته أمام باب مدرسته الخشبي في ثول، هنا كانت السوق، وهنا كانت الجمارك، وهنا كان فصلي حيث كنت أدرس، هكذا قال المرافق وهو يحكي عن بيوت الطين.
وتمكن بجولته أن يجعل تلك الحيطان الذابلة، وتلك الغرف المهترئة أن تتحدث وتنطق عما عايشته، وأن تنقلنا معها في رحلة الذاكرة.
هذه مدرستي
دعيع وارد الدعيع توقف فترة من الوقت حينا شاهد تلك الأطلال، ملتزما الصمت، الرجل كان يستعرض أماكن طفولته وحياته، قال: هذه الجمارك حيث كان يعمل والدي، كنت أحضر معه صباحا، وكان يتوجه إليه مدير المدرسة يبلغه عن وضعي، أما في هذا المبنى كانت المدرسة وهذا كان فصلي، أشار إلى بقايا غرفة لازالت جذوع النخل التي كانت تحمل السقف متناثرة في مشهد جنائزي، وهذا مكتب المدير الذي كان يأتي للمدرسة بدراجة، أما المعلم فقد كان يسكن في غرفة ملاصقة للمدرسة، وهذا باب أذكر في يوم ومع تدافع الطلاب وإن لم يكن كثيرا، فقد سقط أحد الطلاب وتوفي، حاليا كلما مررت من هذا المكان استيقظت تلك الذكريات.
دعيع الذي يعتبر فنانا في الخط قال: استفدت من تلك التجربة الدراسية (جمال الخط) وبصورة أذهلت الجميع، لدرجة أنني أخط على لوازم البيت أو التحف مهما كانت مساحتها فمثلا، هذه الأيام أبحث عن هيكل السلحفاة، أود أن أكتب عليه بنوع معين من الخط، وأحتفظ بها كتحفة فنية، والمشكلة أنني وعندما أمارس هذه الهواية ليس من أجل المعارض أو الاستعراض، كل هذا وغيره يرجع الفضل لمدرسة الطين.
البناء وفق معايير
عاطي الجحدلي أبو نبيل، قال: هذه البيوت تجاوزت المائة عام، وكانت أغلب المساكن بهذه الصورة، وكانت تتسع لكافة أفراد الأسرة مهما كان عددهم.
يتدخل علي غالي، قائلا: كان لدينا مثل يقول «السعة في الصدور لا في الدور»، وهذا ينطبق فعلا على الروح في تلك الأيام وعلى أخلاقياتهم، فربما بيت الطين يتكون من غرفتين، ويسكنه أفراد البيت جميعا، بل يمكث معهم فيه حتى الضيف، مع ذلك لا أحد يتذمر أو يتضايق، ودعني أوضح نقطة وهي أن بناء هذه البيوت ليست بالصورة التي يعتقد الكثير بأنها سهلة، بل العكس عملية البناء صعبة جدا، لأن لها أسس وقواعد لابد أن تطبق قبل البناء وبعده، فالطين لابد أن يكون بمستويات معينة من الليونة، وكمية الماء التي يتم خلطها مع الطين، لابد أن تكون بحدود معينة، كما أن جذوع النخل المستخدمة للسقف يجب أن تكون بسماكة وطول محدد، فالعملية تخضع لحسابات وترتيب حاص.
التاجر البخيل
عبيد الله ساعد المعبدي (86 عاما) قال: كان المقاولون لبيوت الطين يأتون من القرى المعروفة بزراعة النخيل، ويستخدمون جذوع النخل وسعفه، لوضع سقف المنزل عليها، وتبدأ العملية بمجرد أن يتفق صاحب البيت مع المقاول حيث يتولى (المعلم)، إحضار كل شيء، ويكتفي صاحب البيت بإحضار الماء، ثم تأتي مرحلة الطين الصافي وكان في بعض البيوت يستخدم مع الطين (التبن أو القش)، ثم يشرع في البناء بحضور صاحب البيت للإشراف، والبيت عادة المكون من غرفتين لا تتجاوز تكلفة بنائه عن 200 ريال، ويذكر عبيد الله حكايته مع صاحب بيت طلب منه بناء غرفتين، قائلا: هذا الرجل كان معروفا ببخله، وكان تاجرا معروفا وصاحب مقهى يقع على الطريق العام، ودائما يدعي الفقر والخسائر، لقد كان تاجر حبال وخيام، جاءني لبناء بيت ليس بعيدا عن المقهى، وبالرغم أن لي أقارب نصحوني بعدم التعامل معه، إلا أنني شرعت بإحضار جذوع النخل من بدر، بل وجلبت الطين على ظهور الجمال، وفي صباح اليوم الذي من المفترض أن أبدأ فيه البناء جاء الرجل يطلب نسيان الاتفاق، والسبب كما قال: إنه وجد مقاولا سوف يبني البيت بسعر أقل مما تم الاتفاق عليه، قلت له مستحيل لأن المبلغ الذي ذكره لا يساوي قيمة جذوع النخل.
في اليوم التالي ذهبت إلى موقع البناء من أجل حمل جذوع النخل والطين التي اشتريتها، فوجئت برفضه أعطائي الجذوع والطين، بحجة أنه سوف يدفع قيمتها، وكان المقاول الذي أحضره قد شرع في البناء، لم أعترض بالرغم أنني كنت متخوفا، رجعت بعد يومين حسب وعده من أجل القيمة، فطلب مهلة يومين ولم أكن أعلم أنه يماطل لوضع الجذوع في سقف البيت، وعندما عدت حسب الموعد لم أعثر عليه حيث توجه لجدة، بعد سبعة أيام أو ثمانية جاء فذهبت إليه وكان البيت قد شيد، فقال: أرجع بعد أربعة أشهر وأنه لا يملك مالا حاليا، لتعرضه لخسائر وأدركت أنه لن يدفع وبعدما سكن في البيت بأربعة أشهر قال: لا يوجد لدي ما أعطيك، بل حاول أن يشتكيني مدعيا أنني هددته، وبعد شهرين تقريبا علمت أن السقف أنهار عليه وأولاده وأصيب بكسور في يديه ورجله اليمنى وإصابة أحد أبنائه بشلل، بعدها فوجئت بالرجل يأتي إلى بيتي طالبا السماح، وحاملا نقودي، إلا أني رفضت أخذ شيء وسامحته، والغريب أنه طلب هذه المرة أن أبني بيتا جديدا، وحتى يجعلني أثق دفع كامل مستحقات البناء، فبنيت البيت وهذه من بقاياه، ظل صامدا لأكثر من نصف قرن ولم يسقط ومع ذلك لازالت الحيطان واقفة.
الخواجة سيزور
لم يتردد محمد سعيد السفري (88 عاما) عن القول بالكثير من الحنين: ليتهم يعودون أصحاب تلك البيوت، لم نكن نعرف الخرابيط التي طلعت هذه الأيام، كان مثلا يأتي الزائر يعيش بيننا والكل يقدم حقه من الجيرة والتعامل الحسن، ولعلي أذكر الخواجة الذي كنا نسميه (مصطفى) وكان اسمه (سيزور)، وكان يعمل في شركة زراعية ويسكن غير بعيد، كيف أنه تدخل ذات مرة وبنى معنا ما يشبه السد الترابي، لحماية القرية من خطر السيل، وأذكر أنه كان يحب الشاي بطريقتنا أي إعداده على الحطب وكان يسميه (مدخن).


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.